لعل ابسط وصف لاقتحام ساحة الاعتصام في الحويجة، ان بركان الدم اخذ بقذف حممه، وان الشعب العراقي وجيشه في كفة ميزان واحده كونهما من يخسر اللعبة السياسية، فمنذ تأسيس هذا الجيش عام 1921 لم يشتبك مع متظاهرين طيلة فترة الحكم الملكي، وان كان استخدامه من قبل النظام السابق في احداث 1991 يعد اثما يتحمل وزره ، فان الكثير من قيادات وضباط الجيش انتقلوا من ميدان مواجهة الشعب الى حمل السلاح للدفاع عنه ضد النظام انذاك، وبعض قيادات القوى السياسية الان مثل الفريق توفيق الياسري، احد الشخصيات التي قامت بهذا الفعل لكي يبقى للجيش العراقي صفحته البيضاء بالوقوف مع الشعب ضد طغيان السلطة .
مشكلة اليوم ان قوات الجيش الجديد استقدمت من خلفيات متعددة وتحت عناوين عريضة لدمج المليشيات بقوات الجيش الجديدة ، كما هناك من عرف بضباط ” المانفيست” وفي كلا الحالين فان واقع الحال ان اخلاقيات الجيش التي تراكمت على مر عصور الحكم في العراق الحديث، فانتهت الى نموذج من الولاءات السياسية لمن يرشح هذا الضابط لهذا المنصب ، فيما ان الكثير من الاشكالات التي تنسحب على المحاصصة الطائفية والاثنية، ولكل منهما جوانب تقفز على الاعتبار الاسمى لمبدأ المواطنة .
ومع وجود روايات متعددة على احداث الحويجة ، الا ان القصة الاكبر ، مع احترام مواقف الحكومة الرسمية وايضا المعتصمين ، فان هذا التصعيد ، اصاب علاقة الجيش بالشعب في صميمها، وتحول الى مجرد عصا يستخدمها النظام في العراق الجديد ، كما سبق وان استخدمها نظام صدام حسين ، لكن السؤال هل سيقدم اي ضابط استقالته او يتحول الى ساحات الاعتصام بالضد من موقف الحكومة ؟؟
واي تحليل موضوعي للإجابة على هذا التساؤل الصعب ، فان بناء الدولة يحتاج الى قدرات امنية عالية ، لكن دمج قوات الجيش باعمال الشرطة المحلية داخل المدن ، جعل قدرات الجيش تسخر لأغراض سياسية، فواقع الحال ان المناطق السنية تحاول ان تجعل حماية مناطقها من قوات الجيش ، عكس المناطق الشيعية ، التي تجعل قوات الشرطة لحمايتها ، باعتبار ان محاصصة وزارة الدفاع للسنة والداخلية للشيعة ، وهكذا انتقلت احداث الحويجة لتعكس هذه المعادلة بان قوات الجيش وان كانت في محاصصة الوزارات تعود للسنة، الا ان اوامرها تاتي من القائد العام للقوات المسلحة ، وهما يبرز مطالبة السنة بالتوازن المناطقي في قيادات الاجهزة الامنية، وهو عكس ما كان حاصل في النظام العراقي السابق ، حيث كانت جميع المناطق في العراق تحكم بقضة واحدة عرفت بقسوتها على الجميع .
يضاف الى ذلك ان هذه الازمة سيئة في توقيتها وموقع حدوثها ، فالتوقيت يأتي قبل الاعلان عن نتائج انتخابات مجالس المحافظات ورئيس الحكومة نوري المالكي كرر تاكيده على اهمية اعادة تشكيل الحكومة على اساس الاغلبية السياسية ، والمكان اقرب في جغرافيته الى ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها واكثر قربا الى اقليم كردستان منه الى الحكومة المركزية ، لكنه في الواقع السياسي ، تحالف مع المالكي بالضد من الاعتراضات الكردية في تشكيل قيادة عمليات دجلة ، لكنها تحولت الى وبال عليهم في هذه الفاجعة المؤلمة .
ومن ردود الافعال، فان الحكومة تريد ان تجعل من هذا الاقتحام امثولة لبقية ساحات الاعتصام في 6 محافظات ذات اغلبية سنية ، بان مصير اعتصامهم ربما ينتهي كما انته اعتصام الحويجة ، بعد ان اكثرت وسائل الاعلام الممولة من احزاب التحالف الوطني وفي تصريحات نواب دولة القانون بان ساحات الاعتصام مأوى لتنظيم القاعدة وعناصر حزب البعث المنحل ، من دون ان يظهر اي موقف اكثر صوابا في تجنيب العراق ويلات الحرب الاهلية، حتى اتهم برلماني كردي رئيس الحكومة نوري الملكي بانه يطبق خطة نائب الرئيس الاميركي جوزيف بادين لتقسيم العراق الى 3 دول شيعية وسنية وكردية !!!