قد يكون افضل فهم للديمقراطية العراقية هو فهم مغلف بمنطق يمكن تمثله من خلال مثلين شعبيين الاول “عرب وين قمبورة وين” والثاني” خلالات العبد” ورغم اني لا اميل كثيرا لاستخدام بعض الامثال التي تحمل مضامين خاصة لا احبذها الا ان الفكرة تنطبق على الواقع السياسي العراقي وهي الاكثر قدرة عن التعبير عنه وتعطي راحة نفسية نوعا ما عبر هذا التوصيف ولينتقدني من يشاء مع احترامي له.
ولنرى كيف تعمل النظم السياسية في العالم فيما يتعلق بمسالة الانتخابات وماتليها من ديمقراطية وكيف نوظف نحن في بلدنا منطق “قمبورة والخلالات” لتحريك الماكنة الديمقراطية والسياسية، في اميركا تستغرق الاحزاب السياسية من سنة الى ثلاث في اختيار المرشحين الذين سيمثلون الحزب (س) او (ص) في الانتخابات وبعد عرضهم على الناخب الاميركي في ندوات وبرامج ومنشورات ومتابعة استطلاعات الراي ومقاييس تقبل الجمهور للمرشح يتم ادراجه في قائمة المتنافسين، بينما تعمل الجهة المسؤلة عن الانتخابات الاميركية لسنوات اربع في تثقيف الناخب وتامين تغطية معلوماتية كاملة عن الانتخابات والمرشحين وما نحو ذلك اي لاتتوقف الجهة المعنية بالانتخابات عن عملها في مراحل الانتخابات وما بينها. اما نحن فيتملكنا منطق “عرس الخرسة، او عرب وين قمبورة وين !!!” عندما نعمل ونهيء للانتخابات فالاحزاب السياسية تختار مرشحيها لخوض الانتخابات في وقت يترواح ما بين يوم واحد الى شهر في احسن الاحوال، والمفوضية تعمل فقط لستة اشهر قبيل الانتخابات وكلنا نتذكر متى اقرت موازنة المفوضية ومتى اقر قانون الانتخابات والذي اعتمدت فيه طريقة سانت لوجي الانتخابية. وقد يتبادر للذهن سؤال مهم هو “اين هو حق الناخب العراقي في الحصول على المعلومات الكاملة عن الانتخابات والطرق الانتخابية ونظمها والمرشحين وكيانتهم وتمويلهم وما نحوه ؟” قد تكون عبر البيت الشعري الساخر والشائع الذي يعبر عن دلالات العجلة التامة في انجاز الاشياء وهو “اسلق لها البيض لا دهنٌ ولابصلُ” وحتى يومنا هذا لايفقه اغلب مرشحي الكيانات الانتخابية مضامين سانت لوجي وحتى وسائل الاعلام لم تقدم شروحات كافية عن هذه الموضوعة لكي يفهم الناخب الى اين تسير به القافلة الانتخابية. ونقطع الطرق على من يرفض المقارنة بيننا وبين اميركا بالقول اننا ننفق على الانتخابات وفق النسبة والتناسب السكاني والتقني ومانحوه بين البلدين اكثر مما تنفقه اميركا على الانتخابات. ورب قائل يقول ان الموفضية تضع على موقعها الاليكتروني انظمة الانتخابات والقوانين واسماء الكيانات الانتخابية والائتلافات، ونرد عليه بانه لايكفي فليس كل العراق يستخدم النت ولايملك الناخبون كلهم القدرة على الولوج لموقع المفوضية واما عن عرض المرشحين فانه عرض سريع وفقط لاسماء المرشحين ليس الا.
ويجرنا منطق “عرب وين قمبورة وين” الى نتيجة حتمية في اخيتار الناخب للمرشحين فبين خيار الذهاب نحو صناديق الاقتراع وبين الاحجام والعزوف يقف الناخب العراقي في حيرة من امره، اي الطرق يسلك هل يمتنع عن الاقتراع او يقترع، وبكلتا الحالتين انتخب او لم ينتخب فان “خلالات العبد” هي النتيجة الحتمية لانه لم يعطى الوقت الكافي ليختار ولم تتاح له المعلومات الكاملة عن المرشحين بحرية وبلا مؤثرات ولم تقدم الاحزاب السياسية تغطية جيدة عن مرشحيها عدا عن اسماءهم والقابهم العشائرية وصورهم بعد ان تم تجميلها بواسطة برامج الفوتوشوب وغيرها لتبدو على ماهي عليه اليوم كما ان الناخب العراقي لم يحظى بالتثقيف الجيد حول العمليات الانتخابية واهميتها وكل ما يحيط بها وحتى الوقت الممنوح للترويج الدعائي الانتخابي قصير جدا ومغلف بازمات امنية وسياسية وقومية ومذهبية والى ايها يلتفت الناخب؟ الى حياته الخاصة ام الموت والارهاب او الازمات الحكومية واخيرا الدعايات الانتخابية، واين هي البدائل ؟ ليست هنالك اية بدائل وامامك المجموعة الكاملة من الخيارات الانتخابية التي سوقتها تلك الكيانات. المفوضية والحكومة من فوقها مسؤلتين بالضرورة عن كل ما قد ينتج من فوضى وعوق اداري وحكومي وبقاء المحافظات في خيام التخلف والتاخر وبما ان الاحزاب والكيانات السياسية تعمل وفق مصالحها الخاصة فان مسائلتنا لها قد تكون محدودة في هذا الموضع بينما تتحمل المسؤولية كاملة الحكومة وبرلمانها ومفوضية انتخابتها لانها لم تطبق المعايير الصحيحة والمناسبة لتحقيق عملية اختيار كاملة وشفافة وبينما تحظى كيانات انتخابية حاكمة بافضلية واسبقية في سباق التنافس الانتخابي وتخسر كيانات اخرى الفرص ذاتها فان الناخب العراقي تغبن حقوقه ايضا وبتوقيع وامضاء حكومي.