من المؤكد ان جميع الحركات والاحزاب والكتل ستستخدم احدث ما وصلت اليه النظم المعلوماتية المقروءة والمسموعة والمرئية في مجال الدعاية والاعلان وبشكل باذخ ومكثف لابراز برنامجها الاسطوري ومرشحيها الاكفاء الاصلاء الانزه بحيث ان هذا البرنامج -وبوجود هذه النخبة من المرشحين المخلصين- في حالة فوزه سوف يخرج العراق من ظلمات الخوف والقهر والفقر الى نور الأمن والعدل والمساواة، وسيقضي على البطالة والفساد المالي والاداري وسيعيد لكل ذي حق حقه وسيوفر السكن المريح والعيش الكريم لجميع العوائل العراقية المتعففة. وعلى يدي هذا البرنامج ومرشحيه سيتم القضاء على جميع الازمات وفي مقدمتها ازمة الكهرباء والوقود والماء والمجاري والطرق والاختناقات المرورية وسيضع الموظف المناسب في الوظيفة المناسبة وسيعوض العراقيين عما فاتهم في سنوات القهر والاضطهاد والعوز ويصبحون في جنة الله على الارض. من الطبيعي وانطلاقاً من مبادىء المنافسة الشريفة ستتسابق الاحزاب والحركات والكتل واصحاب القوائم المفرزة لحجز اكبر عدد من الصحف والمجلات والاذاعات والفضائيات لبث الدعاية اللائقة ببرنامجها، وستتنافس وربما تستقتل في سبيل الاستحواذ على اكبر عدد واوسع مساحة من الجدران والساحات العامة في المناطق الاستراتيجية واماكن التجمعات خاصة وذلك لنشر اجمل الملصقات واكبرها وبالوان زاهية، ورفع انصع اللافتات والرايات والاعلام المحملة بشعارات مغرية متفائلة حالمة جذابة تصيب الناس بالدوار وتتركهم في حيرة من امرهم، يختارون من ويتركون من؟!.
من محاسن هذه الحملة انها ستفتح ابواباً لرزق الكثير من الناس في المطابع ومشتقاتها: الأحبار والأصباغ والورق والعاملين عليها والحمالين وعربات وسيارات نقل تلك الاطنان من الملصقات، وباعة الاقمشة وناقليها والخطاطين، وباعة الخشب والحبال والمسامير والصمغ وهي مواد لازمة للملصقات واللافتات، وهذه تحتاج لايدي عاملة لنقلها وتثبيتها على الجدران وفي الساحات العامة ومداخل ومخارج الشوارع الرئيسة والفرعية كما ان ازالتها ستتطلب جهوداً استثنائية من امانة العاصمة وهذا الجهد بحد ذاته باب من ابواب الرزق للعاطلين اذ ستجند الامانة الوفاً مؤلفة من افواج العاطلين لازالة تلك الملصقات واللافتات والرايات وجمع اوراق المنشورات. وهذا الامر لا ينحصر في بغداد بل سيعم جميع المحافظات وقد يكون هذا الجانب الحسنة الوحيدة التي تسجل للحملات الانتخابية. كذلك سيشمل الرزق اصحاب الامتياز للصحف والمجلات وادارات الفضائيات والمحليات والاذاعات.
لانريد من خلال هذه المقدمة التهكم او الاساءة الى العملية الانتخابية ولانستنكر على المرشحين -قوائماً وافراداً- اساليبهم وطرقهم في الدعاية والاعلان، فذلك حق مشروع، وممارسة حضارية سبقتنا اليهما شعوب العالم المتمدن بعشرات السنين، لكننا اردنا التنبيه الى امور تسهم في انجاح هذه العملية الرائدة ومنها:
اولاً: الاستفادة من التجربة الماضية وتلافي اخطاءها وفوضاها واستخدام الاساليب المبسطة المركزة في الدعاية والاعلان للقائمة وبرنامجها.
ثانياً: الدقة في اختيار المرشحين الجدد للقوائم مع احترامنا للمرشحين السابقين والذين تنكر بعضهم للجماهير التي رشحته واستغل منصب عضوية مجلس المحافظة لتحقيق مآربه الشخصية واثرى على حساب محافظته وناسه الذين لم يعد يتذكرهم. وهذا بحد ذاته السبب الاول الذي اصاب القواعد الجماهيرية بالاحباط والنكوص وجعلها تنفر من المشاركة في الانتخابات وتكاد تتهم الجميع بالاستحواذ وخيانة الامانة أحيانا.
ثالثاً: التعهد للجماهير بانجازات تلامس حياتهم اليومية، انجازات معقولة يمكن الايفاء بها حتى وان كانت بسيطة ومحدودة فهذا افضل بكثير من تعهدات خرافية تنفر الناس اذ سبق وسمعوها من اعضاء برلمان لم يستطيعوا الايفاء بجزء يسير منها حيث انشغل بعضهم بمكافآة الباذخة وسياراته الفارهة ورواتبه المليونية ومخصصات افراد حمايته.
رابعاً: تخصيص الجزء الاكبر من المبالغ المرصودة للحملات الاعلامية وصرفها على رفع معاناة المناطق المسحوقة وخاصة العوائل المهجرة ومناطق بيوت الصفيح التي لاتمتلك حتى سقوفاً تقيها امطار الشتاء وبرده وشمس الصيف ولهيبه وقد تفشت فيها الامراض السرطانية والعاهات المستعصية.
لاشك ان انتخابات مجالس المحافظات محطة هامة في نهضة واعمار العراق بما تؤسسه من ادارات محلية ناجحة في ادارة المحافظات واقامة المشاريع الضرورية فيها حسب الاهم الذي يخدم المحافظة وينعش اوضاعها الاقتصادية والخدمية والصحية والاجتماعية والثقافية والتربوية وبشكل شبه مستقل عن تعقيدات المركز وبحريات وصلاحيات اوسع للمحافظة ومجلسها ومحافظها.
من هنا استوجب انجاح هذه العملية الرائدة والتي لا تحتمل الاخطاء كونها ستمارس في نستخها الثالثة وقد مرت بتجربتين متلكئتين متعثرتين .