خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد الإنتهاء من تشكيل القيادات السياسية العليا لـ”العراق”؛ واختيار، “عادل عبدالمهدي”، لرئاسة الحكومة العراقية، ومن قبله “برهم صالح”، لرئاسة الجمهورية، ومن قبلهم “محمد الحلبوسي”، رئيسًا للبرلمان، بدأ الهيكل السياسي للدولة العراقية في الظهور بعد تسعة أشهر من مخاض عسير كاد يعصف بالدولة العراقية واستقرارها المهتز بسبب الحرب الدائرة حتى الآن مع تنظيم (داعش) الإرهابي، بالإضافة للمعارك السياسية الطاحنة التي بدأت منذ الانتخابات البرلمانية، وما حدث بعدها من سجالات أثرت بشكل مباشر على شكل العملية السياسية وأخرت التكوين السياسي لدوائر الحكم في “العراق”، هذا بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي الذي تفجرت بسببه الاحتجاجات، والتي كانت آخرها في مدينة “البصرة”، ونتج عنها المزيد من العنف.
أما الآن؛ وبعد التفاهمات الأخيرة، بدأت التساؤلات تظهر على السطح عن شكل المستقبل العراقي القادم، وعن المطلوب من دوائر الحكم الجديدة في “العراق”، سياسيًا واقتصاديًا وخارجيًا، التي يجب أن يتم البدء في تنفيذها بعد شهر واحد فقط من الآن، وذلك بعدما يتم تشكيل الحكومة الجديدة المكلف بها “عبدالمهدي”.
إعمار البلاد..
بخصوص هذا؛ صرح “عبدالمهدي”، بعد تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية، قائلاً: “أن الحكومة المقبلة سيكون ضمن أولوياتها إعمار البلاد وتقديم الخدمات للمواطنين وتعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي والأمن، وكل ما من شأنه أن يخدم المواطنين ومصلحة البلد”.
لن يكون ساحة لتصفية الحسابات..
كما أكد رئيس مجلس النواب العراقي، “محمد الحلبوسي”، أنهم يعملون على تشكيل حكومة قوية والانفتاح على دول الجوار، مشيرًا إلى أن البرلمان سيدعم الحكومة في مكافحة الفساد داخل البلاد حتى يمكن العمل على إعادة الإعمار بشكل جيد وسليم.
وأضاف أن “العراق” لن يكون جزء من سياسة المحاور بالمنطقة، وأصبح مرفوض جملة وتفصيلا التدخل في شؤون “العراق” الداخلية أو استخدام أراضيه كساحة لتصفية الخصومات السياسية، وإنما سيكون نقطة إنطلاق لحل مشكلات المنطقة.
وللمراقبون نظرة أخرى في التحديات التي سيواجهها “عبدالمهدي”، والتي يجب أن يتجاوزها.
العقوبات الأميركية على إيران..
المحلل السياسي، “هشام الهاشمي”، يعتبر أن إنطلاق الحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية الأميركية على “إيران”، في تشرين ثان/نوفمبر القادم، وموقف “العراق” من جدية الإلتزام بها، يضع “عبدالمهدي” أمام تحديات وصفها بـ”المعقدة” أمام هذه الحكومة التي كان لـ”إيران” اليد الطولى في تمكين التوافق عليها بين الأحزاب العراقية الممثلة للمكونات العراقية في البرلمان.
وكان رئيس الوزراء السابق، “حيدر العبادي”، قد واجه سيلاً من الاعتراضات من قِبل الجماعات الموالية لـ”إيران”، على خلفية تصريحه بخصوص الإلتزام بالعقوبات مراعاة للمصالح العراقية، التي اعتبرها البعض السبب في خسارته الولاية الثانية.
الحشد الشعبي..
مضيفًا “الهاشمي” أن التحدي الآخر؛ هو إصدار تعليمات تفصيلية لقانون “هيئة الحشد الشعبي”، والموقف من الفصائل العابرة للحدود والفصائل غير منضوية تحت ألوية “قوات الحشد الشعبي”، بالإضافة إلى الموقف من “الفصائل الكُردية المسلحة” في شمال “العراق” ومن جنسيات غير عراقية.
يشار إلى أن “حكومة العبادي” قد ساهمت بشكل أو بآخر بتحديد تحرك ميليشيات “الحشد”، المدعومة بالسلاح والمال من قبل “إيران”، كان آخرها إقالة “فالح الفياض”، رئيس الحشد الشعبي، الذي انشق عن “كتلة العبادي” خلال المشاورات حول تشكيل الكتلة الأكبر.
وتابع “الهاشمي”؛ أن من أهم التحديات الجدية التي كانت سببًا رئيسًا في تأخر النمو الاقتصادي للعراق، هو تجفيف منابع مافيات واللجان الاقتصادية للأحزاب، ومكافحة الفساد والبيروقراطية وفرض الأمن من أجل بيئة آمنة مشجعة للاستثمار.
فرصة أخيرة..
واعتبر المحلل السياسي، “عبداللطيف السعدي”، أن هذه الحكومة تعتبر بمثابة الفرصة الأخيرة أمام السياسيين لإثبات حسن نيتهم أمام الشعب، مشيرًا إلى أن “حكومة العبادي”، رغم ما قدمته من إنهاء ملف وجود (داعش) وإيقاف تقدم “مسعود البارزاني”، إلا أن فشلها في ملف الخدمات وتوفير فرص العمل الذي له تماس مباشر مع حياة المواطن، كان سببًا في عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات.
لا يوجد مجال كبير أمامه..
صحيفة (وول ستريت غورنال) الأميركية؛ أبرزت أيضًا حجم التحديات التي يواجهها رئيس الوزراء العراقي الجديد، “عادل عبدالمهدي”، في معالجة الاضطراب السياسي والاقتصادي المتزايد في البلاد.
وقالت الصحيفة الأميركية، في تقرير لها، إنَّ رئيس الوزراء الجديد، الذي جاء كحلّ وسط بين الفصائل المتناحرة، ليس لديه مجال كبير لمعالجة هذا الاضطراب.
ولفتت إلى أنَّ قائمة التحديات التي تواجهها الحكومة المقبلة، تشمل إصلاحَ اقتصادٍ يعاني ويعتمد على “النفط”، وإعادة بناء “البنية التحتية” التي دمرت في الحرب ضد تنظيم (داعش).
وأضافت: “كما يجب على قوات الأمن العراقية؛ أن تمنع عودة الجماعة المتطرفة التي تعيد تنظيم صفوفها في شمال العراق”.
وأردفت: “غير أنَّ الساسة والمحللين يقولون إنَّ أي جهود من جانب، عبدالمهدي، لإجراء تغييرات كبيرة يمكن أن تقوضها المصالح الراسخة للأحزاب نفسها التي تجمعت وراء ترشيحه”.
ونقلت عن “رائد فهمي”، الشخصية البارزة في “ائتلاف سائرون”، الذي فاز بأكبر عددٍ من الأصوات في الانتخابات، قوله: “يملك عبدالمهدي إستراتيجية إصلاحية، لكنه سيظل متأثرًا بالبيئة السياسية المعقدة ذاتها التي جلبته إلى السلطة. هذا يثير الشكوك والمخاوف حول ما يمكن أن يحققه”.
ووصف “يان كوبيس”، الممثل الخاص لـ”الأمين العام للأمم المتحدة في العراق”، التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة بأنها هائلة. وقال: “العراق بحاجة إلى حكومة وطنية مستقرة تجمع العراقيين وتعيد الأمل في بلدهم وهم يتقدمون في مرحلة ما بعد داعش”.
بداية للتغيير..
وقالت صحيفة (فاينانشال تايمز) البريطانية؛ إن “عبدالمهدي وصالح يواجهان تحديات كبيرة من بينها إعادة بناء المدن المتهالكة، وتطوير البنية التحتية للخدمات العامة، ودمج الميليشيات التي شكلت لقتال تنظيم ما يسمى بداعش”.
ونقلت الصحيفة في تقريرها عن المحلل العراقي في “مركز تشتام هاوس” في لندن، “ريناد منصور”، قوله إنه بانتخاب “صالح” رئيسًا للبلاد وتكليف “عبدالمهدي” برئاسة الوزارة؛ فإنهم يحاولون إظهار بأنها ستكون بداية التغيير.
وختمت بالقول إن “المستثمرين في العراق الذين عانوا الأمرين، يقولون إنهم كلهم أمل بأن تشكل حكومة بسرعة لكي تبدأ حركة البناء في البلاد”.
8 نقاط لن تؤهله للنجاح..
وسبق وأن أشار “عبدالمهدي” في مقال طويل له وجهه إلى الكتل السياسية، في آيار/مايو الماضي، إلى أهم التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة واعتذر في حينها عن القبول بالمنصب.
واستعرض “عبدالمهدي”، في تلك الرسالة، 8 نقاط يعتقد أنها لن تؤهله للنجاح في حال قبوله بموقع رئاسة الوزراء، منها “القوى التي تحمل عقلية الدولة الريعية” التي ستعارض “عند تطبيق إجراءات جدية للخروج من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الحقيقي، خصوصًا الزراعي والصناعي والخدمي، فهناك شرائح قد تتضرر أو لن تنتفع، بينما مصلحة الشعب والبلاد تتطلب الإصلاح لمحاربة الفساد والبطالة وتقليل الاعتماد على النفط”.
ومنها؛ أن “قوى الدولة المركزية المتفردة، “ستعارض هي الأخرى”، العمل على تعزيز النظام البرلماني اللامركزي الفيدرالي… وستعارضه القوى التي ترى أن الفساد هو الأشخاص، وليس المنظومة أساسًا، التي تهدر الأموال العامة، وتعرقل تقدم البلاد”.
وعند النقطة الثانية؛ كتب “عبدالمهدي” أن كثيرًا من القوى ستعارض “عند السعي لأن تكون المؤسساتية وقوانين الوزارات والأنظمة الداخلية وقانون الخدمة العامة وسياقات عمل القيادة العليا للقوات المسلحة حاكمة، بعيدًا عن أي حزبية أو شخصنة”.
كما ستعارض “السعي لإنهاء نظام المناصب بالوكالة المتحايل على القانون والمتهرب من إلتزامات وأصول التعيينات الدائمة… وهناك كلام طويل حول القضاء والهيئات”.
وذكر في رسالته؛ أن الكتل البرلمانية أو أعضاءها ستعارض “التطبيق العملي لمبدأ الفصل بين السلطات ومنع التدخل في شؤون السلطة التشريعية، أو منع تدخل البرلمانيين غير المشروع مستغلين عناوينهم في أعمال السلطة التنفيذية والقضائية… فهناك أعداد كبيرة اعتادت اعتبار التدخل حقًا وقوة وليس تجاوزًا”.
كما أعرب عن خشيته من أنه، في حال تسلمه للمسؤولية، سيواجه “بمعارضة البعض دعم الحشد والبيشمركة وقوى الشرعية، وسيعارض آخرون عند منع الحشد والبيشمركة وغيرهما من ممارسات خارج القانون والصلاحيات”.
إعادة ثقة المواطن والحد من تغول الجماعات الموازية للدولة..
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، “إياد العنبر”، أن أهم التحديات التي ستواجه “عبدالمهدي” تتمثل بـ”التحدي الداخلي وسعيه لإعادة ثقة المواطن بالنظام السياسي وقدرته على معالجة الأزمات، وأن أزمة البصرة الأخيرة من أهم تجليات انعدام الثقة بين المواطن والحكومة”، مضيفًا أن التحدي الآخر يتمثل في “قدرة الحكومة على الحد من تغول الجماعات الموازية للدولة”.
تقاطع الإرادات الأميركية والإيرانية..
أما التحديات الخارجية؛ فأهمها “تقاطع الإرادات الأميركية والإيرانية، من خلال تعويل الإدارة الأميركية على الحكومة المقبلة للحد من النفوذ الإيراني في العراق، والوقوف بوجه الجماعات المسلحة التي تعد الأذرع الإيرانية في العراق. ومن ثم فالتحدي الخارجي هو قدرة عبدالمهدي على إبعاد العراق عن دائرة التقاطعات (الأميركية-الإيرانية)”.
ويتفق مدير مركز الدراسات الإستراتيجية، “واثق الهاشمي”، مع “العنبر”، على أن التحدي الخارجي الأكبر الذي سيواجه “عبدالمهدي” مصدره “الصراع (الإيراني-الأميركي)، وإن لم يتخذ تدابير حاسمة لمواجهة هذا الصراع؛ فسيكون العراق ساحته الرئيسة”.
محاربة الفساد ومنع عودة الإرهاب وإدارة الصراع مع “أربيل”..
ورأى “الهاشمي” أن التحدي الداخلي الأبرز “يتمثل في محاربة الفساد ومنع عودة الإرهاب وإصلاح البنى التحتية وإدارة الصراع مع أربيل، بعد تصريحات مسعود البارزاني الرافضة لعملية اختيار رئيسي الجمهورية والوزراء”.
ويعتقد أن تجربة عبدالمهدي “لن تختلف كثيرًا عن تجربة العبادي، لأن كليهما دخل من نافذة التسوية السياسية، وذلك يضعف من موقفه، وسيكون مضطرًا إلى مجاملة الكتل السياسية من خلال إعطائها مزيدًا من المناصب والمغريات والتجاوز عن أخطائها”.