26 نوفمبر، 2024 1:03 ص
Search
Close this search box.

ضعفاء العراق ملوك بغير تيجان وعروش وليسوا أسماكا يا قروش !!

ضعفاء العراق ملوك بغير تيجان وعروش وليسوا أسماكا يا قروش !!

خمسة أعوام وأنا معتاد على تناول السمك المقلي والمشوي ( زوري ، روبيان ، جري ، زبيدي ، كارب، كطان ، شبوط ) كل يوم خميس بمطعم يقع في طريق الإياب وأنا عائد من عملي المرهق بعد الظهر توارث أصحابه قلي السمك وشويه وتتبيله كابرا عن كابر، وميزة هذا المطعم إضافة الى سمكه النهري التازة ونظيره البحري المجمد رائع المذاق، أن الحفيد الخامس الذي يدير المطعم حاليا وهو كهل أربعيني حاد المزاج الى درجة أن أصلب عامل لديه ليس بوسعه الصمود ﻷكثر من أسبوع واحد في أحسن اﻷحوال وبلا أدنى حقوق للعمال ، وأثناء تناولك السمك بالطرشي والعمبة المحلية وخبز التنور الحار فأنت لاتكاد تستمع الى موسيقى هادئة لترخية اﻷعصاب ، لفتح الشهية، لترطيب اﻷجواء ، بقدر سماعك صوت صاحب المطعم الهادر وهو ينهر عماله ( لك ووووووين الطرشي ، أغبر شيل المواعين ، يول نظف الميوزة ، أثول نزل المداراة ، أجرب جيب الماء ، ولكم أظل أفهم بيكم ، لك شوكت تصيرون أوادم …طرااااخ ) ، نعم طراااخ فقد لطش أحد العاملين لديه – براشدي محمودي- على الوجه بالقرب مني ، وعندما سألت يعتصر اﻷلم قلبي عن هوية – المضروب – ومن عساه يكون كوني مهتما بحقوق العمال المغيبة كجزء من عملي الصحفي ؟ قالوا ” إنه الحفيد السابع ، يتم تدريبه على المهنة قبل أن يرث المطعم بعد عمر طويل خلفا لولي العهد الحفيد السادس الذي فر من بطش اﻷب الى اليونان بقارب مطاطي مع أنه متزوج ولديه خمسة أطفال ..الطفل المضروب أحدهم !!
عامل واحدا فحسب شد إنتباهي طيلة اﻷعوام الخمسة الماضية بصموده ، صمود اﻷبطال وعدم تركه العمل حتى اﻵن في سر عجيب لم أعرف كنهه ، ولم أسبر غوره ولم أمط اللثام عن وجهه الكالح إلا يوم الخميس الماضي حين ناديته مرارا وتكرارا وكان على بعد أمتار مني من دون أن يلتفت الي ، فقال لي أحد الزبائن ، إن ” اﻷخ شبه أطرش وعليك أن ترفع صوتك الى أقصى ما يمكن ليسمعك !” هنا فقط أدركت اﻷسباب الكامنة وراء عدم ترك هذا المسكين العمل طيلة الفترة الماضية ، ﻷن صرخات صاحب المطعم – الإعصارية – ربما كانت بمثابة همس وأغنية لفيروز عنده وﻷن ﻻ عمل ثان ﻷمثاله إطلاقا وفي أي مكان إن غامر وترك العمل هاهنا اذ ﻻ رعاية تذكر وﻻ اهتمام بذوي الإحتياجات الخاصة فضلا عن توفير العلاج وفرص العمل الكريم والعيش الرغيد لهم وبكل شرائحهم في العراق وكل الحلول في هذا الإطار ﻻتعدو أن تكون ترقيعية على المستوى الحكومي والجماهيري وهي صفر على الشمال بخلاف الدول المتحضرة التي تولي ذوي الإحتياجات الخاصة أقصى درجات الإهتمام والرعاية !
بالمناسبة أن عصبية أصحاب الحرف والمهن الحرة عموما هي عادة متوارثة أبا عن جد وهي جزء من شخصياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، حيث يتم تدريبهم عليها منذ الصغر عبر أطنان من الصفعات والركلات والشتائم ليصلب عودهم وتقوى شوكتهم بزعمهم ، ولكن وللامانة إنهم وبرغم مزاجهم الحاد – المرعب – من أطيب الناس ومن اكثرهم شعبية وكرما ومعروف عن أغلبهم أنهم أصحاب نكتة وأسماء شهرتهم لظرافتها وظرافتهم يعرفها القاصي والداني في طول المناطق الشعبية وعرضها ولكل منهم – لبوكة – أو كنية تلازمه طوال حياته ليس بوسعه التخلص منها لعقود طويلة ولا يعرفه الناس إلا بها وإن مات ولم تخط ” اللبوكة ” على لافتة نعيه – ابو فلان ، ابن فلان أو فلانة – واقتصرت اللافتة على إسمه الحقيقي المكتوب في شهادة الميلاد فإن أحدا لن يحضر مجلس عزائه كونه غير معرف وغير معروف لديهم بإسمه الحقيقي طيلة حياته بينهم !!
وشاهدنا انك اذا أردت ان تفهم جانبا من أنظمة الحكم والسلطة في العراق فعليك أولا أن تغوص في – نظام اﻷستادية والإستبدادية – في الحرف الشعبية والمهن التراثية فهذه تلخص لك كيف يمكن أن يصرخ – الاستاد – هكذا تنطق بالدال وليس بالذال عندهم ، على جميع عماله وربما زبائنه أيضا من دون أن يرد عليه أحد ببنت شفة ويكتفي إما بالصمود داخل حدود المحل (الوطن) صابرا محتسبا على البلاء يطبق شعار ” ﻻ أسمع لا أرى لا أتكلم ” الى ما شاء الله تعالى ، وإما أن يغادر حدوده الى محل ومطعم (وطن ) آخر والى غير رجعة ، علما ان تفاصيل حياة الزبائن والعمال كلها متوفرة لدى – اﻷستاد – لكثرة المخبرين السري سريين المتطوعين – اللوكية – والمستأجرين للسيطرة على – مملكة – الحرفة أو الكار ضمن الرقعة الجغرافية التي نصب سلطانا على أحد حرفها بلا انتخابات وﻻ انقلابات وﻻ ميليشيات ، وما الاستاد الصغير وعماله في حرفة ما ، سوى صورة مصغرة عن الحاكم الكبير وحاشيته في مهنة السلطة والسلطان المتوارثة منذ سالف العصور واﻷزمان في حدود المممالك والجمهوريات واﻷوطان !!
وعلى ذكر حقوق الضعفاء والمهمشين والعمال أذكر بأن الصم والبكم يمتلكون ذكاء يفوق أقرانهم من الناطقين بأضعاف مضاعفة وبالتالي فعلى جميع العراقيين ادراك ذلك جليا وعدم التعامل مع هذه الشريحة العزيزة على قلوبنا في اﻷماكن العامة بطريقة ساذجة وﻻ أريد أن أقول غبية بما أصبح عادة سيئة للغاية ، إنهم يفهمون جيدا ما تريد قوله بمجرد الإشارة وﻻداعي للتصرف معهم وكأنهم على درجة متدنية من الذكاء والنباهة ، علما ان تصرفنا مع هذه الشريحة الرائعة بهذه الطريقة المهينة تؤشر الى بلاهتنا ﻻ الى انسانيتنا !
المكفوفون في العراق ليسوا – فقراء – بالمطلق ليتصدق على كل ضرير أو يتم التعامل معه على الدوام بصفته متسول أو ضعيف الحال فمنهم من يمتلك مواهب تفوق أقرانه من اﻷصحاء ومنهم من يعيش في بحبوحة مادية وليس بحاجة الى مساعدة مادية – انسانية كعبور الشارع ، ارشاده الى الامكنة نعم ، مادية لا – وبأختصار ” ارحموا عزيز قوم ذل وابتلي بحبيبتيه سيبدله الله تعالى خيرا منها يرحمكم الله تعالى واحمدوا الله الذي عافاكم مما ابتلاهم به !
اﻷرامل الكريمات لايشترط بكونهن فقيرات الحال ومنهن من تمتلك راتبا ووظيفة مرموقة وإرثا عن زوجها الراحل وبالتالي فإن التعامل معهن كلهن على هذا اﻷساس بالمطلق إهانة لهن ولكل نساء العراق ، وانوه الى أن السعي على اﻷرملة الذي حث عليه الاسلام الحنيف إنما يكون بحسب حاجتها ﻻ بحسب مزاجك وتصورك فأن كانت الحاجة مادية للمحتاجات منهن فليكن السعي ماديا وان كانت حاجتها معنوية فمعنوية ، صحية فصحية ، علمية فعلمية والحديث يصدق على بقية شؤون الحياة .
المطلقات الكريمات لسن رخيصات وعلى المجتمع كله ان يدرك ذلك جليا وان يتجنب التعامل معهن على انهن اقل درجة من سواهن ، القضية كلها وببساطة شديدة عبارة عن كونها امرأة لم توفق في زواجها ﻷسباب شتى وقد أباح الاسلام لها و له الطلاق عند عدم انسجام الزوجين ليبدل كلا منهما بزوج خير منه وليخلف عليهما بخير !
عامل النظافة ليس عبدا ، احترم من يرفع نفاياتك – وقذاراتك – من الشوارع واﻷحياء السكنية والمؤسسات الحكومية واﻷماكن العامة فلولا هذا الإنسان الرائع لغرقنا وأهلينا وسط اكوام النفايات وجبال – البزلايا – كما حدث في لبنان ويحدث في البصرة !
الفراش والفراشة كما يطلق على عمال التنظيف في مؤسات الدولة كافة ليسا خادمين عند أبيك لتذلهما وتصرخ بوجههما وتسخر منهما صباح مساء ” ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء” .
بائع الصميط والداطلي والجرك والشعر بنات وبقية الباعة المتجولين ليسوا – نكرات – لتتعامل معهم كتعامل نيتشة المجنون مع اﻷعراق البشرية دون اﻵرية والإنسان السوبرمان بإحتقار على حد غثائه الذي انجب لنا – هتلر – وبئس الورد المورود ، هؤلاء يبيعون بضاعتهم بالحلال وبعرق جبينهم سيرا على اقدامهم فأحترم تلك اﻷقدام العارية واﻷجساد المتعبة التي تذرع الشوارع ليل نهار لتعف أصحابها عن مد اﻷيادي للحرام … تحترم !
التلميذ المصاب بالتوحد وزميله الذي يعاني من متلازمة داون والطلبة من ذوي الإحتياجات الخاصة هم زينة المدارس والجامعات وبهم لابغيرهم يرحمنا الله تعالى ” انما تنصرون وترزقون بضعفائكم” ، فإحترموهم وأكرموهم وأعينوهم ولاتهينوهم فمقياس الدول المتقدمة هو مدى إحترام ورعاية هذه الشرائح واكرامها في السر والعلن ..وأخيرا إن ضعفاء وفقراء وعمال العراق ملوك بغير تيجان ولا عروش وليسوا أسماكا للأكل قليا وشويا وسلقا … يا قروش.اودعناكم اغاتي

أحدث المقالات