منذ سقوط نظام صدام عام 2003 وظل العراق بعيداً عن أي خطوة نحو الديمقراطية ، وتعمق المشهد السوداوي فيه بعد نشوب الحرب الاهلية 2005 ، والتي راح ضحيتها الالآف بين قتيل وجريح ، وصراع طائفي مكثف امتد على طول البلاد ، حيث نشأت الجماعات المسلحة بدءً من تنظيم القاعدة ، الى تنظيم التوحيد الجهاد وآخرها تنظيم داعش الارهابي ، مما أشعل السخط العام وأثار عدم أستقرار وأضطرابات مستمرة في عدة مدن عراقية ، مرة للتظاهر من اجل الخدمات ، ومرة ضد رموز الفساد في الدولة العراقية ، وآخرها ما حصل في البصرة ، حيث ظهرت الحشود الجماهرية وهي غاضبة من الجميع دون أستثناء ، وأحرقت المباني الحكومية والقنصلية الايرانية ، ومن هنا بدات الحكاية في المستفيد من حرق القنصلية الايرانية وفي هذا الوقت بالذات ، والذي ياتي بالاتساق مع العملية التي قام بها تنظيم داعش في ضرب الاستعراض بذكرى الحرب العراقية الايرانية في جنوب ايران ، حيث راح ضحيتها عدد من افراد الحرس الثوري .
الولايات المتحدة تنظر الى العراق من خلال عدسته هو ، والمناهضة لايران ، حيث تمثل الساحة العراقية ، ساحة لعب بين اللاعبون الامريكان والايرانيين ، حيث يعمد الاول الى الابقاء على الرجال الذين اعتمدتهم اميركا في حكم العراق ، وإبعاد أي شخص فيه ذرة ولاء لايران عن السلطة ، وإلقاء اللوم على النظام الايراني في أي حدث سلبي يحدث في العراق ، بما في ذلم الاحداث التي اندلعت في الفترة الماضية ، والتي لم تتسبب في حرق السفارة الامريكية ، بل في إحراق القنصلية الايرانية ، الى جانب محاولة تحفيز الشارع الجنوبي ضد الوجود الايراني في العراق .
إيران من جهتها تعتبر العراق جزء من سياستها الخارجية ، وساتر لدفاعاتها وامنها القومي ، بل اكثر من ذلك تعتبره امتداد طبيعي لها عقائدياً كون الشعب العراقي هم من اتباع اهل البيت (ع) ،لهذا يسعى الايرانيون ان يكون لهم جذور في البلاد ، وهذا الامر ليس بجديد ، وإذا تابعنا تاريخ العراق نجد ان اغلب المدن العراقية كانت امتداد طبيعي لايران سواء من خلال العتبات المقدسة او من خلال التاريخ المشترك بينهما ، ولكن الشي المخيف هو ان تعتبر ايران العراق جزء منها ، وجزء من أولوياتها وان تعمد الى سحق وجود العراق على حساب وجودها هي ، وهذا الامر غاية في الخطورة ، ويحرق فكرة المصالح والاهداف المشتركة بين البلدين ، بل يعمد الى انعدام الثقة بين الشعبين ، وعلى الرغم من وقوف إيران مع العراق ضد خطر تنظيم داعش الارهابي ، وزجه الاالاف من جنوده وقياداته العسكرية في صد هذا الخطر الداهم ، الا ان هذه المحاذير واقعية في ضرورة إبعاد أيران عن أي تاثير في المشهد الاجتماعي العراقي ، لهذا يعمد الاميركان الى الضغط على حكومة العبادي في إيقاف ضخ العملة لايران ، وإيقاف تعاملاتها التجارية معها ، وهو ما يؤثر بالسلب على الوضع الاقتصادي الايراني ، وكذلك العراقي .
يبقى الموقف العراقي ماذا سيكون من الجانبين ، وكيف سيتعامل العراق كدولة مستقلة الى التعامل والوقوف جانب الحياد بين قطبي الصراع ، والسعي الجاد من اجل إبعاد الساحة العراقية عن أي مواجهة بين الجبهتين ، والسعي الجاد من اجل صنع القرار العراقي داخلياً دون تأثير ايراني – امريكي ، ويبقى التاثير الاقتصادي حاضراً في هذه العلاقات ، إذ يمكن للعراق ان يمارس دوره في ما يخدم مصالحه الاستراتيجية ، بعيداً عن أي تاثير هنا او هناك ، وأخلاء البلاد من أي وجود اجنبي مهما كان ، وانهاء اي ذريعة للطرفين في التأثير السلبي على المشهد السياسي والامني في البلاد .