19 ديسمبر، 2024 7:09 ص

مراقد الوهم قبور تقود الى الحروب وبناء الثروات

مراقد الوهم قبور تقود الى الحروب وبناء الثروات

لا غرابة ان ما يمارسه المسلمون –ولا سيّما الشيعة منهم- من احترام وإجلال وتوقير للقبور هو ثابت من الثوابت التي باتت تجسد هوية ذلك المنتمي –وأقصد به المسلم-.
ولا أود أن ادخل بتحليل عميق للدوافع الكامنة وراء مثل هكذا سلوكيات؛ فعلى الرغم من أن لبعضها دوافع دينية منسوبة إلى ما كان يمارسه النبي (ص وآله) من أعمال تجاه شهداء بدر وأحد ومقابر المسلمين من زيارة لها وتوجيهه (ص وآله) تحايا للقبور وأهلها مضافاً لما نقله الرواة من سلوكيات مماثلة يمارسها الائمة والصحابة والتابعين أيضاً، كما أن للبعض الاخر دوافع اجتماعية ونفسية تكمن في تأثير زيارة القبور على إثارة عاطفة الاطمئنان، الهدوء والسكينة لدى الانسان، وتذكير له لما سيؤول إليه مصيره في النهاية؛ تبقى في المحل النهائي ممارسات محترمة كونها لا تمس الصالح العام بنوع من الضرر وتدخل في حق ممارسة الحريات العامة للبشر.
ولكن ما يدعو المرء إلى الوقوف والتأمّل هو ما يمكن أن تقوده هذه القبور الى مآسي وكوارث قد تغير خارطة طريق بعض الدول أو قد تكون مدعاة للابتزاز والسرقة من الفقراء والطبقات غير المثقفة في المجتمعات، سيما إذا كانت هذه القبور وهمية وغير مثبتة تاريخياً، نَسَبياً أو جغرافياً، أو أن تكون لاشخاص لا قيمة لهم وتتحول في ما بعد إلى مزار تُجلب إليه النذور والهدايا.
فقد أخبرني أحد الاصدقاء (من السادة الهاشميين) بأن له أب يملك نوع من الحظوة والاحترام في بعض المحافظات الجنوبية لما كان له من أثر في حل نزاعاتهم، وعندما مات قام هذا المتحدث ببناء قبر ومزار لأبيه وأعلن بأن هذا المزار هو للسيد (فلان) وهو مانح للكرامات والعطايا، وأذاع هذا الخبر بين أهالي تلك المحافظات، وإذا بالناس تتقاطر زرافات ووحداناً على هذا القبر بغية التبرك براقده دافعين له من الاموال الكثير، الأمر الذي دفع بأولاد هذا الميت إلى النزاع والتهديد بالقتل بين الاخوة بغية السيطرة على هذا المنجم الذهبي الذي من المُحال أن ينفد. ويمكنني أن اتكهن المستقبل بأن هذا القبر سيضاف إلى قائمة المزارات المشهورة غير المتناهية في العراق بعد عشرين عاماً أو أقل أو أكثر بقليل.
وما أود الوقوف عنده هنا هو قبران وهميان شهيران، الأول هو قبر زينب بنت علي ابن ابي طالب (ع) والثاني هو قبر من تسمى ب(شريفة بنت الحسن).
أما السيدة زينب (ع) فهي امرأة مجهولة القبر تماماً، إذ أن اقدم المصادر التاريخية التي تنقل موضع قبرها هو كتاب الزينيبيات للنسابة العبيدلي، فتاريخ هذا الكتاب يعود الى القرن الثالث الهجري أي بعد وفاة السيدة بحوالي قرنين من الزمان، إذ يقول العبيدلي أنّ زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بني أميّة إلى المدينة أخذت تؤلّب الناس على يزيد بن معاوية، فخاف عمرو بن سعد الأشدق انتقاض الأمر، فكتب إلى يزيد بالحال، فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرّق بينها وبين الناس، فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت، فأبت الخروج من المدينة وقالت: لا أخرج وإن أهرقت دماؤنا، فقالت لها زينب بنت عقيل: يا ابنة عمّاه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، فطيبي نفساً وقرّي عيناً، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هواناً؟ ارحلي إلى بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطّفن معها في الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة، فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه، فأنزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً،وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية، ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري بالقاهرة.
فيما أشارت روايات أخرى إلى أن عبد الله بن جعفر الطيار رحل من المدينة، وانتقل مع زينب إلى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية اسمها راوية وقد توفيت زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف باسمها والمنطقة معروفة الآن بالسيدة زينب وهي من ضواحي دمشق.
ولا يهمنا هنا موضع القبر بقدر ما يهمنا من حرب عالمية ثالثة بالنيابة، ودماء سُفكت، وشعارات تم رفعها، وحرب طائفية طاحنة على مستوى اقليمي نشبت في سوريا على هذا القبر غير المعروف قاطنه!!! فكلنا نعلم أن هناك ميليشيات شيعية قامت بتجنيد المئات من الشباب العراقيين العاطلين عن العمل بشعار (لن تُسبى زينب مرتين)، وقد أزهقت قيادات داعش العشرات من أرواح الشباب بغية الوصول إلى هذا القبر وهدمه!!! وما زالت سوريا تعاني الويلات من أجل (وهم)! وهم يعد سببا أساسيا في ديمومة الحرب!!!
أما من تسمى (شريفة بنت الحسن) فالكارثة أدهى وأمرّ، لأن الامر برمته محض وهم، إذ لا يوجد للامام الحسن (ع) بنت تُدعى شريفة كما ذكر أهل الاختصاص ومنهم السيد ابو سعيدة في كتابه بنات المعصومين، فما نُسِب للامام الحسن (ع) من بنات لا يزيد عن ستة، لم تُدفن ولا واحدة منهن خارج اسوار المدينة المنورة، ولم تحمل أياً منهن إسم شريفة!!! فما هذه الاموال التي تُصرف يا تُرى على بناء مرقد لا هوية له ولا علامة سوى شهادات من بسطاء القوم بأن صاحبة المرقد قد شفت مرضاهم أو رزقتهم ذرية أو ما شابه!!!
والسؤال هو: هل يمكن أن يجرنا وهم المراقد والمزارات –ولا سيما الوهمية منها- إلى مآسي وكوارث تكون اسوأ مما نشهده في واقعنا الحالي؟
وجوابي الشخصي هو: نعم إن بقينا نسير معصوبي الأعين ومنقادين وراء سلطة مجهولة تغذي روح الايمان لدينا بالوهم والخرافة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات