تدور التحضيرات والاستعدادات هذه الأيام وتجري على قدم وساق في كافة محافظات ومدن العراق، ومن قبل الجميع، من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وممثلية الأمم المتحدة المتواجدة في العراق ووزارات الدولة ومجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وغيرها من المعنية بهذا الشأن لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، وهي بهذا تحاول ان تكمل كافة الإجراءات القانونية والإدارية والتحضيرية التي تكفل مشاركة المواطنين المشمولين بممارسة العملية الانتخابية وإنجاح التجربة من كافة الجوانب، وهذه التحضيرات تضعنا امام تساؤلات عدة أهمها: ما الذي تنتظره الجماهير من هذه الانتخابات؟ وما الذي نريده منها؟ وما الذي نسعى الى تحقيقه فيها؟ ثم الى مدى نريد نجاحها ولماذا؟ وكيف يتحقق ذلك؟.
الجماهير العراقية أعربت من خلال مشاركتها في انتخابات مجالس المحافظات السابقة والانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور عن حبها وتشوقها لممارسة الديمقراطية، وتنشق نسائم الحرية في عراق اليوم بعد ان مارس النظام البائد بحقه أسوأ أنواع الكبت والظلم والجور، وصادر حريته، ومنع عنه استخدام أبسط أشكال ما هو متوافر في معظم دول العالم من الديمقراطية والحرية التي تكفل للإنسان كرامته وتحفظ له الحياة الحرة، وهذا ما أكدته الجماهير خلال تلك المشاركات التي شهدت اقبلا جماهيريا ملحميا لم يحصل في أي دولة اخرى في العالم وهو بالطبع ليس مرجعه الى حرمان الشعب العراقي من أجواء الحرية فقط وإنما لإدراكه عظم أهمية الانتخابات ــ أي انتخابات ــ كونها تمثل منهاجا تطبيقيا لهذه الأجواء الديمقراطية وممارسة أهم حق دستوري من حقوق المواطن، وهي تمكنه من قول كلمته وإبداء رأيه واختيار اختياراته، وعدم إعطاء الفرصة لحرمانه من ممارسة العملية الانتخابية التي تعد أيضا المجال الواسع والفسحة الكبيرة التي من خلالها يتمكن المواطن من تغيير أي واقع لا يرغب به أو أي شخص غير جدير بمنصبه، فالقانون والدستور قد كفلا له هذا الحق، ومن خلال صناديق الاقتراع التي ستكون هي الفيصل الحقيقي والمعبر الفعلي عن كلمة الشعب وتجسد اختياره للشخصيات التي يريدها ان تكون بناة لمستقبله ومخططه ومنفذه لإقامة مشاريع عمرانية وخدمية تليق بتاريخ نضاله وكفاحه وصبره.
الذي نريده من هذه الانتخابات هو تجسيد حقوق المواطن الدستورية بالكامل، وإيجاد مساحات مناسبة لتطبيقها من خلال فسح المجال أمامه واسعا للإدلاء برأيه دون أي ضغوط أو إقصاء أو تهميش، بل على العكس من ذلك بتوفير كافة الوسائل والطرائق الممكنة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المشاركين بها، والعمل على تنمية الوعي الجماهيري وتعبئته لإدراك واستيعاب فوائد ومنافع المشاركة والإسهام الفاعل فيها، كما ان ازدياد حجم المشاركة الجماهيرية في الانتخابات القادمة يؤكد لجميع المعنيين والمراقبين ودول العالم نجاح التجربة العراقية السياسية والديمقراطية بعد عام 2003م على اعتبار ان المشاركة في أي نشاط حكومي أو ممارسة دستورية جديدة في المجتمع العراقي هي دليل تأييد من قبل فئات المجتمع لهذه الحكومة المنتخبة ــ في الاصل ــ وتعتبر عملية دعم وإسناد لها في جميع ما تدعو اليه لاسيما في ظل التطبيق الحي والفعلي لبنود الدستور العراقي الدائم وبما يضمن حقوق المواطن في أخذ قراره بنفسه.
بالتأكيد ان اعتبار الانتخابات وسيلة وصولا الى الغاية الأكبر والأسمى وهي تعزيز منهج الديمقراطية، وتأكيد ثقة المواطن بقدرته على تغيير الواقع الفاسد وخلق واقع مغاير وإيجاد أرضية مناسبة لما يطمح ويرتضيه من ملامح هذا الواقع، وبما يؤكد عمق أهدافه في التحرر من كل أشكال العبودية والذل والجور، وبالتأكيد ان كل ذلك يعكس مدى تنامي وتطور الوعي الجماهيري بقدرته على صنع حياة جديدة ومستقبل أفضل من أي حاضر لا يليق بطموحاته وآماله وبواسطة احتفاظه باستخدام حقه وقدرته على قول كلمته عبر المشاركة الواسعة في العملية الانتخابية وعدم ترك فرصة التغيير واختيار الأفضل والأكفأ لإدارة مجالس محافظاتنا وتنمية اقتصادها ومشاريعها.