ما زالت هوية العراق الحضارية مختفية في برامج عمل الحكومات المتعاقبة التي قدمت الهوية الفرعية على الأصل العام للهوية الوطنية لهذه الحضارة ، ويبرز ذلك جليا في مفاسد المحاصصة التي حولت الاعلام الحكومي ، سواء في ما عرف بمكتب التنسيق الإعلامي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء او المكاتب الإعلامية للوزارات الى نموذج متهم بهذه المفاسد ، مرة في الدفاع غير المتمكن من ادواته الإعلامية ضد أي منشور يكشف صفقات الفساد في الحكومة العميقة واللجان الحزبية داخل هذه الوزارة او تلك، فيكتفي المكتب الإعلامي اما بتجاهل المنشور او الرد بتكذيبيه واتهام من يقف خلفه بانهم يستهدفون التسقيط الشخصي للوزير !مما جعل ظاهرة (الجيوش الالكترونية) تنتشر بتمويل من المال العام !!
كما ظهر على سطح هذه المفاسد من تطفل على مهنة الصحافة والاعلام في هذه المكاتب الإعلامية للحكومة بشكل عام مما سهل ظهور عدد كبير من المنظمات والمكاتب الوهمية التي تقدم شخصياتها المعنوية تحت عناوين براقة كممثلين للجامعة العربية او الأمم المتحدة او منظمات دولية مرموقة ، فيما واقع الحال يتمثل في ذات نموذج شركة (اونا اويل ) وهي شركة عائلية ، تروج لعقود النفط من خلال مكتبا للعلاقات العامة ، فتحولت مكاتب الاعلام الحكومي الى ذات النموذج في توزيع الإعلانات وعقد صفقات التدريب مع هذا السفير الدولي او ذلك المدرب الالمعي ، ناهيك عن ظهور موظفي هذه المكاتب وجلهم قادمين من مكاتب احزابهم ولا علاقة لهم بمهنة الصحافة والاعلام كمنظرين لهذه المهنة بل واخذوا يظهرون في وسائل الاعلام تحت عناوين مختلفة كمحللين استراتيجيين او اقتصاديين او اجتماعيين، ومنهم من كان يعمل مع المنظمات الإرهابية مثل النقشبندية فتحول بسحر مفاسد المحاصصة الى خبير امني .
السؤال اليوم مع النموذج المرتقب للبرنامج الحكومي الذي يفترض ان يعمل على اصلاح مخلفات مفاسد المحاصصة ، ربما المكان الأول الذي يفترض ان يستهدف بالإصلاح هو الاعلام الحكومي وتنقيته من شوائب هذه المفاسد ومن أولئك الذين تطفلوا على مهنة السلطة الرابعة ، لان أي تحشيد باتجاه المناصرة المجتمعية لبرنامج الحكومة المقبلة دون برنامج اعلامي محترف ،غير متحزب ، خارج اطار مذاهب الأشخاص وميولهم الفكرية ودعمهم من الجامعات المسلحة ، يعني إعادة نظر شاملة بهذه المكاتب وبكل من يدعي صفة الصحفي او الإعلامي.
وهي أيضا دعوة لكل النقابات والاتحادات المهنية ، بإعلاء شأن هذه المهنة وتعظيم دورها كمهنة إصلاحية تشترط ان تكون هذه النقابات والاتحادات مهنية قولا وفعلا ،ناهيك عن الدور الحكومي بإعادة النظر الشاملة في التعريف القانوني لتوصيف هذه المهنة كوظيفة في دوائر الدولة وهذا يحتاج ان يعرف الوزير والمدير العام مضمون هذا التوصيف الوظيفي خارج ضغوط هذا الحزب او ذاك او توظيف شخصيات الحزب المسيطر على الوزارة ” من عظام الرقبة ” في مناصب قيادية لإعلام الوزارة ضمن مكتب الوزير ، كل ذلك حول الاعلام الحكومي الى جسم متهالك لا برنامج منهجي لعمله ، فموقع كل وزارة يتضمن نافذة تحت عنوان ( حكومة المواطن) والسؤال هل قدم أي مكتب اعلامي استطلاعا علميا عن ثقة الجمهور من أصحاب المصلحة بالتعامل مع هذه الوزارة بما يممكن وصفه إنجازات هذه الوزارة ضمن البرنامج الحكومي ؟؟
في اغلب الأحيان تكون الإجابة كلا ، لان المدير العام المسؤول لا يفقه في هذه المهنة الا اقل القليل فتكون المصطلحات الإعلامية عصية الفهم عليه وعلى غيره من المتحزبين حوله في مكتب اعلامي !!
انما هي نصيحة تطلق قبل وضع برنامج الحكومة المقبلة، فأما ان تكون واما ان يكون هذا البرنامج كما هو حال بقية برامج الحكومات السابقة محطة من محطات مفاسد المحاصصة ولله في خلقه شؤون !!