الفوضى تعمّ الشرق الاوسط في المجالات كافة، والحرب هي السمة الغالبة لهذه الفوضى، كما نرى في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها،ولهذه الحروب المشتعلة رعاة وداعمين لهم ،مصلحة إستراتيجية عُليّا بعيدة المدى ،في إدامتها وتغذيتّها، بكلِّ صنوف الدعم المالي وألاعلامي والعسكري، والإعتماد على نشر الطائفية والعرقية والقومية ،مرتكزاً لنجاح مشاريعها الدينية والعسكرية،وبعد كل ما رأيناه من خراب ودمار وقتل وتهجّير ونزوح الملايين في هذه الدول،ينفتح مشهد الحرب الآن ، ليلد حرباً عالمية ثالثة منتظرة، ولكنْ هذه المرّة بين دولتين ليس بالضرورة إجتياح عسكري بينهما على الارض كما حصل غزو العراق ، كانتا رأس الحرب لما حصل من قبل ، وهما ألإدارة الامريكية وإيران محور الشر الأصفر، حيث يعلم العالم اليوم ،مَنْ غَذّى وموّل ودرّب وسلّح داعش والميليشيات الطائفية، لمشروعه ألأستراتيجي في المنطقة ، ألآن وبعد تدميّر أهم قوة عسكرية في الشرق الاوسط ،وهو الجيش العراقي الوطني السابق، وإخراجه من معادلة التوازن الإستراتيجي في الشرق الاوسط، وبعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه، والذي كانت ومازالت ترعّاه وتدعّمه أمريكا بعد صناعته في سجن بوكا، حان وقتُ الحساب ، مع الميليشيات الايرانية ، التي رعتّها ودربتّها إيران في معسكراتها، قرب الحدود العراقية الإيرانية، كما إعترف بذلك أكثر من قائد للميليشيات آخرهم قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق ، قبل وبعد الغزو على العراق، فماهي معطيّات وشكل هذه الحرب، وماهو إنعكاسها على المنطقة، وتغيّير شكلها الجغرافي، وهل تحقق اهدافها الإستراتيجية الجديدة إدارة الرئيس ترمب، وتسقط نظام الملالي في طهران، الذي تعّده الراعي الاول للارهاب في العالم، هذا ما سيجيب عليه مقالنا هذا، في ظلّ فوضى واضحة في تشكيل حكومة عراقية، تابعة لأمريكا تمّهد لغزو إيران وإسقاط نظامها الدموي، الذي حوّل المنطقة الى بِركة من حرب ودماء وطائفية وإحتراب طائفي وقومي وعرقي وإثني، إن الحرب الجيوسياسية التي ينتهجّها ترمب، هي السياسة الغالبة ألان في العالم كله،وهذه الحرب يستخدم فيها – العصا والجزرة- كما هي الحال مع اوروبا التي فرض عليها مقاطعة إيران ، وعلاقته التي وصلت الى إعلان الحرب بسبب الجاسوس برونسون، أو كما يحصل مع السعودية في قضية المفكر والكاتب جمال خاشقجي، ومع روسيا والصين والمانيا ،وهكذا تبدو السياسة الخارجية الامريكية ، وكأنها –كلب مسعور- ولكنها تحقق نجاحات لمشروعها إقامة الشرق الاوسط الكبير،ولو ببطء شديد، ففي سوريا يبدو الآن السوط الامريكي ،هو الذي يتحكّم بالمشهد السوري،سواء على إصراره على إخراج إيران وحزب الله من سوريا، أو تساهله في منع إجتياح مدينة أدلب وتفكيك ازمتها ، من خلال فرض منطقة منزوّعة السلاح، وإخراج الفصائل المتطرّفة الارهابية كداعش والنصرة ، بالتفاعل والتنسيق مع تركيا وروسيا والنظام السوري، أما في العراق وما يشهّده من صراع الاحزاب الايرانية، مع مشروع المكلف بتشكيل الحكومة عادل عبد المهدي، والذي يصرّ على ان يكون وزراؤه من خارج هذه الاحزاب،والذي نراه متعثراً ولايمكن له تحقيقه ، في ظل ضغوط إيران القوية على الحصول على وزارت تمولها وتفك الحصار عنها كوزارات المالية والنفط والنقل، وأعتقد ان حكومة عادل عبد المهدي كما قلت في مقالي السابق لن تتشكّل أبداً، وإذا تشكّلت لن يطول عمرها أكثر من شهرين، لأسباب تتعلّق في قدرة عبد المهدي الضعيفة على مواجهة إيران وميليشياتها ،وقادة أحزابها وزعمائها ، كما كان سلفه العبادي ، لأن من يتحكم بالعراق ألان ومن قبل هي الدولة العميقة ،التي يديرها رجل إيران ألأول في العراق والمنطقة ،نوري المالكي والذي يحظى بدعم ومباركة المرشد الايراني الاعلى الخامنئي، إذن فشل تشكيل الحكومة ،رغم النفوذ الأمريكي وضغط الرئيس ترمب من خلال مبعوثه الرئاسي بريت ماكغورك ، لن يستطيع السيطرة كما تريد الأدارة الامريكية ، ولكن هذا الأمر لم يعدْ مهماً لدى الادارة الامريكية، لأن الرابع من تشرين الثاني القادم، سيكون علامة تأريخية فاصلة بين عصرين ، هما عصر ملالي طهران، وعصر مابعد الملالي في ايران، وما يجري على الارض ، والمنطقة ، من تحشيد عسكري واسع جدا ، وتهيئة القواعد العسكرية والمطارات وتوجيه الصواريخ الباتريوت ، وتحشّيد إعلامي واسع ، وتحييّد دول اوروبية ، وقيام تحالف دولي واسع لمواجهة إيران، وتحالف ناتو عربي واسلامي، ووضع جميع أذرع إيران في المنطقة على لائحة الارهاب ،آخرها يوم أمس وضع الكونغرس الامريكي حزب الله على اللائحة، وتسوّية الخلافات مع روسيا والصين وتركيا والسعودية، التي تشهد فتوراً بسبب قضية خاشقجي، حيث حسم الخلاف الرئيس ترمب، قائلاً في ردّه على من يريد فك العلاقة والتحريّض ضد السعودية، (بأن لايمكن الإستغناء عن السعودية ومحمد بن سلمان الشريك الهام لنا) ، وبهذا قضى على أحلام من يعمل على إفشال مهمة الرئيس ترمب، في تطبيّق إستراتيجيته الجديدة، وهي التصّالح مع الجميع ، لمواجهة إيران وتغيّير نظامها الدموي، الراعي الاول للإرهاب في العالم ، إذن نحن أمام منعطف تأريخي كبير، في مطلع تشرين ثاني القادم، هو منع إيران من تصديّر نفطها وغلق مضيق هرمز أمامها ، وإعلان الحصار التأريخي الأقسى عليها،ومنع أي دولة تتعاّمل معها عسكرياً وإقتصادياً، وإعتبارها في الخندق ألإيراني لها، وفي مقدمة تلك الدول العراق ، الذي تنتظر إدارة ترمب مهمة كبرى فيه، وهو تفكيك وحلِّ الميليشيات التي تهدّد القواعد والمصالح الأمريكية في العراق ،وتعتبّرها أمريكا التحدّي الأكبر لها في المنطقة مع حزب الله، وكانت إيران قد تخّلّت عن هذه الميليشيات، وتبرأت منها على لسان الرئيس روحاني في كلمته أمام العالم في إجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة،جاء ذلك رداً على كلمة الرئيس ترمب النارية ضد إيران، وتحشيّد العالم ضدّها ، إذن نحن أمام إستراتيجية جديدة ،تستدعي التوّقف عندها ، بإعتبارها نصراً سياسياً وعسكرياً لترمب في الخارج، رغم ما يتعرض له في الداخل، وهذه الاستراتيجية ، إنطلاقة امريكية ناجحة ،حيّد فيها أهم عدو مفترض لها، كان ممكن له ان يعرّقل تطبيق الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط كلّه، ونقصد به الرئيس فلاديمير بوتين، وأكبر نجاح لترمب وإستراتيجيته الجديدة ،هو تفكّيك التحالف الروسي –التركي – الايراني ، وتحويله الى عامل مطيع لتقاسم النفوذ في كل من سوريا والعراق، وهذا ما نشاهد التنسيق وتقسيم مناطق النفوذ في سوريا ،بين القوات الروسية والتركية والأمريكية، وتضيّيق الخناق على الميليشيات والحرس الثوري وحزب الله ، وهذا ما جعل المعارضة السورية تنجح في الخروج من مأزقها مع النظام ، بعد فشل جنيف،وسوتشي وغيرها، وهذا بحدّ ذاته نصراً أمريكيا ً،نحن هنا نتحدث عن إستراتيجية امريكية ،لا على إنتصارات إمريكا في المنطقة ، فهي من دَمّر وقتل وغزا وهجّرأهل المنطقة ، ولكنّنا نؤكد حقيقة السياسة الامريكية، في ظلِّ صراع دولي وإقليمي واضح على الهيمنة والنفوذ، وتحقيق مشاريع إستريتيجية لتغيّير شكل المنطقة ، على غرار مشروع سايكس –بيكو المشؤوم، خاصة ونحن نقترب من ذكراه المائة بعد سنوات قليلة، هذه هي الإستراتيجية الامريكية الجديدة للرئيس ترمب ، فهل سنشهد نهايتها، في إسقاط نظام طهران والتخلص من ملاليه ،هذا ما ينتظّّره العالم برمّته بعد فرض الحصار الأقسى عليها في الرابع من تشرين الثاني المقبل ، بعد أن أصبح هذا النظام الفارسي المتخّلف ، عبئاً ليس على العالم فحسب، وإنمّا على شعب إيران الحضاري والتأريخي …