غجرية فوق ربى قصيدة سمراء .. بقلم : سلوى علي – العراق .
سريرُ الّليلك .. بقلم : مرام عطية – سوريا .
للدين رجال يحرسونه … وللسياسة رجال يخوضون في مستنقعاتها … ولجسد المرأة رجل كالمِبرد .
بعد التطور الهائل الذي حصل على النصّ والوعي الجديد حول اللغة والتعبير وتداخل الاجناس الادبية مؤخرا ادّى الى التوسع في فهم التعبير والتعظيم لطاقات اللغة والنصّ الادبي , مما أدى الى تجلّي ظاهر في الابتكار والابداع وفي تعدد مستويات التعبير , وكان للكتابة النثرية دور مهم في هذه الظاهرة وترسيخها . لقد كان النصّ مكوّن من كلمات ومعاني , لكن التطوير الحاصل في فهم النصّ مؤخرا صار النصّ ليس مجرد نظام مكوّن من كلمات وصور وموسيقى , بل تعدّاه ليكون له وجودات ومستويات مختلفة , وكان النصّ هو المرآة لهذه الوجودات والمستويات . ان الحرية التي وفرها السرد التعبيري وطريقة كتابة النصّ بالطريقة الافقية ( الكتلة الواحدة ) وعلى شكل فقرات نصّية متتابعة أدّت الى ظهور اشكال تعبيرية مصاحبة للنصّ لا تتكون من وحدات لغوية , اي اصبح لدينا انظمة تعبيرية تصاحب النصّ غير الانظمة اللغوية , وهذا هو تعدد مستويات التعبير فأصبح لدينا تعبير لغوي وتعبير غير لغوي . ان المؤشّر الواقعي والصادق على وجود نظام تعبيري غير لغوي مرافق ومحمول في النصّ هو / تحقق الأثارة / والاستفزاز بغير اللغة والكلام / , فنجد ان هناك معطى غير اللغة والمعاني يستفزّه ويثيره ويدهشه . ان السرد التعبيري اصبح يتنوع بتنوع التجربة الانسانية وما يوافق من طاقات اللغة , اصبح لدينا / التعبيرية الشعورية التجريدية / التعبيرية الاسلوبية / التعبيرية القاموسية / والتعبيرية الايحائية / والتعبيرية الرمزية /* والتعبيرية الفكرية .
ان السردية التعبيرية لانقصد بها السرد الحكائي القصصي بل نقصد الايحاء ونقل الشعور والاحاسيس والمشاعر العميقة وتعظيم طاقات اللغة لاجل توصيل رسالى الى المتلقي . فبعد النجاحات التي حققها كتّاب السرد التعبيري والكتابة بطريقة ابداعية ومتميّزة بمختلف انواع السرد التعبيري , سنتحدث اليوم عن تجربة اخرى ظهرت لدى بعض كتّابنا مؤخرا الا وهي قصيدة / التابو / او / الخط الاحمر / او / / الادب المكشوف / او / المحظور و الممنوع / في المجتمع وخاصة لدى المرأة . لقد بقيت المرأة تتخفّى وراء مفرداتها عندما تتحدث عن شريك غير مصرّح به وتشير اليه من بعيد او تستخدم مفردات جنسية اكثر جرأة ولكن تلميحا واشارة اليه وربما ايضا تستخدم وبشكل واضح وصريح موضوعة الجنس بطريقة مباشرة . وهنا يقفز السؤال : هل إنّ كلّ ما يكتبه الشاعر / الشاعرة ( بصورة خاصة ) يعبّر عن شخصيته وممارساته اليومية , وهل يحقّ لنا أن نعيب عليه ما يكتب عمّا يجول في أعماقه بحرية ودون وجل او تردد , وهل يجوز لنا أن نصفه بما كتبه ويكتبه ونعتقد خطأ انّ هذا يمتدّ الى سلوكه ويعبّر عن نواياه المخفية , ونلصق كلّ هذا زيّفا به ونتهمه بما لا يوجد فيه ونعتبر ما كتبه يعبّر عن تجربة شخصية .. ؟؟ !! .
كل انسان لديه حاجات اساسية يحاول اشباعها بالطريقة التي تسبب له الاطمئنان والراحة النفسية والاستقرار الفكري والنفسي , وتتدرج هذه الحاجات حسب / هرم ماسلو* / من الحاجات / الفسيولوجية / الجتماعية / الحاجة للتقدير / والحاجة لتحقيق الذات , فأي تقصير بعدم اشباع هذه الحاجات سوف تظهر على سلوك الانسان , ويمكن التعبير عنها بطرق مختلفة كـ / الرسم / الموسيقى / الرقص / الادب ومنه الشعر وغيرها . ان الانسان بحاجة الى اشباع حاجاته الاجتماعية / العلاقات العاطفية / العلاقات الاسرية / اكتساب الاصدقاء , وفي حالة عدم تحقيق واشباع هذه الحاجات يصبح عرضة للعزلة والاكتئاب والقلق والعزلة , وهذه كلها منغصات تقلق الانسان فيقوم بعملية تنفيس لهذه الضغوط والازمات بالطرق التي يراها مناسبة ومتوفرة , هذه الازمات والضغوطات النفسية تترافق مع حدوث ازمات تعمّ البلد كالحروب مثلا فيقفز الجنس مقابل الحرب , هنا يحاول الاديب الذكي والمبدع ان يترجم لنا مشاعر الاخرين بإسلوبه الخاص وبتجربته في مجال ممارساته الكتابية وثقافته ويبعث لنا رسالة تتجلّى فيها رساليته الانسانية والجمالية في كتاباته .
سنتناول هنا نصّين لشاعرتين مهمّتين في مجال السرد التعبيري اشتغلن على موضوعة / الجنس / بالاتكاء على السردية التعبيرية الشعورية , فكانت الرسالة واضحة على شكل مكونات عاطفية وشعورية اضافة الى الكلمات والمعاني .
وهما :
سلوى علي من العراق
ومرام عطية من سوريا
من خلال متابعتنا وجدنا في نصّيهما ما يشير الى التابو سنحاول تسليط الضوء عليهما وقراءتهما عن قرب علّنا نتمكن من اضافة شيء ما تجربة القصيدة السردية التعبيرية .
أولا : غجرية فوق ربى قصيدة سمراء .. / بقلم : سلوى علي – العرق
تسرقني اللحظات المكتظة بلجة الشوق بين ثنايا الحلم ، لأكوان عطرية ، تروض غجرية جحدها الوجد فوق سرير برائحة النارنج المنفلت من جعبة ممالك ألأشتياق المأسورة بخلجات الهطول ، ليبتسم نهدها المكلوم بمحض الحلم الملآى بالأقحوان ، تنتعل ألأبجدية وتفك الأسرار الحبلى المودوزنة لحد الأمتلاء فوق قافية مجنونة المفردات ، رحيمة العناق بين مجرات التوق المصطفاة من حضن اللقاء وهي تتنفس بجنون مابين الحلم والواقع كنورسة تائهة بأنفاس رخيمة بذاكرتها الخصبة بين المناجل الساحقة لسنابل أحلامها ومدنها الطاهرة بالبياض المنقوع في جرار نشوة الوجد.
تبكيها نهشة ألألم فوق ربى قصيدة سمراء كظل ظهيرة عجزت التأويل من وصفها في كتابة الممكنات فوق زهر من وتر القصيدة .
ياسيدي..
مازالت نوافذي مغلقة تشتهي وسائد الحنين بين سواقي الدمع ،تغوص بأسم لقيط لجسد أمراءة بلا أراجيح فوق أيك المساءات ، أحتست آخر رشفة من مداها الفسيح ومضت كصفير ناي قبل الغروب .
نجد هنا الشاعرة استخدمت قناع الغجر الذين تمتاز بشرتهم بالسمرة ويمتازون بالجمال ويعشيون على أطراف المدن في عزلتهم , لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم , حياتهم عبارة عن الطرب والرقص والكيف والجنس , فمن خلال شخصية هذه الغجرية سنستشفّ وجود حياة عامرة بالجمال والعزلة ومن خلال الجوّ العام للقصيدة سنجد لغة الحلم واضحة بعدما كرّرت الشاعرة مفردة / الحلم / لأكثر من مرّة ومن هذه اللغة سينبعث عطر أخّاذ أصرتّ على تكراره خمسة مرات ونحن نعلم تأثير العطر في تأجيج غريزة الجنس .. / تسرقني اللحظات المكتظة بلجة الشوق بين ثنايا الحلم ../ محاولة الهروب من الواقع لقسوته والارتماء باحضان الحلم بحثاً عن السكينة والاطمئنان ../ لأكوان عطرية ، تروض غجرية جحدها الوجد فوق سرير برائحة النارنج المنفلت من جعبة ممالك ألأشتياق المأسورة بخلجات الهطول ../ البحث عن سرير برائحة النارنج حين تصحو الأنثى من غفوتها ويغلبها الشوق والاشتياق والبحث عمّن يروّض جموح هذه الغجرية الشبقة ../ ليبتسم نهدها المكلوم بمحض الحلم الملآى بالأقحوان ../ انه البحث عن المتعة واللذة الجنسية المحرّمة , هي الرغبة الصريحة والملحّة لدى الجسد ../ تنتعل ألأبجدية وتفك الأسرار الحبلى المدوزنة لحد الأمتلاء فوق قافية مجنونة المفردات ../ لا سبيل لكل هذا الا باستخدام اللغة لاستحالة تحقيق ذلك , في محاولة لتخفيف هذا الشبق المكتوم .. / رحيمة العناق بين مجرات التوق المصطفاة من حضن اللقاء وهي تتنفس بجنون مابين الحلم والواقع كنورسة تائهة بأنفاس رخيمة بذاكرتها الخصبة بين المناجل الساحقة لسنابل أحلامها ومدنها الطاهرة بالبياض المنقوع في جرار نشوة الوجد ../ انه الصراع ما بين الواقع المؤلم والحلم اللذيذ , انها الانثى الناضجة خصوبتها الملتاعة بقسوة الناجل وهي تمارس السلطة والازدراء لمدن الجسد المعتّق بالشوق والباحث عن نشوة مفقودة ../ تبكيها نهشة ألألم فوق ربى قصيدة سمراء كظل ظهيرة عجزت التأويل من وصفها في كتابة الممكنات فوق زهر من وتر القصيدة ../ انه الحرمان العاطفي والجسدي , انه البكاء العنيف , انه الحاجة في زمن القهر المصطخبة لدى الأنثى ../ ياسيدي ../ لقد جاءت هذه الفردة وحيدة في بداية سطر تحمل الرجاء والطلب ومدّ العون والاقتراب والحنو والعطف ../ مازالت نوافذي مغلقة تشتهي وسائد الحنين بين سواقي الدمع ../ انه الانتظار الممضّ والموجع حيث تأججت الرغبة وتفجّرت ينابيعها وتفتّقت الشهوة وامتلأت سواقي الروح بالدمع والحرقة ../ تغوص بأسم لقيط لجسد أمراءة بلا أراجيح فوق أيك المساءات ../ انه الاختباء وراء اسم مستعار خشية افتضاح أمرها بعدما انتابها القنوط وغشيها الياس والحرمان ../ أحتست آخر رشفة من مداها الفسيح ومضت كصفير ناي قبل الغروب ../ وهكذا مضت احلامها في مهب الريح وبقيت خاوية بعدما احتدمت في جسدها الشهوة وسرعان ما تلاشت حينما عجزت عن انتهاك الثالوث المحرّمة علنا .
في هذه القصيدة نجد قوة المفردة وقوة الايحاء فيها اضافة الى جمالية الانزياحات وكمّ هائل من المشاعر الصادقة والاحاسيس المرهفة , لقد بقيت الشاعرة مختفية وراء كلماتها الموحية بالكثير من الرغبة والبحث عن النشوة , حذرة لا تصرّح علنا برغبتها المكبوتة خشية من الواقع وسطوته .
ثانيا : سريرُ الليلكِ .. / بقلم : مرام عطية – سوريا
عند منحنى العتمةِ حسناءُ أضاعتْ مفاتيحَ البهجةِ ودربَ الخلاصِ ، تناشدُ الغيمَ الرحمةَ ، و ترقُبُ أزرارَ الغدَ بمقلِةِ الأملِ، تزيِّنهُ بأحلامٍ لازورديَّةٍ ، تعانقهُ بالَّلهفةِ ، وتمضغُ موبقاتِ الواقعِ الأليمِ بحسرةٍ ، تتنقَّلُ بين محطِّاتٍ الأخبارِ العالمية وكتبِ السَّماءِ، لعلَّها تجدُ ترياقاً مجدياً ، يرفعها فَوْقَ وحولِ الحاجةِ، و يقيها ابتياعَ الذلِ
تنهضُ وراءَ ضلوعها شجرةُ تينٍ ناضجة ، تقتحمُ
نضارتُها أسوارَ الخريفِ الشَّاحبِ ، وتحيكُ إطلالتها السَّنيةَ شالَ الألقِ ، يضاجع جسدها الخواءُ الموجعُ ، ويسترُ مفاتنها الَّليلُ الصامتُ ، سريرُ الحرمانِ شديدُ الملوحةِ ، مرُّ المذاقِ ، تتغلغلُ فيه عناكبُ الجهلِ وتعلوهُ الأسقامُ العضالُ الحنظلُ لايغادرُ إناءها الزجاجيُّ المترعُ بالخيباتِ ، و كنارٌ شجي من وراءِ الأسلاكِ يغريهِ جسدها المزروع باللوز والحبقِ ، يتسللُ ، البابُ مواربٌ ، يضمُّ ليمون خصرها بين جناحيهِ ، يوقدُ الوجدَ ، يحرقَ الوصايا ، فجأةً تصفعتهُ الريحُ ،لأنه خالف عرف القبيلةِ وطقوسُ الخريف الشتوي ، بئس شرائعا شرائعُ سنَّها الثَّلجُ للنار والحجارةُ للينابيعِ ، و كرَّستها مناسكُ الإهمال و تقاليدُ اليبابِ
نعم آمنتُ بكلِّ ماقالهُ لي خليجُ الأوجاعِ : أنْ ليسَ للزمنِ قلبٌ ولا للشوقِ خطايا في بلادِ الخرافةِ والموتِ
يشتغلُ الحنينُ في صدرها لذاكَ الكنارِ الطربِ ، يطربُها ، يسقيها نبيذَ شفتيهِ ، يتذوَّقُ عرجونها الذي يسيلُ حلاوةً ، يغازلُ حسانَها اللائي ارتدينَ الحياءَ ، وتقنَّعنَ بألواحٍ خشبيةٍ ، يخشينَ عيونَ العاذلين الشائكةَ
شجرةٌ عاشقةٌ تطرقُ أبوابَ الرحمة ، تناشدها إطلاقَ كنارٍ مهيضِ الجناحِ صفعتهُ الريحُ ، ريحٌ صرصرٌ رمتهُ مستنقعاتُ التقاليدِ في خيامِ التعاسةِ البائسةِ تبلغهُ أقاليمَ الأحزانِ ؛ فيكفُّ عن التحليقِ ختمَ المساءِ .
المواعيدُ الخضراءُ المسكونُة بالشَّوقِ تنشجُ يتناهى أنينُها إلى السَّواقي القريبةِ من موطنها فتخاتلها بابتسامةِ الوردِ وتنهيدةِ الصباحِ .
لا بارقةَ أملٍ تطلُّ، أو غيمةَ لقاءٍ تلوحُ في الأفقِ القريبِ ، تبكي ، تخبرُ نوارسَها المتكئةَ على ضفافِ التلاقي بغزو الصيفِ لأحلامها فتعزفُ سمفونيةً شجيَّةً على أوتارِ الانتظارِ .
هنا تضعنا الشاعرة أمام السرير المعدّ والمصنوع من أزهار الليلك المزهرة بنعومتها ورقّتها وحساسيتها , هذه الازهار تُشعرنا بالدفء وتذكّرنا بإقتراب فصل الصيف في محاولة منها أن تثير الاخر وتسترعي إنتباهه بجمالها , اذا نحن أمام انتظار آخر ومخدع جديد وكأنها توميء بكل ما تحمل من سرّ الأنوثة وشبقها في عملية استدراج وتوسّل ولهفة انتظار . لقد استخدمت الكناية وعدم التصريح بذكر الآخر فتمثّلته / كنار / لما لهذا الطير من جمال وألوان جذّابة وصوت هادىء وجميل يريح الأعصاب , طائر يقظ ومفعم بالنشاط والحيوية يحلّق في سماواتها دوما ../ عند منحنى العتمةِ حسناءُ أضاعتْ مفاتيحَ البهجةِ ودربَ الخلاصِ ../ من وراء الضوء والواقع المرير كانت قد فقدت هذه الحسناء مفاتيح دروب السعادة والافراح , في مقدمة تهيّء لنا أجواء الدخول في عالمها المظلم والبائس ../ تناشدُ الغيمَ الرحمةَ ../ الطلب والرجاء بـ لحظة وفاق وصفاء , وقد استخدمت الشاعرة هنا مفردة / الغيم / الدالّة على العطاء بأمطارها التي وهي في نفس الوقت مفردة جنسية توحي بالكثير , انها تُغرق الارض اليابسة وتنبت في صحرائها الازهار من جديد في لحظة اللقاء والنزول ../ و ترقُبُ أزرارَ الغدَ بمقلِةِ الأملِ، تزيِّنهُ بأحلامٍ لازورديَّةٍ ، تعانقهُ بالَّلهفةِ ، وتمضغُ موبقاتِ الواقعِ الأليمِ بحسرةٍ ../ الانتظار الطويل والممل والموجع في نفس الوقت للغد الذي ربما سوف يتحقق او لا يتحقق , تحاول تجميل الأمل وتزّينيه بأجمل الاحلام اللازوردية تحدوها اللهفة المشتعلة , بينما تحاول نسيان قسوة واقعها والهروب منه الى أحلامها الممنوعة ../ تتنقَّلُ بين محطِّاتٍ الأخبارِ العالمية وكتبِ السَّماءِ، لعلَّها تجدُ ترياقاً مجدياً ، يرفعها فَوْقَ وحولِ الحاجةِ، و يقيها ابتياعَ الذلِ
تنهضُ وراءَ ضلوعها شجرةُ تينٍ ناضجة ../ في تصريح وصرخة بوجه هذا الثالوث المحرّم / الأخبارِ العالمية التي تعادل السياسة / و / كتب السماء التي تعادل الدين / و / الذلّ التي تعادل المحرمات الاجتماعية ومنها الجنس / ومحاولة التحرر من قيودها والانبعاث من جديد , ومن خلال تصريح مثير ومستفزّ تستخدم الشاعرة عبارة / شجرة تين ناضجة / وهي عبارة جنسية موحية بالكثير حيث اللذّة والنضوج والاستعداد الجسدي والروحي ../ تقتحمُ
نضارتُها أسوارَ الخريفِ الشَّاحبِ ../ انّه الخريف وماادراك مالخريف حين تهبّ رياحه العاتيه تجرّد الارض من نضارتها وتمسح بهجتها ورونقها بالغبار والصفير وتتساقط الاوراق تدوسها الأقدار وتعلن الموت ../ يضاجع جسدها الخواءُ الموجعُ ../ انّه اللاشيء سوى المواجع ترافق ذبول الجسد وغربته ../ ويسترُ مفاتنها الَّليلُ الصامتُ ، سريرُ الحرمانِ شديدُ الملوحةِ ، مرُّ المذاقِ ، تتغلغلُ فيه عناكبُ الجهلِ وتعلوهُ الأسقامُ العضالُ الحنظلُ لايغادرُ إناءها الزجاجيُّ المترعُ بالخيباتِ ../ هذا هو سرّ الجمال في القصيدة السردية التعبيرية حين نستخدم الفقرات المتواصلة والمشحونة بالمشاعر والاحاسيس وبلغة زاخرة بالعطاء والانزياحات المثيرة , تصوير لعالم الوحشة والخراب وحيث الخيال الخصب يفتح لنا أبواب التأويل مشرعة , حيث المفاتن يغطّيها الليل الأبكم / الليل ممكن ان يكون – الجهل – القسوة – الأهمال – اللامبالات – انّه السواد .. بكل معانيه وضجيجه , ماأقسى ان يكون السرير مالحا يهيّج الجروح ويزيد من الألم وكيف يكون مذاقه يحمل كل هذه المرارة حين تتغلغل وتسكن فيه العناكب والأسقام المزمنة بينما الحنظل أنيسها وشرابها المفضّل تملأه الحيبات والمرارة , تصوير دقيق وتجريدية عالية البوح استطاعت الشاعرة ان تُقحمنا في عالمها وتجعلنا نتعاطف معها ومع مأساتها ../ و كنارٌ شجي من وراءِ الأسلاكِ يغريهِ جسدها المزروع باللوز والحبقِ ، يتسللُ ، البابُ مواربٌ ، يضمُّ ليمون خصرها بين جناحيهِ ، يوقدُ الوجدَ ، يحرقَ الوصايا ../ فمن وراء الغيب يبزغ كنار يحمل هو الاخر احزانه وشجونه فوق أجنحته , انّ استخدام مفردة / يغريه – الأغراء / كان موفقا جدا ويتناسب تناسبا طرديا مع اجواء النصّ , هذا الكنار انتابه الأحساس بالجذب والميل نحو جسدها المزروع بـ / اللوز / والحبق / الطعم اللذيذ والرائحة المنعشة في نفس الوقت , ياتيها من خلف الباب – الممنوع , وان يفرض سطوته على خصرها ويتمكن منها ويشعل النيران في الجسد ../ فجأةً تصفعتهُ الريحُ ،لأنه خالف عرف القبيلةِ وطقوسُ الخريف الشتوي ، بئس شرائعا شرائعُ سنَّها الثَّلجُ للنار والحجارةُ للينابيعِ ، و كرَّستها مناسكُ الإهمال و تقاليدُ اليبابِ ../ لكن فجأة يصطدم بالواقع هذا الكنار لان هناك أعراف وتقاليد لا يمكن تجاوزها , هناك خطوط حمراء ومناطق محرّمة لا يجوز المساس بقدسيتها , يا لبؤس هذه الشرائع وقسوتها لانها لا تعي شيئا وتملك ذرّة مشاعر , شرائع باردة كالثلج تقف أمام النيران المشتعلة وتحاول إطفاءها بقسوة , شرائع كالحجارة القاسية الصلدة كيف يمكنها ان تواجه الينابيع المتدفقة عاطفة وجموح شهوة …؟ ! .. / نعم آمنتُ بكلِّ ماقالهُ لي خليجُ الأوجاعِ : أنْ ليسَ للزمنِ قلبٌ ولا للشوقِ خطايا في بلادِ الخرافةِ والموتِ ../ هذا المقطع المدهش كم يحمل من الوجع والخيبة والخسران , انّ البلاد التي تحكمها الأعراف والتقاليد حتما سيكون قلبها متحجر وبلا رحمة , لقد آمنت الشاعرة أخيرا بعدمية اللقاء في ظل بلاد تحكمها التقاليد والاعراف وانها تشعر بالعجز وبعدمية تجاوز خطوط القبيلة الحمراء وانها لابدّ ان تستسلم للياس في بلاد تؤمن بالموت وتزدري الحبّ والمشاعر وتتجاهلها ../ يشتغلُ الحنينُ في صدرها لذاكَ الكنارِ الطربِ ، يطربُها ، يسقيها نبيذَ شفتيهِ ، يتذوَّقُ عرجونها الذي يسيلُ حلاوةً ، يغازلُ حسانَها اللائي ارتدينَ الحياءَ ، وتقنَّعنَ بألواحٍ خشبيةٍ ، يخشينَ عيونَ العاذلين الشائكةَ ../ لم يبق لديها الاّ الحنين يمزّق صدرها , الحنين الى صوت الحبيب – الكنار في محاولة لتعويض الخسارة لعدم حصول اللقاء المرتقب , العودة الى الحلم والهروب من الواقع عبر مفردات شبقية مثيرة جدا / نبيذ الشفتين / يتذوّق عرجونها / الذي يسيل حلاوة , ياله من تصوير ولوحة شبقية مفعمة بالشهوة استطاعت الشاعرة ان ترسمها مكلّلة بالمشاعر والعواطف ../ شجرةٌ عاشقةٌ تطرقُ أبوابَ الرحمة ، تناشدها إطلاقَ كنارٍ مهيضِ الجناحِ صفعتهُ الريحُ ، ريحٌ صرصرٌ رمتهُ مستنقعاتُ التقاليدِ في خيامِ التعاسةِ البائسةِ تبلغهُ أقاليمَ الأحزانِ ؛ فيكفُّ عن التحليقِ ختمَ المساءِ ../ انّها شجرة مثمرة ومواعيدها الخضراء يسكن فيها نشيج قادم من أعماق الروح , صوت يمزّق الصدر ما بين ارتفاع وانخفاض والغصّة بالبكاء ../ المواعيدُ الخضراءُ المسكونُة بالشَّوقِ تنشجُ يتناهى أنينُها إلى السَّواقي القريبةِ من موطنها فتخاتلها بابتسامةِ الوردِ وتنهيدةِ الصباحِ ../ يغمر هذا البكاء سواقيها القاحلة والموحشة ../ لا بارقةَ أملٍ تطلُّ، أو غيمةَ لقاءٍ تلوحُ في الأفقِ القريبِ ، تبكي ، تخبرُ نوارسَها المتكئةَ على ضفافِ التلاقي بغزو الصيفِ لأحلامها فتعزفُ سمفونيةً شجيَّةً على أوتارِ الانتظارِ .. / إنتهى الحلم المرتقب وضاعت الأحلام وألآمال الجميلة فلا غيمة تسقي السواقي العطشى والمدن المهجورة ولا لقاء سيتحقق , سوى البكاء والحسرة والألم , لقد حلّ بساحتها الصيف ومواسم الجدب والقحط وبقيت لوحدتها القاتلة .
انّ الشاعرتين في هذه الرحلة الممتعة والشاقة والعذبة جدا ينتميان الى بيئتين مختلفتين وجدنا ذلك من خلال استعمال المفردات والحرية في طريقة الكتابة وكذلك ينتميان الى ثقافتين مختلفتين , إمتلكن من الشجاعة والجرأة واللياقة في أن يكتبان هذا الجمال ويهربان من حالة الكبت والحرمان الى عوالم الخيال والاحلام ويستنطقان خلجاتهن البعيدة الكامنة في ينابيع الجسد . رحلة أثارة عند المتلقي الاعجاب والفرح حينما خاطبن الآخر في ظلّ ادب محتشم عذري بعيد عن الأسفاف والرذيلة .