23 ديسمبر، 2024 7:04 م

الدستور العراقي يطيح بالعملية السياسية

الدستور العراقي يطيح بالعملية السياسية

جذور الأشياء هي من يتحمل دائما تبعات الأعباء الثقيلة الملقاة على عاتقها,وعماد أية عملية سياسية أو تجارية أو إنسانية أو أخلاقية (الخ.),هي الأسس والقواعد التي ترتكز عليه تلك العملية أو التجربة
كنا نسمع عن سقوط العمارات أو الأبنية الشاهقة في العالم وبعض البلدان العربية(وتحولت اليوم بقدرة الفوضى والفساد الإداري والسياسي إلى العراق),ويتضح فيما بعد إن المقاولين والشركات الجشعة قد تلاعبت بالأساسات والمواد الداخلة في البناء(الحديد والاسمنت على سبيل المثال لا الحصر)
سنتطرق إلى فقرة واحدة أهملها الدستور العراقي الجديد,فتحولت إلى شرارة للفتنة والفساد بين الكتل السياسية المستولية على مقاليد الحكم في البلاد,
هي فقرة إدارة المال العام ,وعملية ضمان حماية موارد الدولة وثرواتها من النهب والتوزيع الكيفي,
ليس صحيحا ان نقول إن عملية سياسية حقيقية قد جرت في البلاد,فلا الانتخابات كانت حرة أو نزيهة بالكامل,فيما إذا عرفنا إن قوانين مهمة غابت عن التشريع,كانت يجب ان تتوفر وتسبق إجراء أية عملية سياسية ديمقراطية حضارية في البلاد(قانون الأحزاب-قانون تمويل الحملات الانتخابية-واعتماد الدوائر الانتخابية المتعددة للمحافظات,الخ.),بل شاهدنا إن الذين باركتهم قوات الاحتلال أو التحالف الأجنبي عام 2003 ,هم من بقوا في مقاعد البرلمان وكراسي الحكم,وهذا الأمر لايؤخذ على إنهم جميعا ليس لهم حضور في العمل السياسي الوطني ,ولكنه يبقى خارج السياقات الطبيعية…
(سواء كانوا عربا أو أكراد,سنة أو شيعة),والأسباب معروفة للشعب ,فقد امتلك المرشحين العصا الوظيفية السحرية,كلا منهم يأتي إلى محافظته وبجعبته  قائمة لعدد من الوظائف الحكومية التي يمنحها اي الوظائف  وفقا لرغبته وجماعته ومقربيه,
(وهذه سابقة خطيرة لم تعرفها الديمقراطيات العالمية الحديثة,اللهم إلا بعض الدول الشرقية الخارجة من كوارث حروب التحرير,كتجربة الجزائر في أواسط القرن الماضي,حيث عملت إلى تكريم عوائل شهداء الثورة الجزائرية ومجاهديها,لكنها لم تكن تجربة فاشلة كتلك التي مر بها العراق)
لقد تجاهل الدستور العراقي أهم فقرة كانت ترد في معظم إن لم يكن جميع الدساتير العراقية المكتوبة منذ العهد الملكي وحتى مجيء النظام الجمهوري(والذي كان يسمى حينها بالقانون الأساسي 1925, ومن ثم الدستور وصولا إلى عام 1968),
فقد كان أشبه بتقليد دستوري معتاد يمنع بموجبه المسؤولين من رئيس الحكومة ونوابه والوزراء من مزاولة مهنة حرة ,أو عملا تجاريا ,أو ماليا ,أو صناعيا ,أو أي عمل اقتصادي أخر ,أو ان يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة, أو يؤجرها أو يبيعها من أمواله(مادة 64 من القانون الأساسي في العهد الملكي-مادة 58 دستور 1964-مادة 68 دستور 1968-كتاب النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق –جامعة بغداد كلية القانون د.كطران زغير نعمة)
بينما يصيح الشيعة اليوم بعد أكثر من عقد تقريبا من الفساد المالي والإداري, والإهمال الحكومي للخدمات العامة ,وترك فقراءهم يسحقون تحت خط الفقر,وإعادة موظفي البعث السابقين إلى مواقعهم ,وإعطاءهم حقوقهم الكاملة(يعني إعطاء راتب تقاعدي لفدائي صدام ومجرمي الأمن والمخابرات وقوات الحرس الخاص من الأجهزة القمعية المنحلة,وإبعاد حقوق المجاهدين والمناضلين والمهاجرين ,وضحايا النظام البائد من الاعتبارات الحكومية,دون ان تكون لهم أية أولويات أو اهتمامات وطنية رسمية واضحة ,تنصفهم وتعيد إليهم شيئا من كرامة السنين العجاف, التي أهدرها وداس عليها طاغية العراق  وحزبه الفاشي, وتعاون عليهم الزمن العربي الأغبر,يصيح الناس بعد اليأس من التغيير …لا يصلح حالنا إلا خروج الحجة المنتظر عج…
ونرى بعض سياسي السنة العرب ,والمنتفعين ماديا من افتعال الأزمات سائرين خلف الأجندات الطائفية الخارجية,يلتف حولهم بعض من أبناء تلك المناطق ممن لديهم مطالب وحقوق مهدورة ,يبدوا إنها لاتختلف كثيرا عن مطالب بقية المواطنين في المحافظات الأخرى(عدا الصوت والمطالب الطائفية  البعثية المرفوضة من الأغلبية السنية والشيعية),
لأنهم لم يروا أية هيبة لدولة المحاصصة والتوزيع الحكومي التوافقي (الشخصي -والعائلي –والفئوي) بين الكتل البرلمانية الحاكمة,فلو كانت هناك دولة الأمر الواقع,التي تهتم بمواطنيها (لا بالمسؤولين وأبناءهم وعوائلهم وحاشيتهم),وتوفر لهم احتياجاتهم الضرورية, وتؤمن وسائل الحماية والعناية بصحتهم وصحة ابناءهم,وتهتم بضمان حصولهم على لقمة عيشهم بكرامة,
لما خرج احد إلى الشارع محتجا ومعتصما ورافضا لهذا الواقع البائس, واقفا كل تلك الفترة  تحت مظلة الظروف الجوية القاسية من برد ومطر أو حر ,ومواجهة مخاطر أخرى
(سواء دفع لهم أموال أم لم  يدفع احد,فالوضع العراقي مأساوي وشبه منهار,وهناك مطالب جماهيرية عراقية عامة يجب ان تتحقق )
هناك خطوات كبيرة تستحق التغيير والعلاج الفوري,لا ان ننتظر كما انتظر بشار الأسد ,انتظر حتى تحترق الشام ومدنها وقراها ,حتى أركعته القناعة الواقعية,فوصل إليها متأخرا داعيا المعارضة إلى الاجتماع به والاعتراف بشرعيتهم) ,
أو نفعل كما فعل رئيس مصر الجديد مرسي الذي خرب بلاد النيل ,وجعلها دولة معطلة بدستور أخواني مفخخ,على غرار دستورنا, الذي تحتاج كل مادة فيه إلى تعريف أخر غير الذي صوتنا عليه,سائرة مواده رواحا ومجيئا إلى المحكمة الاتحادية تبحث عن شرعية(مع إن كاتبيه هم من يختلف على تفسيره)
لو كان الدستور العراقي دستورا عصريا متينا لما سمح للانهيارات والاحتجاجات والاعتراضات الجماهيرية ان تصيبه في الصميم,
فنرى  الناس ونسمع أيضا ألأصوات المطالبة بإسقاطه ,وإعادة العملية السياسية إلى الوراء,مع إننا لانؤمن بهذا الطرح,
ولكن الحقائق يجب ان تقال في هذا المجال,إن دستورنا ضعيف ولا يتحمل أعباء الاختراقات والهجمات الموجهة إليه ,
وبالفعل نحن بحاجة إلى لجنة سياسية وطنية منتخبة من البرلمان والحكومة,وبعض وجهاء البلد وشخصياته الاجتماعية والأكاديمية والقانونية والدينية, لتصحيح بعض مواده  المهمة,وإعادة كتابة المواد المختلف على تفسيرها بصيغ واضحة,
نحتاج إلى حلول حكومية واقعية وقوية في نفس الوقت,كما احتاج إليها من قبل الشعب السوري والمصري وبقية الشعوب العربية ,التواقة إلى الانعتاق من عبودية الفرد أو المسؤول والحاكم,
وإلا كيف نفسر قول احد قياديي الحركة الإسلامية في العراق,وهو يصف الأشخاص المستأثرين بالحكم في بغداد المنطقة الخضراء بأنهم يمثلون الجيل الثاني من البعث ,وسيورثون لنا أجيالا أخرى من البعث في المستقبل,واصفا طبيعة إدارتهم للحكم وتعاملهم الفوقي مع المواطنين …