16 نوفمبر، 2024 3:54 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. مينا فوزي: نسعى لإحياء لغة أجدادنا واستخدامها في حياتنا اليومية

مع كتابات.. مينا فوزي: نسعى لإحياء لغة أجدادنا واستخدامها في حياتنا اليومية

 

خاص: حاورته- سماح عادل

لأن الشباب لديهم حماس لفعل الأفضل اجتمع مجموعة من الشباب على الرغبة في تعلم اللغة القبطية، لغة الأجداد التي اختفت من الحياة اليومية، كما سعوا لنشر الدعوة لإحيائها وإعادة التحدث بها، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لما لها من إمكانيات الانتشار، فأسسوا صفحات وجروبات على “فيسبوك” أقبل عليها كثير من المهتمين باللغة القبطية.

وكان لنا هذا الحوار مع “مينا فوزي” الذي تحدث بالنيابة عن زملاءه، وهو من مواليد محافظة “بني سويف”، متخرج من كلية خدمة اجتماعية في الفيوم، وحاصل على دبلومة في التربية، وقد اهتم مينا باللغة القبطية وتعلمها بشكل ذاتي منذ خمس سنوات، وأسس هو وأصدقاءه صفحة تدعو لإحياء اللغة القبطية وتعليمها منذ ثلاث سنوات.

 

إلى الحوار:

(كتابات) انتشرت في الآونة الأخيرة صفحات على “فيسبوك” وجروبات تهتم بتعليم اللغة القبطية.. ما سبب هذه الصحوة؟

• في الحقيقة هناك أسبابٌ كثيرة، منها الرغبة في التعلُّم ومنها حب الاستطلاع ومنها مَن تدفعهُ الوطنية، ومنهم فئةٌ أخرى يُعجَبون بالصفحة لاعتقادهم أنها تخص الدين أو الديانة المسيحية، على الرغم من أن اللغة القبطية ليس لها علاقة بالمسيحية، غير أن الأقباط المسيحيين يُصلون بها فقط في كنائسهم.

لأن كثير من المسيحيين يعتقدون أنها لغة مقدسة ترتبط بالدين، ولا يعرفون عنها شيء، ولا يعرفون أنها لغة أجدادهم المصريين القدماء، التي عاشت أكثر من ستة آلاف سنة.

(كتابات) هل تلاقي تلك الصفحات والجروبات إقبالا من الناس ومن أية فئة الشباب.. المتعلمين..؟

• هناك إقبال لا بأس به.. الأغلبية من المسيحيين طبعا لأنها لغة الصلوات، لكن أيضا هناك أعداد كبيرة من المسلمين، من طلبة الجامعات الذين يدرسون القبطية كخط من خطوط اللغة المصرية القديمة في كليات الآثار وكليات التربية.. من أشهر المسلمين معنا في الصفحات الأستاذ “أحمد عطية” وهو يجيد اللغة القبطية، وخاصة اللهجة الصعيدية، وله فيديوهات كثيرة عن اللغة القبطية على اليوتيوب.

ندير صفحات لتعليم اللغة القبطية أنا وزميلي المهندس “جورج سيدهم”، أسسنا صفحة (المتحدثون بالقبطية) على “فيسبوك” والتي قاربت على جذب  8500 متابع، ولدينا صفحة (اتكلم قبطي) تقترب من 25 ألف متابع، بالإضافة إلى جروبات أخرى أسسناها لنفس الغرض، حيث نقوم بنشر بعض القواعد عن اللغة وكلها بالنطق القديم للغة القبطية، وليس بالنطق المخترع الجديد (العرياني)، الذي استخدمته الكنيسة منذ ما يقرب من 180 سنة فقط .

(كتابات) هل تُجيد اللغة القبطية وكيف تعلمتها؟

• نعم بكل تأكيد وأكتب بها مذكراتي.. إنها قصةٌ طويلةٌ لكني تعلمتها في فترة قصيرة جدا، درستها منذ خمس سنوات، لقد كنت ملما بالقواعد والكثير من الكلمات منذ السنة الأولى من تعلمي.. تعلمتها بنفسي من خلال كتب ومراجع كثيرة عن اللغة القبطية،  ولم أجد معلم يعلمني ولم أجد دروسا على الانترنت لتعليمي، سوى الكتب والمراجع، أحدثها يرجع لسنة 1970، وأقدمها يرجع لسنة 1822 وأغلبها بخط اليد .

منذ صغري وحتى دخولي الجامعة لم أكن أعلم ما هي اللغة القبطية، لم أكن أعرف عنها شيئا غير أننا نستعملها في الصلوات، الآن أنا أفهمها جيدا واستطيع أن أتكلم بها.

(كتابات) ما هي اللغة القبطية؟

• عندما نتكلم عن اللغة القبطية فنحن نتكلم عن الهوية المصرية، فعندما نترجم كلمه (قبطي) إلى اللغة القبطية تصبح (رامنكامي) وعندما نترجم كلمة (مصري) باللغة القبطية تصبح أيضا (رامنكامي)، إذن كلمة (قبطي) تساوي كلمة (مصري) في المعنى..

وهنا يوجد سؤال يطرح نفسه وهو من أين جاءت كلمة قبطي بمعنى مصري؟، والإجابة على هذا السؤال هي أن كلمة (مصر) في اللغة المصرية تكتب (كاميت) بالهيروغليفية، وأصبحت (كامي) في الخط القبطي بعد أن سقطت تاء التأنيث الأخيرة. حوّر اليونانيون كلمة (كاميت) إلى (جابيت) ثم أضافوا لها حرف الاستهلال في بداية الكلمة ثم الزائدة اليونانية (ايوس) في نهاية الكلمة.. ليحوّل اليونانيين كلمة (كاميت) إلى (إيجبتيوس) أي اسم مصر باللغة اليونانية، والذي أتى منه أسماء مصر في اللغات الأوروبية (ايجبت) و(ايجبتو) و(لوجيبت) Egypt…الخ.

وعند دخول العرب إلى مصر أزالوا الزوائد اليونانية ونطق العرب اسم مصر (جبت) أو (جبط) التي أصبحت فيما بعد (قبط) يعنى مصر بلغة العرب.. أطلق العرب على جميع المصريين اسم (الأقباط) مهما كانت دياناتهم وطوائفهم، وأطلقوا على اللغة المصرية اسم اللغة القبطية. وهذا معناه أن القبطية هي هوية شعب مصر وليست ديانة.. ولكن مع تحول أعداد كبيرة من المسيحيين إلى الإسلام في القرون الوسطي أصبح اهتمام المسلمين باللغة العربية أكثر لأنها لغة القرآن والصلوات الإسلامية.

بينما ظل المسيحيين متمسكين باللغة المصرية القديمة التي أطلق العرب عليها (القبطية)، ومع تزايد أعداد المسلمين أصبح لفظ (قبطي) يطلق على المسيحيين فقط، ونسى المصريون هويتهم ولغتهم حتى المسيحيين منهم، وقد ظلت اللغة المصرية القديمة مستعملة في الحياة اليومية حتى القرن السابع عشر، ثم اتجه الناس إلى التكلم بالعربية بسبب التأثير الأكبر لها. حتى الآن في وسائل الإعلام لا يفرقون بين كلمة  قبطي ومسيحي، وحتى في أوساط الفئات المتعلمة والمثقفة، وحتى القنوات الدينية المسيحية الخاصة بالمسيحيين لا تفرّق بين اللفظين قبطي ومسيحي، مع أن قبطي ليس مسيحي في الأصل وتعنى مصري.

(كتابات) ما الفرق بين اللغة القبطية والهيروغليفية؟

• كتب المصريون لغتهم بأربع خطوط على فترات زمنية متفاوتة،  أولهم يُعرَف باسم الخط الهيروغليفي وقد اخترعه الحكيم (تحوت) منذ 4200 سنه قبل الميلاد، وهو عبارة عن أشكال وصور أصبح لها منطوق صوتي فيما بعد. ومزين به جدران المعابد والأعمدة الأثرية. ثم ظهر الخط الهيراطيقي حوالي 3000 قبل الميلاد، وهو خط أسهل في الكتابة ومختصر إلى حد ما.. ثم ظهر الخط الديموطيقى في العصر (الصائي) حوالي 700 ق . م،  وهو أكثر سهوله في الكتابة وأكثر اختصارا..

ثم اتجه المصريون إلى كتابة اللغة المصرية بطريقة مختلفة في القرن الثالث قبل الميلاد، حيث استخدموا حروف اللغة اليونانية (لغة الاحتلال) ليكتبوا بها لغتهم المصرية، والأمر أشبه بمن يكتبون اللغة العربية بحروف أوروبية على مواقع التواصل، فالحروف يونانية لكن اللغة مصرية، وبعد ما كانوا يكتبون لغتهم ب 700 رمز هيروغليفي  أو حوالي  200 رمز ديموطيقى أصبحوا يكتبون لغتهم المصرية ب 32 حرف فقط . وهذا هو الخط القبطي، الخط الرابع.

وللعلم درس “شامبليون” 13 لغة لكي يتوصل لفك رموز الهيروغليفية، من ضمن هذه اللغات كانت القبطية التي مكنته من ترجمة النصوص.. توصل “شامبليون” إلى فك الرموز عن طريق مقارنة الأسماء الإغريقية على حجر رشيد بالحروف الهيروغليفية المقابلة، وتمكن من نطق جميع الحروف والرموز، وهنا جاء دور اللغة القبطية عندما وجد “شامبليون” نفسه ينطق لغة وكلمات لا يعرف معناها، فمثلا نطق كلمة (حات) ولم يعرف معناها فبالرجوع للغة القبطية نجد كلمة (حات) معناها (قلب) وهكذا في باقي الكلمات، وهكذا استطاع أن يترجم تاريخ مصر ويخرجه للنور وكان ذلك يوم 14 سبتمبر سنة 1822.وقد تحدث “شامبيلون” في مذكراته عن اللغة القبطية، وقال أنها أسهل لغة في العالم ويمكن أن يتعلَّم أي أحد قواعدها في يومٍ واحد.. الفرق بين القبطي والهيروغليفي هو فقط في شكل الخط والكتابة، لكن في مضمون اللغة ونطقها فهي لغة واحدة وهي اللغة المصرية القديمة.

(كتابات) ما معنى اللغة القبطية على اللفظ القديم وهل هناك لغة قبطية أخري؟

• كلمة (لفظ) نقصد بها طريقة نطق حروف اللغة، أما اللفظ القديم للغة هو طريقة نطق الحروف على الطريقة القديمة التي كانت موجودة قبل عام 1858،  قبل تعديلات شخص اسمه المُعلم “عريان أفندي مفتاح” . حيث أنه فى سنة 1858 قام “عريان أفندي” بتغيير نطق أغلب حروف اللغة لتصبح مشابهة لنطق اللغة اليونانية الحديثة، وهذا أدى إلى انحدار شديد في اللغة بعد أن استعمل تلاميذه طريقة النطق الجديدة في الكنائس والصلوات، وفى هذا الوقت لم يكن أحد يجيد القبطية ولا يعرفها ولا حتى “عريان أفندي” نفسه.

الطريقة القديمة للنطق كانت تشبه الهيروغليفية إلى حد كبير جدا، وسهلة النطق وسريعة التعلم.. بعد التعديلات التي أجراها “عريان” أصبحت الطريقة (العريانية) الجديدة أكثر صعوبة والكلمات مليئة بالهمزات ولا تصلح لغة كلام ولا حديث.. لا يوجد أكثر من لغة قبطية ولكن يوجد اختلاف في قراءة النصوص، فهناك قراءه قديمة (اللفظ القديم) ونريد أن نسترجعه، وهناك اللفظ المشوه الجديد (اللفظ العريانى) وتستخدمه الكنيسة حاليا في صلواتها.

(كتابات) هل أنتم على خلاف مع الكنيسة؟

• نحن لسنا على خلاف مع الكنيسة في أية أمور دينية أو عقائدية، نحن نحترم الكنيسة جدا ونقدر الآباء الأجلاء والأساقفة وعلى رأسهم قداسة البابا نحن نحترمهم جميعا.

لكن نحن نرفض طريقة نطق الكنائس للغة القبطية، لأنها طريقة مشوه معدلة حديثا لا تصلح لإحياء اللغة مرة أخرى. اللغة ليست شيء مقدس فالصلاة يمكن أن تتم بأية لغة. لكن نحن نريد أن نحافظ على لغة أجدادنا، نريد أن ترجع مرة أخرى ويعرفها الجميع، هذا كل ما نريده.. وأكرر مرة أخرى نحن لسنا على خلاف مع الكنيسة في شيء سوى طريقة نطق اللغة فقط.

(كتابات)  هل يوجد الكثير ممن يجيدون اللغة القبطية مثلكم؟

• هناك من يهتمون باللغة ويدرسون مثلي وهم قليلون جدا، وهناك أسر في صعيد مصر تتكلم باللغة القبطية، أشهرهم أسر قرية الزينية في الأقصر، مازالت هناك بيوت محتفظة باللغة وبطريقة النطق القديمة.. فعندما نقول أو نسمع اسم قرية الزينية بحري بالأقصر نحن نقصد القرية التي تتحدث بلغة الفراعنة حتى الآن.

(كتابات) كيف يتم إحياء اللغة القبطية مرة أخرى من وجهة نظرك؟

• من وجهة نظري هذا ليس أمرا صعبا لكنه يتوقف على الشعب نفسه، فهناك لغات ميتة تم إحياءها مرة أخرى مثل اللغة العبرية مثلا. من وجهة نظري الذي سيرجع اللغة مرة أخري هو الإعلام والميديا ووسائل التواصل، عندما يتم وضع اللغة في وسائل الإعلام وعندما تدخُل في أفلام وأغاني ستُكَوّن خلفية عن هذه اللغة عند المشاهد.

واعتقد أن الدولة لها دور هام في عملية إحياء اللغة المصرية القديمة، حيث نحتاج أن تُدرّس في المدارس.. يجب أيضا أن يمحى مصطلح (قبطي) من كل المستندات ومن الميديا وأن يستبدل بكلمة مصري.. بدلا من يقال لغة قبطية نقول لغة مصرية، اعتقد أنها تسمية دقيقة عن كلمة قبطي التي تأتي في ذهن المستمع بأن المقصود المسيحيين، وتسمية لغة مصرية اعتقد سيساعد أكثر في تفهم اللغة ومحاولة تعلمها من الجميع.

بالنسبة للدروس أقوم حاليا بعمل كورس لغة قبطية اُسميه (كاما) وهو اسم مصر باللهجة الصعيدي، مازلت أجهز للدروس والفيديوهات التي سأضعها على موقع التواصل “فيسبوك”.. نحن نبذل ما لدينا من جهود لكن لا يجب أن نكون بمفردنا، يجب أن تساعدنا الدولة وأيضا الكنيسة بما أنها تستعمل اللغة المصرية.

(كتابات) هل تواجهون رفضا أو هجوما من أشخاص أو جهات بعينها؟

• ليس رفضا بمعني الرفض. لكن هناك من يعترض على فكرة إحياء اللغة أو التكلم بها مرة أخري، يقولون ماذا نستفيد من إحياء لغة ميتة.. لكن هناك أشخاص كثيرون متحمسون لفكرة إحياء اللغة المصرية القديمة مثلي ومثل م “جورج” وأستاذ “أحمد عطية” وأستاذ “أحمد عامر”.. من وجهة نظري إن اللغة هي الهوية كيف نكون مصرية ونحن لا نتكلم المصرية هذه هي القضية.

(كتابات) ما هي أهم الكتب التي تفيد في تعلم القبطية؟

• كتاب (المرجع في قواعد اللغة القبطية) ل”معوض داود”، كتاب (قواعد اللغة المصرية) للعلامة “جورج صبحي” 1925، وهو عبارة عن مقارنة بين الهيروغليفية والقبطية، و كتاب من 3 أجزاء (بينوب الذهب) في اللغة القبطية، فالكتاب يشرح قواعد جيدا مع تحفظنا على النطق الذي فيه للغة. وأيضا كتب دير الأنبا مقار لتعليم اللغة القبطية.

أما بالنسبة للقواميس فهناك قاموس قبطي انجليزي لعالم المصريات البريطانيcrum  عمل فيه لمدة 30 سنة هو وتلاميذه وصدر في 1933. وهناك قاموس للأستاذ “معوض داوود” قبطي عربي وهذا  أشهر قاموس وأكثرهم غزارة لأنه يشمل اللهجتين البحيرى والصعيدي عمل عليه حوالي 40 سنة وطبع سنة 2000. كما أن هناك قاموس ل”شامبليون” نفسه صدر في سنة 1822، وهو عبارة عن قبطي هيروغليفي فرنساوي، وقاموس لمفتش الآثار “اقلاديوس بك لبيب” صدر سنه 1860 وهو قبطي عربي.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة