في كلِمَتَيْ فخامة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي , وسعادة رئيس مجلس النواب الأستاذ أسامة النجيفي في حفل تنصيب غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو كل المؤشرات على حرص المسؤولَيْن الكبيرَيْن على مواطنيهم المسيحيين العراقيين , وهو إطراء لم يسمعه مواطن في أرقى الدول ديمقراطيّة لا في أوربا ولا في الأمريكيتَين بحق مجموعة إثنيّة من مواطني بلدانها, وهو موقف يقدّره مسيحيوا العراق عالياً من طرف المسؤولَين الكبيرَيْن, غير أن ما تعرَّض اليه مسيحيوا العراق لم يكن فقط من أرهابيّي القاعدة أو ثلّة من المنحرفين يا فخامة الرئيسَيْن , بل أن ما تَعَرَّض له المسيحيون في العراق من أطراف مؤثِّرة في الحكم منذ ما بعد 2003 كان موازياً لما قام به الأرهاب والمنحرفين إن لم يكن أكثر, فالنتائج المترتبّة على أجرام الأرهاب والمنحرفين قد تتم معالجتها بتلبية مطالبهم الأجرامية ودفعاً للشرّ, بدفع فدية معيّنة أو ترك دورهم الى مناطق آمنة مؤقتاً لحين أستتباب الأمن أو إستشهاد البعض منهم أسوة بالمواطنين العراقيين الآخرين , وهذه جميعاً عوامل مهمة في ترك المسيحي وطنه وبلده ويلجأ الى الهجرة والهرب , ولكن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية وهي شعورالمسيحيين بأنهم مهَمَّشون ولا يمارسون حقوقهم السياسية كمواطنين شركاء في الوطن الذي كما وصفتموه بأنهم ” المسيحيون ليسوا أقلية في العراق، بل أنتم هنا في العراق منذ ألفي عام وانتم أصل العراق وأسهمتم بجدارة في بناء الحضارة العربية والثقافة الإسلامية من خلال الترجمة والتأليف”.
ولكن قبل الأسترسال في الموضوع أود أن أُوضِّح وأُذَكِّر فخامتيكما بأن مسيحيوا العراق وقبل أن يتشرّفوا بنور الأيمان المسيحي كانوا شعوباً وأقواماً من عمق التاريخ لهم قوميات لا تزال تتردد على ألسنة المؤرخين في بطون الكتب في كافة أرجاء العالم , كانوا أصحاب أمبراطوريات حَكَمَت العالم بأسره في وقت ما , وهم بقايا تلك الأمم , كانوا في وقت ما من التاريخ يؤلفون معظم سكان بلاد النهرَين ( العراق ) ونتيجة لظروف عديدة تقلّصَ عددهم الى 5% في بداية الحكم الوطني في العراق ليصل الى ما يقارب ( 3.3 % ) في عام 2003 , وهم يتألفون من ثلاث قوميات مختلفة أكبرها القومية الكلدانية التي تشكّل ( 75 – 80 % ) من أجمالي المسيحيين وقوميتين آخرتين هما السريانية والآثورية اللتان تكملان تلك النسبة .
نعم كان الأرهاب الذي طال المسيحيين سبباً رئيسياً في هجرتهم الى بلدان الغربة , ولكنه لم يكن السبب الوحيد بل كانت هناك أسباباً عديدة أخرى كانت مسؤولة عنها الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد عام 2003 منها : –
1 – سلب الحقوق السياسية : لو لاحظتم وأنتم في ذلك المكان المقدس , وبين تلك المجموعة المباركة من أساقفة الكنيسة الكلدانية , أذكِّر فخامتكم بالعريضة والطلب الذي وقَّعه جميع أولئك الأساقفة الأجلاء وعلى رأسهم غبطة البطريرك السابق مار عمانوئيل دلّي اللذين كانوا يمثِّلون بحق المسيحيين العراقيين أو على الأقل ( 75 – 80% ) منهم الى الحاكم الأمريكي بريمر حين أختياره ممثلاً للمسيحيين في مجلس الحكم وتذكيرهم له بأن السيد يونادم كنّا ( مع أحترامهم له ) أنما هو ممثل فئة صغيرة للمسيحيين وليس الأغلبية فيهم لذلك عليه أن يختار ممثلاً فعلياً عنهم , ومع ذلك لم يلقَ طلبهم أذناً صاغية منه رغم أعتراف الدستور العراقي بوجود قومية كلدانية مستقلّة , حينذاك شعر المسيحيون بأنهم مهَمَّشون في وطنهم وبدأوا بالتفكير في الهجرة الى بلدان يسود فيها العدل , وتصون الحقوق السياسيّة للمواطن .
2 – الكوتا المذهبية : تم تخصيص كوتا مذهبية للمسيحيين دون بقية أطياف الشعب العراقي بأقل من نصف أستحقاقهم من عدد المقاعد في مجلس النواب أذا أعتبرنا وأستناداً للدستور الذي أستندتم عليه وهو ممثل واحد في المجلس لكل ( 100 ) الف مواطن , وأذا فرضنا أن المسيحيين في العراق يمثّلون 3,3 % حسب التقديرات ( أسوة بالتقديرات لبقية أطياف الشعب العراقي ) فكان يجب أن تكون الكوتا على الأقل (11) مقعد للمسيحيين تكون حصة الكلدان منها (6-7) مقاعد , ولكن الذي حدث تم تخصيص خمسة مقاعد, وبأساليب غريبة رأى الكلدان نفسهم خارج العملية السياسية !!! .
3 – وتأكيداً لما ورد أعلاه يا أصحاب الفخامة والسعادة ما لاحظه المشاهدون وهو وجود الوزير المحترم الأستاذ سركون لازار الجالس عن يمين فخامة رئيس الوزراء نوري المالكي , والنائب المحترم الأستاذ يونادم كنّا الجالس عن يمين سعادة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي وهما كلاهما من قومية أخوتنا الآثوريين,وخلوّ المكان من أي مسؤول في الدولة من القومية الكلدانية فأين الحق الكلداني ( 75 – 80% ) يا أصحاب الفخامة والسيادة ؟ ألا يجعل ذلك الكلدان يشعرون بأنهم مُهَمَّشون في وطنهم رغم حرصهم على وحدته وأمنه وسلامته أكثر من أية قومية أخرى دون مغالاة ؟
بصراحة يا أصحاب الفخامة والسعادة , وهذا يشمل كذلك الى كل من يطلب من المسيحيين المهاجرين العودة الى الوطن أو من مسيحيي الداخل البقاء في وطنهم ,فإن كان هذا النداء صادراً عن الحرص ورغبة حقيقية , فيجب أعادة الحقوق المسلوبة للكلدان ليشعروا بأن وطنهم الذي خدموه سابقاً وهم على أستعداد لخدمته في المستقبل بأنه حريصٌ على حقوقهم السياسية والأمنية بحصولهم على أستحقاقهم النيابي بكوتا قومية وليس دينية أولاً وبحصتهم من عدد المقاعد بنسبتهم العددية , فضلاً على توفير الأمن والحماية أستنادا الى مبادىء الدستور والقانون, وبغير ذلك فأن كل نداء لحثّ المسيحيين بالعودة يُعتَبَر لا قيمة حقيقية له .