22 نوفمبر، 2024 11:27 م
Search
Close this search box.

العودة غير المرحب بها

يعتبر العراق كباقي بلدان العالم الحية بل ومن بين أبرزها نموذج للتفاعل والتعايش السلمي الشعبي ولا يقول بهذا احد ملقا أو رياء أو مدحا بغير حق بل هذا واقعه وعن تجربة التعاطي معه فهو نسيج فسيفسائي رائع على مر الزمان تتعايش فيه مختلف الأجناس من قوميات مختلفة أو أديان سماوية ومذاهب وملل فهذا مع ذاك أخوان متحابون غير معنيين بالخلفيات الشخصية والانتماءات الخاصة يتشاركون في كل شيء على السواء إذا كان شخصي أو جماعي والشعب العراقي متشابه في العادات والتقاليد والأعراف ويستطيع ابن زاخو أن يجد تبريرا مبسط لسلوك ابن الفاو سلبا أو إيجابا وابن خانقين يفهم ابن الرطبة وقضاء السلمان أو حفر الباطن في أقصى الصحراء ويتحسس مشكلاته ويتضامن معه في حلها والكل يفرح للكل ويعاني بعضهم لبعض بينهم مصاهرة وتزاوج باستثناء منطقة إقليم كردستان حيث كانت في أواخر القرن الماضي معزولة إلى حد ما وتحت الرعاية الدولية لظروفها الخاصة المعروفة للجميع لا شعبيا وإنما من حيث الإدارة والحكم الذاتي لان المواطن الكردي ظل يتمتع بكل حقوق المواطنة ويتنقل ويعمل ويتملك في أي بقعة من العراق يشاء الوصول إليها ولا نتكلم هنا عن السياسة وروادها إنما من الجانب الشعبي حتى دخول قوات الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام العراق السياسي عام 2003 ونحن غير معنيين بهذا الموضوع الآن ورغما عن الإرادة الدولية فقد بدأت ملامح التفرقة تنتشر بين أوساط السياسيين فقط واكرر وأؤكد لا الشعب وإنما بين السياسيين وبدأت صيحات الاختلاف الفكري والعقائدي تأخذ منحى التفرقة وكدنا نقترب من تجزئة البلاد حتى وصلت إلى الذبح والقتل على الهوية في أسلوب لم نعهده من قبل حرمته جميع الأديان السماوية وتمسكنا كعباد لله به وجرت الأمور بالطريقة التي يعرفها القاصي والداني أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي أصيب بالعمى والبكم وعرفنا أنها كانت مقصودة ومخطط لها بعناية من قبل مخابرات دولية وانتبهنا بعد فوات الأوان وذهبت إلى رحمة الله أرواح بريئة أزهقت ظلما وبغيا وعدوانا وأدركنا مغزاها وعرفنا إن لذلك أسباب كثيرة من أهمها السيطرة على ثروات بلادنا وخيراته كانت سبب في كل ذلك إلا لعنة الله على تلك الثروة التي لم نعرف منها غير هذا البؤس والهوان .

بعد مرور السنوات العجاف تلك لم يستطع خلالها الشعب العراقي إن ينقذ نفسه إلا من خلال الوسائل السلمية فهذا هو حاله دائما ومنذ أن عرف كعراق وسيبقى إلى قيام الساعة شعب مسالم متفاهم محب لبعضه وللخير وللآخرين متعاون مع كل شعوب العالم وخرج بتظاهراته الضخمة الصاخبة لعدد من المرات يريد إصلاح الحال كما يريد حقوقه التي اقرها دستور البلاد إلا ما شهدته المنطقة الغربية حيث امتدت إليها يد الخباثة القبيحة من أتباع الرعاع الدواعش فشوهوا صورتها وخلقوا فجوة بينها وبين باقي الشعب العراقي تحت عنوان الطائفية البغيضة خلطوا فيها الشر بالخير وتبعها ما تبعها من ويلات على أهلنا هناك لا زالوا يعانون منها إلى يومنا هذا ولا زال الكثير من العوائل في مخيمات النزوح يعانون الأمرين سهلت دخول عصابات الجريمة وبلطف الله هب الشعب العراقي بأجمعه لإعادتها لوضعها الطبيعي ولكن بتضحيات بشرية ومادية ودمار للبنية التحتية لابد أنها ستعاني منها كثيرا لتستعيد عافيتها.

أتخطر إن في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق صرح احد قادة الجيش الأمريكي بما معناه أنهم ساعدوا على إنشاء وتقوية مقاومة الاحتلال من خلال قتل المواطنين العراقيين لأتفه الأسباب وهذا ما دفع بالعراقيين إلى محاولة الثأر من الجيش الأمريكي فقتل شخص واحد ينتج عنه تعاطف عائلته وأقاربه ومعارفه معه ليحل محله عشرة للانتقام من القتلة وهكذا كانت قوة المقاومة تتضاعف كل يوم وتتضاعف معها الخسائر الأمريكية وهو ليس مثالا أو قياس لكنه من أهم العوامل التي ساعدت على زعزعت الأمن هناك وربما تكرر هذا المشهد مع القتل الطائفي مما أدى إلى انتشار الجريمة المنظمة والقتل وضياع هيبة الدولة والقانون ونظام المؤسسات وهذا بأحسن أحواله يولد متابعة المجرم ومعاقبته وإذا حصل العكس ويظلم البريء فالنتيجة ستكون عكسية وخطورتها في المجتمع ستبلغ إلى مستوى بعيد.

ومن نفس المنطلق فان من واجب الدولة والدولة وحدها بنظامها ومؤسساتها الأمنية ولها الحق هي فقط في محاسبة من يخترق القانون بأي شكل من الأشكال وكل البلدان والمجتمعات قد أسست لذلك دوائر امتازت بالعدل وإنصاف الشعب على أساس مبني على تقصي الحقائق والتوصل إلى نتائج حقيقية لا على الشبهة والضن والمصالح الحزبية أو الولاءات الخاصة فذلك ما سيعود بنا إلى ما تلا عام 2003 وسنعود نقتل بعضنا البعض .

إن ما يحز في النفس بألم محاولات البعض جهات كانوا أو إفراد مصادرة حق الدولة ومؤسساتها الأمنية والعدلية والتصرف باجتهادات تخالف القانون ولو كان هذا البعض يمتلك صفة أو منصب رسمي أو شبه رسمي فيعتقل من يشاء ويطارد من يشاء ويقتل كيفما يريد وقد توضح هذا الفعل غير المناسب والمستهجن اجتماعيا في الفترة الأخيرة خصوصا بعد التظاهرات الشعبية الأخيرة التي سبقت الانتخابات وما تلاها وبدأت حملات اعتقالات تخللتها تصفيات جسدية لبعض الشخصيات قسم منها معروف على المستوى المحلي وقسم منها تحت غطاء أجهزة الدولة وقسم بررته الإشاعات أو التصريحات على أساس أنها نتيجة لمشاكل عائلية أو اختلافات خاصة بين الضحية وآخرين لا تحمل الطابع السياسي ولم تعلن إي جهة مسئوليتها عن الجريمة ومهما يكن التبرير فهو غير مقنع للعامة لأنه خارج سياق القانون الطبيعي الذي تمثله أجهزة الدولة الأمنية ويبقى مثارا وموضوعا للأحاديث الخاصة ومقلق للمجتمع ما لم تعلن الحكومة الإمساك بالمجرمين لينالوا جزائهم العادل بشفافية تامة وإلا فإننا ذاهبون إلى العودة لنفس نقطة البداية والرجوع إلى سيناريو القتل السابق.

حمانا الله جميعا من كل شر وسوء وهدانا إلى طريق العقل والصواب برحمته.

أحدث المقالات