تم اكمال مسودة الموازنة العامة لعام 2019 واذا ما أردنا مناقشة هذه المسودة والتمحيص فيها نجد أن اهم مافيها هو محصلة نتائج الضغط الجماهيري والتظاهرات الشعبية العارمة التي انطلقت في البصرة الفيحاء وامتدت الى معظم المحافظات العراقية حيث يبدو واضحاً أن هذه التظاهرات وهذا الضغط الكبير قد أجبرا الحكومة على اعادة حساباتها في طلبات الجماهير وخاصة فيما يخص انتشار البطالة وعدم توفر فرص العمل ونقص الخدمات الرئيسية للمواطنين, حيث نصّت المسودة في غالبية فقراتها على توفير الخدمات وفرص العمل وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين في كل المحافظات حسب التخصيصات اللازمة لها, وهذا مؤشر جيد يبن لنا بأنه (لايضيع حق ورائه مُطالب ) وان جهود المتظاهرين السلمية ودماء الشهداء الطاهرة لن تذهب سدى وأنها أوصلت رسالتها بقوة وستتمكن بعون الله من انتزاع حقوقها في القريب العاجل.
دعت الحكومة على لسان ناطقها الرسمي مجلس النواب الجديد إلى الاسراع بعقد اول جلسة للعمل على اقرارالموازنة قبل نهاية العام الحالي ، مضيفاً ان زيادة اسعار النفط فوق المتوقع جعل الحكومة تسعى الى انعاش دخل الفرد من الموظفين ومستفيدي شبكة الرعاية الاجتماعية ، مبينا أنها رصدت بموازنة العام المقبل 15 الف مستفيد ممن يستحق راتباً شهريا, وأوضحت وزارة المالية بأن حجم الانفاق في هذه الموازنة أكبر من الايرادات وأنها اعتمدت سعر 55 – 60 دولارا لبرميل النفط، وبمعدل تصديري يصل الى أربعة ملايين برميل يوميا من ضمنه المصدر من اقليم كوردستان ما يمنح الدولة مجالاً اوسع لتعزيز الخدمات والمصاريف.
ان استباق الحكومة باعداد مسودة الموازنة لعام 2019 بشكل مبكر وأخذها بمطالب الجماهير يعتبر خطوة جيدة لكن ماجاء فيها من توفير فرص العمل للعاطلين وزيادة أعداد المستفيدين في شبكة الرعاية الاجتماعية غير كافي في تقليل معدلات البطالة التي وصلت الى أرقام مخيفة ومقلقة وكان الأولى بالحكومة أن تركز على تنشيط عمل ودور القطاع الخاص الذي يعتبر هو طوق النجاة للحكومة لو أحسنت استغلاله وعليها أن تطلع على التجارب الناجحة في كثير من دول العالم التي التي قامت باحتضان القطاع الخاص وجعلته شريكاً حقيقياً لها ووفرت له الكثير من التسهيلات والفرص والمشاريع الاستثمارية التي ساهمت بالقضاء على البطالة في هذه البلدان وانعشت الاقتصاد بنفس الوقت, ونحن في العراق وفي هذا الظرف العصيب الذي نعيش به نحتاج من الحكومة الى اعطاء الدور الحقيقي للقطاع الخاص في بناء البلد وانعاش الاقتصاد واحتواء الجيش الكبير من العاطلين بين صفوفه وذلك بتوفير فرص استثمارية حقيقية له واعطائه الأفضلية على الاستثمار الخارجي مع التركيز على وضع القوانين والتعليمات الصارمة على القطاع الخاص في قضية توفير الضمان الحقيقي والأمان للعاملين فيه من ناحيتين رئيسيتين الأولى هي الضمان التقاعدي عن طريق الزام القطاع الخاص بتسجيل جميع منتسبيه في دائرة الضمان الاجتماعي لتوفير الحقوق التقاعدية لهم والثانية هي ضمان ديمومة العمل في القطاع الخاص وذلك عن طريق الزام القطاع الخاص بتوظيف منتسبيه بعقود رسمية وتكون وفق نماذج يتم اعدادها من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تضمن فيها حقوق صاحب العمل والموظف أو العامل بنفس الوقت ويتم تسجيل هذه العقود في دائرة الضمان الاجتماعي لضمان عدم السماح لأصحاب العمل بانهاء عقود العاملين بطرق تعسفية ومزاجية, واذا ماتم تطبيق هذه الناحيتين في القطاع الخاص بصورة قانونية وصحيحة فأن حقوق جميع العاملين في القطاع الخاص ستكون مضمونة ومحفوظة مثل أقرانهم العاملين في القطاع العام وهذا سيؤثر بشكل كبير في تقليل معدلات البطالة في البلد وسيقلل من تأثيراتها السيئة في المجتمع.