22 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

رقع ملونة…

من على أنقاض نفسه، يحملها الى الخروج مثل ما اعتاد أن يفعل، كيس قديم كان قد إخطاطة عدة مرات برقع فوق رقع حتى ثقل همه غير عابئا بكل رقعة قديمة ملونة كانت أم سوداء تضاف إليه… لا يجد من يشكو حاله سوى صاحبه الذي يشبهه في كل شيء، يزيح ستارة تاه شكلها ولونها عن سقف من بقايا حطام أخشاب و ورق صحف اخبار كاذبة، يمسك حذائه الموسوم إبتلاء بلعق طرق ذابت مرارتها على مقدمته حتى اهلكته فأكل رأسه، مخرجا أصابع او هكذا يطلق عليها دميمة بمخلب شرس، أما مؤخرته فلا يظن أنه يستطيع وصفها حيث فقد أسته عذريته بعد أن اجريت له عملية قلع لقاعدة كان يرتكز عليها في زمن ما، أكثر ما يثير استغرابه حين يمطتيه صاحبه فيلبس الفردة اليمنى في رجله اليسرى والاخرى بالعكس، كأنه يسير في عالم خاص لا يستطيع تغيير واقعه الذي يعيش إلا من خلال عكس ارتدائه لي بشكل مغاير عن الطبيعي، لم أعلم قط لِمَ يفعل ذلك؟! حاولت أن أسأله لكن حالته تجبرني على الصمت مبتلعا قيح أقدامه مع تلك الفقاقيع الدمنة التي تتكورغصبا عن إرادتي مع احتكاكي بها دائما… يستهلك عمره سيرا في طرقات مختلفة بعضها لم أألفها من قبل غير أنها تروق لي مرات، خاصة أني تذوقت طعم ترابها وشممت الوجع الذي تتعرق به بخطى من ساروا عليه، لكنه اعتاد هو أن لا يجرني إلا في أشباه طرق، أما حين يتذكر وجعه يركب بي صفحات من أتربة طرق القبور حيث يعكف عند قبر أكلته الأرض حتى خسفت به معلنة نهاية إنسان هكذا يقول للقبر حين يحدثه…
بت يا عزيز قلبي مع بقايا عظام نخرتها الديدان فلم تبقي منك سوى خسف بطن الأرض التي توسدتها، وارضة لم تستطيع بجسارتها ان تنال من ردائك… راعني كثيرا في بداية الأمر حاله حين اشتراني من بائع للقديم من الاحذية حقا لا أدري! ربما قايضني بشئ ما، لم اتذكر لقد أنستني رفقته والظلام الذي يقطنه كل ما عشته رغدا في أرجل صاحبي القديم المزعوم، فهذا اورثني الظلمة والهلكة، رضيت فما لي حول ولا قوة، الحقيقة أقول كثيرا ما كان يحنو علي فيدفع بي الى كيسه المرقع ذاك، ثم ينتعل الأرض رأفة بي وحالي، هناك افترش مساحة تفي بطقطقة مفاصلي التي لا أدري اهي مفاصل ام أنها تكسرات في بنية جلدي وشكلي، أظنني سأفارق الحياة وأدفن الى جانب عزيزه الذي يحب ههههه… لا بأس فالحياة رغم بؤسها تحتاج الى إبتسامة وإن كانت بمرارة حتى لا تتيبس فكوك عزفت المضغ طويلا إلا في مناسبات نادرة حين يقتسمها مع نفسه بعد سماعي لكسرة خبزة تاهت نسيانا في باطن من شاركته السكن، حتى أني سألته في مرة…
هل أنت راض بهيئتك ورفقته معك؟ إني أظنك أكثر حظا مني، فأنت لا ترى وجعي الذي أحياه في كل ثانية متى ما أطبق على أنفاسي ممرغا انفي وبقيتي في طرق وعرة متربة، ومرات منتنة، يدوس بي كأنه ينتقم من شخص ما أو صورة لا يحب رؤيتها، ذاك علمته عندما يتمتم يُذَكر نفسه بمن أجرموا فيه، أذاقوه المرارة وشر الهزيمة…
-أرجوك يا بقية حذاء.. لا تكثر من اللغو، ربما تحل علي صامتا استوعبك مرغما، كون لا دخل لك أو لي منصاعا مثلي مثلك لم اكتراني كعبد كسيح يحمله على كتفه لا رحمة به وعطفا، بل كي يكتسب منه لقمة عيش استجداء بشكل فقر عاهر، مرات لا ألومه ومرات أخرى ألعن اللحظة التي أمسك بتلابيبي فأوردني كتفة المتقيح، لقد حظى جسمي بالكثير من الوخز والترقيع، ضاعت معالمي وملامحي، فلم أعد أدري ما انا!!؟ تشكلت بمخلفات عديدة، تاه وضاع شكلي، منافعي، لعلك حين تدخل قبتي المظلمة تشعر بأنك لا تتنفس سوى نتانة رقع رتقت بها جيوب ثقوب اوردها الزمن علي نتيجة تعاقب أزمان و وضع مزري، فالمكان الذي اقطنه شاهدت الجرذان تقرض مدرعتي دون القدرة على ردعها، كونها عديدة وتتكاثر، أما صاحبي هذا نائم في نعشه الخشبي وقد أسلم حياته الميؤس منها الى عزرائيل الذي يأبى قبض روحه البائسة، إني يا هذا حاقد عليه وأتمنى فراقه اليوم قبل الغد، لكن في مرة رأيته سمعته يئن ويبكي لا اعلم متى؟ اعتقد عند ذلك القبر المتهالك، سمعته راثيا شيء أحبه حتى الموت فقد ضحى بكل ما يملك في سبيل بقاءه حيا، لام نفسه حين دفنه من سنين بعاد، غير أنه مجبرا فعل، شكى له أنه من حسن حظه أن استشهد، فهو لا يريده ان يشاهد الطاعون الذي يجتاح وجوه ارض لثمت التراب من اجل ان يراه واعدا بمستقبل مزدهر، سمعته يقول:
مذكرا المتهالك قبرا… لعلك أبتلعت أبني حين عهدته إليك، قلت لك ولهم دونك الحياة لا قيمة لها ولا معنى، يكفيك ان تكون رمزا ونبراسا شامخا لهم… ذهلت لحظتها!!! هذا يعني أنه كان في حالة يسر ورفاه ما الذي حرى به ليكون متسولا؟ حكى قصة ألجمتني فبت لا ألومه أبدا على ما يفعله بي حتى وإن حرقني، فاصمت ولا تزد يا أجرد الجلد…
-ارى أنك تعيرني ولست بأفضل حال مني؟
-لا ليس كذلك ولكن اقبع ساكنا حتى لا تقلب علي المواجع
-عليك اللعنة أية مواجع أكثر مما أنت وأنا عليه!! يا لسخافة حديثك، على أية حال سألزم الصمت فقط إن اجبتني ما هي القصة التي ألجمتك عن الحديث؟
-لا ابوح لك بها فليس من حقي، لو كنت ممن يستمع لحديثه عند قبره المتهالك لعلمت وصمت الى الابد ولعلك أسلمت الأمر للأيام كما فعل هو وأنا..
-بالله عليك لا تلقمني الحيرة، فيكفيني وجيعتي وبؤس حالي
– حسنا.. كل ما عليك فعله إستعادة لإنصات ما سمعته عند القبر، بذلك ستفهم وإن كنت حذاء تحتذى، فبما تستعيد غيرك يحتذى؟ استمع وستعرف سبب رغبته مسلما لواقعه أن لا حياة في مستنقع الرذيلة الذي يراه
– لعلك تقصد مناجاته لمن في القبر…. لقد سمعته يقول: أكلت جسدك الديدان لكن الأرضة لم تستطع رغم جسارتها أن تنال من ردائك
– هو ذاك بالضبط ما عنيت يا حذاء، لقد وسد في النعش ولده الوحيد الذي استشهد دفاعا عن تربة الارض التي تشكو من وعورتها وقذارتها، ضحى بفلذة كبده مثله مثل غيره، لكن الجرذان، القاذورات نالت من تلك الأرض حين عيث بها فسادا، أما هو فكانت خيبته عظيمة بالمشهد، لذا أوكل الى الأرض قسما غليظا، أن لها الحق بأن تأكل جسد ولده فذاك حقها، أما القطعة المقدسة التي لفه بها فلا يمكنها ولا أرضتها ان تنال منها، فهي الباقية والجميع زائلون، سيرحل أصحاب الرذيلة سينال منهم الزمن والأسودان، ستبقى الأرض ورفرفة بيرقها عزة وإن كان على بقايا أطلال.

أحدث المقالات