في مبادرة لإحياء ذكرى الشهداء، الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن، فطردوا داعش الأرهاب والأجرام، ملبين بذلك نداء الحسين، متأسين بعزاءهِ ونهجهِ وتربيته، حيث يقوم فتيةٌ أمنوا بربهم، بإقامة مجالس العزاء الحسينية، يستذكرون من خلالها إخوانهم الشهداء.
كان لنا الشرف أن يكون أحد هذه المجالس في بيت إبن عمي الشيخ عباس الكناني، ويكون هذا المجلس لإحياء ذكرى إستشهاد ولدهُ الشهيد القائد(خضير عباس الكناني)، الذي نال شرف الشهادة في قاطع عمليات جرف النصر(الصخر)، بعد تفكيكهِ لستة منازل مفخخة، لكنهُ وقع في مصيدة البيت السابع، فتناثر جسدهُ أجزاءً وتقطع بدنهُ أوصالاً، كما تمنى أن تكون شهادتهُ متأسياً بالحسين.
حضر الفتية الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً إلا قليلا، فبدأ أحدهم بتلاوة القرآن الكريم، تلاوة عطرة بصوت شجي تناثرت على إثرها دموعنا تملأ الوجنات، ليختم قراءتهُ فيتلوه آخر يكاد شاربهُ خط نفسهُ بصعوبة، فبدأ بالحمد والشكر والصلاة وتفكيك معاني من الحدث الأكبر، في معركة الطف ورسالة الحسين النهضوية نحو التحرر، بإسلوبٍ بسيط وبعباراتٍ واضحة بعيدةٍ عن التكلف، مستنداً بذلك لآي القران والسنة النبوية من مصادرها الموثوقة، حتى إذا ما أتم حديثهُ بقراءة سورة الفاتحة، ساد صمتٌ رهيب بين الحاضرين، لم يستمر سوى لحظات ليبدأ شاعرهم بإلقاء قصيدتين من الشعر الشعبي، يستذكر فيها بطولات الشهداء ويشد من أزر الباقين، للمضي قُدماً نحو تحقيق القضية؛ عاد الصمت من جديد يُخيّم أجواء المجلس، فظهر شابٌ بِخُطى خفيفة،يخترق الصفوف وهو يردد بهمسٍ حزين “جدي ما أنساك… العطش أذاك”، كلماتٍ جعلتنا في إحساسٍ آخر، حيثُ عرجت بنا إلى واقعة الطف، لتحوم بنا حول جسد الحسين المُرَّمل بالدماء، والممزق الأحشاء، الذي داستهُ خيلُ الأعداء ظلماً وجورا، لا لشئٍ إلا لأنهُ وقف في وجه الطغيان، مردداً: ألا وأن الدعي إبن الدعي قد ركز بين إثنتين، السلةُ أو الذلة، وهيهات منا الذلة.
بعد هيجان المشاعر وبكاء الحاضرين بصوتٍ عالٍ حتى كاد ينهار البعض منهم، بدأ القارئ بترديد إنشودةٍ حماسية طالباً الوقوف، وسرعان ما تنظموا على شكل دوائر وصفوف، ليبدأ قرائتهُ مرددين معه عبارات الحماس والنهضة، ويدعو من خلال أنشودتهُ أن نجعل من ثورة الحسين وبكائنا عليه، قوة وعزماً لمحاربة الطغيان مهما أختلف الزمان والمكان.
إنتهى المجلس وكان الحاج أبو الشهيد قد أعد بعض المأكولات والمشروبات من لوازم الضيافة، وما أن أتم الحاضرون عشائهم، حتى بدأ الشباب أنفسهم بتنظيف المكان، وبعد أن طلبنا منهم ترك ذلك، وأننا من سيقوم بالتنظيف، أبوا إلا أن يُتموا عملهم، ثُمَّ ودعونا وداعاً جميلاً بكلمات الشكر والثناء، وكأننا المتفضلون! سبحان الله، مَنْ هؤلاء؟! وما هذهِ التربية؟!
ملاحظات لا بُدَّ من تسجيلها نهاية المطاف:
هذه أهم الملاحظات وصراحة القول كلها صفات نبيلة ولم ألحظ عليهم أية سلبية، من دخولهم المجلس حتى خروجهم، بارك الله فيهم.
بقي شئ…
هذه بحق التربية الحسينية، وأما غير ذلك فكلهُ هباءً منثوراً، لأن هذه الصفات ومتمماتها هي الثمرة المرجوة من إقامة هذه المجالس، تحية حب وإجلال لهؤلاء الفتية وأمثالهم.