ان منصب رئيس الجمهورية في العراق هو اعلى المناصب الحكومية ، مع انه ليس اهمها من ناحية الصلاحيات والدور الحكومي ، كونه مقدما في الاهمية الرمزية على المناصب الرئاسية الاخرى ، رئيس مجلس الوزراء ، رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس القضاء الاعلى ،وأهمية هذا المنصب تاتي من خلال الرمزية التي منحها له الدستور فقد نصت المادة – 67 – على (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور. ) .
وحسب شروط توزيع الكيكة في العملية السياسية في العراق المستندة على نظام المحاصصة في توزيع المناصب على طريقة هذا المنصب لك وهذا لي ، بين الكتل الكبيرة عددا أو القوية والمؤثرة في مجلس النواب والشارع العراقي فان منصب رئيس الجمهورية من حصة الاحزاب الكردستانية اي انه يمنح حصرا لشخصية كردية وبالمقابل فان منصب رئيس مجلس النواب من حصة السنة ومنصب رئيس مجلس الوزراء من حصة الشيعة لكونه المنصب الاهم والشيعة هم المكون الاكبر في المجتمع العراقي ، وصار هذا عرفا سياسيا لم يكسر منذ الدورة البرلمانية الاولى التي انبثقت في عام (2006) ، فقد كان رئيس الجمهورية منذ ذلك التاريخ لحد الان من الاخوة الكرد وبالذات من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني .
واضافة الى المحاصصة على مستوى الحكومة الاتحادية فان فان منصب رئيس الجمهورية مرتبط بمحاصصة اخرى كردية كردية حيث يكون توزيع عموم المناصب ، وخاصة منصب الرئيس ، في اقليم كردستان بين الحزبين الكرديين الرئيسيين ، الحزب الديمقراطي الكردستاني (البرزانيّ الزعامة تاريخيا) وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (طالبانيّ الزعامة تاريخيا) حيث كان منصب رئيس الاقليم من حصة الحزب الديمقراطي مقابل ان يكون منصب رئيس الجمهورية الاتحادية من حصة حزب الاتحاد الوطني . وتولى السيد مسعود البارزاني منصب رئيس الاقليم منذ عام 2005 الى ان تنحى عنه في الأول من تشرين الثاني 2017 بعد تعرضه لضغوط كبيرة اثر فشل استفتاء استقلال الاقليم الذي أجري بتوجيهه ورعايته ، ونلاحظ انه في هذه الفترة نفسها كان رئيس الجمهورية الاتحادية من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
وظل هذا التقسيم ساريا الى ان ظهر في هذه الدورة البرلمانية خلاف الحزبين على منصب رئيس الجمهورية حيث طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمنصب بعد ان كان من حصة الاتحاد الوطني في الدورات السابقة وحجته في ذلك ان المنصب ليس حكرا على حزب معين . وتصاعدت وتيرة الخلافات والتصريحات المتبادلة بين الحزبين الى حد ينذر بعدم قدرة الاطراف الكردية على تقديم مرشح واحد للمنصب . وياتي هذا الخلاف الكردستاني في ظل انشطار الطرف الشيعي وهو الاكبر عددا في البرلمان الى كتلتين كبيرتين تتنافسان على ان تكون كل منهما الكتلة الاكثر عددا وساهم هذا الانشطار مع عدم اتفاق القوائم السنية على تشكيل كتلة واحدة على نشوء فرقين داخل الجلس كل فريق يضم نوابا شيعة وسنة وكرد .
وقد كان منتظر ان يتم الترشيح لهذا المنصب في جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء الموافق 25/9/2018 ولكن رئاسة المجلس تداركت الامر ولم يتم ادراجه ضمن مواضيع الجلسة بسبب عدم اتفاق الحزبين على مرشح واحد . وتزايد عدد المرشحين بشكل ملفت للنظر حتى وصل الى (31) مرشحا تم قبول (7) منهم لتحقق شروط الترشيح عليهم ومن ضمنهم مرشح عربي ، وهذا الامر سيؤدي الى الصعوبة الكبيرة جدا ان يحصل احدهم على ثلثي اصوات عدد اعضاء المجلس (220 صوت) ليفوز بالمنصب حسب المادة (70 / أولا) التي نصت على ( ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية باغلبية ثلثي عدد اعضائه.
وفي هذه الحالة سيضطر البرلمان الى اقامة جولة ثانية من التنافس وحصره بين المرشحَين الحاصلَين على اكثر عدد من الاصوات في الجولة الاولى من الانتخاب ومن يحصل منهما على الاكثرية فهو الرئيس حسب البند (ثانيا) من المادة المادة (70) الذي نص على (ثانياً ـ اذا لم يحصل اي من المرشحين على الاغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على اعلى الاصوات ويعلن رئيساً من يحصل على اكثرية الاصوات في الاقتراع الثاني.).
وهذه الجولة فرصة اخرى لمعرفة الكتلة الاكبر اذ ان فوز اي مرشح بالمنصب يعني ان الكتلة التي رشحته هي الاكثر عددا في مجلس النواب .
ولكن هنالك سيناريو اخر مرشح بقوة ان يحدث وهو ان تقوم الكتل الشيعية بشكل رئيسي وقد ترافقها بعض القوائم السنية بدور (اصلاح ذات البين) بين الحزبين الكرديين الرئيسيين قبل الجلسة المنتضرة من اجل ان يتوصل الكرد الى مرشح واحد متفق عليه لكي يتم تمرير ترشيحه الى المنصب بتصويت الشيعة والسنة عليه ايضا .
واذا لم يتم التوصل الى اتفاق بين الكرد فقد نشهد عملية كسر نصاب الجلسة وتاجيلها الى موعد اخر تكون الاطراف الكردية عنده قد اتفقت على مرشح واحد .
وفي حالة عدم التوصل الى مرشح واحد بالتوافقية وعدم موافقة واحد او اكثر من الاطراف الكردستانية على كسر النصاب وتأجيل الجلسة ، وهو احتمال وارد جدا وهو ما أرجح حصوله ، وأصر على ان تعقد الجلسة وشاركتها كتل اخرى لتحقيق النصاب فان الترشيح والتصويت سيكون بديمقراطية بدلا من التوافقية وسيفوز بمنصب رئيس الجمهورية الطرف الكردي الذي كسب الى جانبه اكثر عدد من النواب من الكتل الاخرى السنية والشيعية .
وتبقى كل الاحتمالاات واردة