لقد ابتليت السياسة العراقية منذ الاحتلال الامريكي الى يومنا الحاضر بسياسيين جهلة يفتقرون لابسط المفاهيم والقواعد السياسية ، وليست لديهم اي خبرة بالعمل الاداري ناهيك عن اتخاذ القرارات الصائبة . وكانوا يعتقدون ان مجرد جلوسهم على مقعد السلطة سيكونون قادرين على الادارة والحكم . ولكنهم في النتيجة واجهوا جهلهم وغباءهم هذا فحاولوا الاستعانة بمن يعتقدون انه مستشارا او خبيرا يمكن مساعدتهم على فهم واقع الحال واتخاذ القرار المناسب . فلجئوا الى مستشارين من نفس وسطهم ، حتى اصبحوا كالاعمى الذي يقوده ضرير
اقول هذا وانا اشاهد الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات المزورة وهم يدورون في حلقة مفرغة من المآزق والازمات . فتارة اعترضوا على نتائج الانتخابات ، فشكلوا مفوضية جديدة ثم ندموا على ذلك ، فبقيت النتائج كما هي مع ادخال بعض العناصر غير الفائزة في ما يسمى بالعملية السياسية . ثم تخبطوا في اي كتلة تعتبر الكبرى حسب قرار المحكمة الاتحادية ، هذه المحكمة التي تورطت سابقا باعتبار الكتلة المشكلة بالبرلمان هي الكتلة الكبرى بهدف اناطة الوزارة الى المالكي . . وتم ذلك كما هو معروف باستشارة من خارج الحدود حيث جرى التوافق في وقتها بين المحتل الايراني والمحتل الامريكي على تكليف المالكي برئاسة الوزراة على اعتباره مرشح توفيقي . والان حارت المحكمة الاتحادية في قرارها هذا ، هل ستنقض قرارها السابق ام تبقى عليه . . ولم تحدد اي كتلة كبيرة الى يومنا الحاضر ، رغم محاولات الاخوة الاعداء في التوافق بينهم لتشكيل هذه الكتلة دون جدوى . وتدخل قاسم سليماني لتوحيد صفوفهم وفشل في مسعاه ، وظلوا يتصارعون على من هي الكتلة الكبرى قبل صراعهم التالي على من سيكون رئيسا للوزراء . . وتدخل ماكغورك مندوب الرئيس الامريكي للضغط على الاطراف الموالية له لترشيح العبادي لولاية ثانية ، وفشل هو الاخر ، لان انتفاضة اهلنا في البصرة ووعود العبادي المزيفة قد وضعته في موقف لايحسد عليه وطارت الولاية الثانية من يديه . والحزب الشيوعي الذي شارك في الوليمة السياسية مع مقتدى الصدر ، لم نسمع له صوت واضح في هذا الضجيج الصاخب من الكتل المتنافسة على الحكم . وخرجت كتلة البناء وهي اسم على غير مسمى لاننا نسينا البناء منذ وقت بعيد . خرجت هذه الكتلة لتدعي انها الاكبر لانها اختارت الحلبوسي لرئاسة البرلمان باغلبية مريحة . والكل يعلم انه فاز بتأثير ايراني واضح . وفي المقابل فان كتلة الاصلاح التي لاعلاقة لها بالاصلاح لانها مصرة على المحاصصة الحزبية . ادعت هذه الكتلة انها الكتلة الاكبر وان مرشحها لرئاسة الوزراء السيد عادل عبد المهدي ، فرفضته كتلة العبادي بحجة ان الكتلة الكبرى لم تحدد بعد ، وظل العبادي يطمح في ولاية ثانية حتى ادرك استحالة ذلك . . وهناك كتل واحزاب مثل الحكمة والفضيلة والمجلس الاعلى وتحالف القرار والوطنية والحل ، وغيرها من الكتل الصغيرة في انتظار تشكيل الكتلة الكبرى لينضموا اليها . ولا تصدقوا دعوات انهم سيكونون في المعارضة ، والكل يعلم جيدا ان المعارضة لاتقدم لهم اي مكسب او منصب وظيفي يرتزقون منه . وهم جميعا متهالكين على المناصب كاللئام في مأدبة الايتام من ابناء الشعب العراقي الفقير الى الله من زاخو الى البصرة الذبيحة
والاكراد اختلفوا هذه المرة على اسم رئيس الجمهورية العتيد وكل من الحزبين الرئيسين رشح اسما وترك موضوع الاختيار الى اللحظة الاخيرة او الى الكتلة الكبرى في البرلمان . وتدخل قاسم سليماني ايضا ، لتوحيد رؤى الاكراد وفشل ، لان انتزاع كركوك من ايديهم وتحميل الاتحاد الوطني وزر ذلك . قد قطع الطريق امام اي قرار كردي موحد . وبقي الصراع مستمرا حتى فاز السيد برهم صالح من الاتحاد الوطني بمنصب رئيس الجمهورية رغم اعتراض السيد مسعود البرزاني على آلية الاقتراع
هذا من جهة الاحزاب والكتل السياسية . اما من ناحية المرجعية فقد وضعت فيتو على من سبق وان تولى مناصب مهمة سابقة . وقد اشير بهذا الصدد الى العبادي والمالكي وهادي العامري وفالح الفياض وطارق نجم ايضا
كل هذه المفاوضات والمؤامرات والحروب الاعلامية والالكترونية تجري وهم يعلمون جيدا ان غالبية الشعب العراقي قد قاطع الانتخابات لانه لم يعد يطيق وجود نفس الوجوه ونفس الاسماء من مصاصي دماء الشعب والذين لم يبنوا اي مدرسة او مستوصف او معمل . واخيرا توافقوا على السيد عادل عبد المهدي ليكون رئيسا للوزراء دون معرفة الكتلة الكبرى حسب قرار المحكمة الاتحادية السابق . ويبدو ان هذه المحكمة تعمل حسب الطلب وليس هناك اية ضوابط قانونية او دستورية تنظم عملها . وهذا مالم يجر في العراق منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة . . فانظر الى كل هذه الفوضى في السياسة والحكم في العراق وتعامل السلطات الثلاث بطرق عشوائية لاتليق ببلد كان متحضرا مثل العراق . . لقد نسي هؤلاء المتحاورين وهم يعانون من مأزق تشكيل الحكومة وخروقات الدستور انهم اوقعوا الشعب العراقي بمأزق اشد . . وهو يعاني من الجوع والبطالة وانعدام الخدمات . ويقف الان على اهبة الاستعداد للخروج بوجههم بعد ان تخطى حاجز الدم والاعتقالات والتصفية الجسدية . . وانه ينتظر ماسيتخذه رئيس الوزراء الجديد من قرارات وهو يعلم علم اليقين انها ليست في صالحه ، حتى لو جاء بنية صالحة فانه لايستطيع العمل مع اشتراطات قادة الاحزاب وتهديد الميليشيات لتقاسم الوزرات حسب المحاصصة على الاحزاب و الكتل المشاركة في الحكم
ان الشعب العراقي الان في حالة انتظار ، لانه يعلم انه سيراوح في مكانه دون اي تقدم يذكر . لكون الاحزاب مازالت تتصارع على السلطة واموال الشعب ، رغم احتجاجات الشارع العراقي وانفصاله الابدي عن السلطة الحاكمة واحزابها الفاسدة . ولكنه ينتظر لاقامة الحجة عليهم . حيث يعلم الجميع ان هؤلاء الفاسدين الجهلة من مختلف الطوائف والقوميات غير قادرين بعد الان على خداع الشعب بالوعود الفارغة ، كما انهم لايستطيعون تشكيل حكومة وطنية كفوءة بامكانها القضاء على مظاهر الفساد او نزع اسلحة الاحزاب والميليشيات او تقديم الخدمات من ماء وكهرباء اوتوفير الوظائف ، و النهوض بالاقتصاد من خلال تنشيط الصناعة والزراعة او الاهتمام بالصحة والتعليم وغيرها من مهمات الدولة الاساسية التي اهملت لسنوات طوال ، وبالتالي فان مثل هذه الحكومة التي ستشكل على غرار الحكومات السابقة سوف لن تستطيع الصمود لاشهر قليلة امام غضب الشعب الاتي كالاعصار والذي اصبح الان في وضع ماقبل الثورة ، وعندئذ سوف لن تنفعهم الدعوات الكاذبة بالاصلاح والتغيير او الفضاء الوطني ، فقد خبرهم الشعب بما فيه الكفاية خلال خمسة عشر عاما عجاف ، وان تغيير الوجوه لايعني بالضرورة تغيير السياسات الفاسدة