لم يحظ مصطلح بهذا القدر من الاهتمام والسجال في العالم العربي وبخاصة في الوقت الراهن ، مثلما حظي به هذا المصطلح والذي يعتبر النقيض لفكر اسلمة الحكم او الاسلام السياسي وخاصة بعد صعود تيارات الاسلام السياسي فيما سمي (الربيع العربي) .وكبداية يجهل الكثيرين معنى مصطلح العلمانية وتطبيقاته في العالم الان ويجري الخلط بينه وبين الالحاد عن عمد من قبل التيارات السياسية ذات الغطاء الاسلامي .
العلمانية Secularism هي ببساطة التأكيد على ان الأنشطة البشرية والقرارات وخصوصًا السياسية منها يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المؤسسات الدينية مع التأكيد على حرية التدين، وعدم فرض الحكومة لدين معين او مذهب معين على الناس، وأن تكون الدولة محايدة في شؤون الاعتقاد، ولا تمنح امتيازات حكومية أو إعانات لأتباع الأديان.
والثانية، تشير الى الاعتقاد بأن نشاطات الإنسان وقرارته، لا سيما السياسية منها، ينبغي أن تستند على الأدلة والحقائق، وليس التأثيرات الدينية. اي يجب فصل المؤسسات السياسية عن المؤسسة الدينية ، فالحكومة يجب ان لاتجبر احدا على اعتناق دين معبن او ترك دين اومذهب بعينه ويجب ان لاتفرض وصايتها كذلك على المؤسسات الدينية وتسيرها لمصلحتها الخاصة.
العلمانية ليست بديلا عن الاديان ، لانها ليست دينا بل هي تنظيم مدني دستوري يحمي المجتمعات والاوطان من الصراعات الدينية والمذهبية كما هو حاصل في بعض بلدان العالم الثالث والعربية منها بوجه خاص من خلال توفير بيئة امنة لكل الاديان والمذاهب والاعتقادات وان تمارس طقوسها بحرية وفي اطار قانوني محدد من قبل الدولة ، فليس هناك تناقض ابدا بين اعتقادك بالعلمانية كوسيلة دستورية لحفظ حقوق الاخرين وادارة الدولة وبين كونك متدينا لان ممارستك لطقوس وشعائر دينك امر خاص بك لايستطيع احد منعك اياه.
وهكذا ، فالعلمانية تطالب بدولة مدنية تتعدد فيها الاديان والمذاهب والجماعات المتدينة وغير المتدينة دون ان تكون مسيسة من قبل جماعة دينية محددة . وهناك الان مايزيد عن 120 دولة في العالم تتبنى هذا النظام السياسي وبالاخص في الدول المتعددة الاطياف.
وقد ادى تطبيق العلمانية كمفهوم دستوري في البلدان المتعددة الاطياف الى الاستقرار الاجتماعي والسياسي الامر الذي وفر الارضية المناسبة للتطور العلمي والتقني والاقتصادي لتلك البلدان ، واذا استحضرنا امثلة لهذه البلدان فنرى الهند وماليزيا ، فالهند رغم التعددية الاثنية والدينية الوافرة فيها لم تنشأ فيها نزاعات دينية او اجتماعية كبيرة وخطيرة بينما الباكستان دولة مسلمة تمزقها الصراعات المذهبية ويسود فيها تطرف طالبان. فعلمانية الهند أتاحت للدكتور زين العابدين عبد الكلام أبن صياد فقير من الأقلية المسلمة لاتشكل أكثر من 15% من سكان الهند أن يصل إلى رئاسة الدولة الهندية وأتاحت للدكتور مانموهان سينغ من الأقلية المسيحية التي لا تتجاوز نسبتها أكثر من 3% من السكان أن يتبوأ منصب رئاسة الوزراء والعلمانية ايضا اتاحت الحرية الدينية التامة للمسلمين في العالم الغربي كبناء المساجد وتخصيص مقابر للمسلمين من قبل بلديات مدن اوربية وغير ذلك .
اما في الدول العربية فلم يجري اي تطبيق للعلمانية من قريب او بعيد ، وانما حاول بعض الحكام العرب الذين وصلوا للحكم عن طريق الانقلابات العسكرية الظهور بمظهر علماني دكتاتوري ترافق مع قمع الحريات الدينية والسياسية كما هو الحال مع (نظام صدام ، الاسد ، القذافي ، زين العابدين ، مبارك ) لديمومة حكمه بالقوة ، و عندما اقتضت الظروف غير هولاء الحكام جلدهم فاصبح صدام عبدالله المؤمن بعد هزيمته في عام 1991 وكذلك فعل البشير الذي فضل ان تتجزء السودان ويبقى هو خليفة للمسلمين. فالعلمانية لن تنجح الا اذا كانت نتاج لتطور سياسي شامل للمجتمع يقوم على ديمقراطية حقيقية تؤسس لدولة المواطنة والقانون وليس دولة ولي الامر والرعية مع توفربنية تعليمية متقدمة ذات منهجية علمية مبنية على الوقائع والمعطيات العلمية .