نصت المادة 38 من قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013 الذي كان معمولا ً به في إنتخابات مجلس نواب 2014: “تجري عملية الفرز و عد الأصوات و إنجاز الإستمارات الخاصة بها فور إنتهاء عملية الإقتراع في كل محطة من محطات الإقتراع و يزود ممثلي الكيانات السياسية بنسخة ورقية منها بعد مصادقتها من مدير المحطة الإنتخابية، و تعلق الإستمارة في مكان مخصص للإعلام في كل محطة إنتخابية و تقوم المفوضية بفتح مراكز فرز و عد فرعية لغرض إعادة العد و الفرز لجميع المحطات و مراكز الإقتراع و يزود ممثلي الكيانات السياسية بنسخ ورقية من نتائج العد و الفرز” و بناء ً على هذا النص القانوني فكل كيان سياسي يستطيع ضمان الأصوات الإنتخابية التي حصل عليها بشرط أن يؤمن ممثلين عنه في كل محطة إقتراع و مركز فرز و عد فرعي أما الكيانات السياسية التي لا تستطيع تأمين ممثلين عنها فليس لها عذر بالإدعاء بتزوير الإنتخابات فالقانون أجاز لها طريقة لضمان الأصوات التي تحصل عليها و لكنها لم تفعل، و طبعا ً هذا لا يمنع التزوير خلف الكواليس بالطرق التقليدية من قبل الكيانات المهيمنة على المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات لصالحها على حساب الكيانات الصغيرة و الناشئة و حسب إعتراف بعض السياسيين المطلعين على هذه الأمور، فالكيانات الصغيرة و الناشئة لا تمتلك الأموال اللازمة لتجنيد ممثلين عنها لمراقبة العد و الفرز و لا الناس مستعدة للتطوع لها للقيام بهذا الدور مجانا ً بينما الكيانات المهيمنة على السلطة تمتلك الأموال الطائلة تمكنها من تجنيد الممثلين عنها لمراقبة العد و الفرز و حتى شراء أصوات الناخبين البسطاء المحتاجين الذين يتوفرون بكثرة و هم يرجحون كفة من يدفع أكثر من الكيانات المشاركة في الإنتخابات. و لكن يبدو بأنه كانت هنالك نية مبيتة لتزوير إنتخابات مجلس نواب 2018 بشكل جذري كما كشفت عن ذلك الأحداث التي وقعت على الأرض و بطريقة جديدة مبتكرة تضمن نجاحها و كان السبيل إلى ذلك هو إلغاء الرقابة البصرية على العد و الفرز اليدوي و جعل العد و الفرز ألكترونيا ً ليكون بعيدا ً عن أعين ممثلي الكيانات السياسية. و لإنجاز ذلك تم إلغاء نص المادة 38 من قانون الإنتخابات أعلاه و تشريع نص جديد بدلا ً عنه بموجب التعديل الأول لقانون إنتخابات مجلس النواب “تجري عملية الفرز و العد باستخدام جهاز تسريع النتائج الألكتروني و يتم تزويد وكلاء الأحزاب السياسية بنسخة ألكترونية من إستمارات النتائج و أوراق الإقتراع في كل محطة من محطات الإقتراع”. و بهذا القانون لم يعد بإمكان وكلاء الأحزاب السياسية حتى رؤية أوراق الإقتراع و ليس فرزها و عدها يدويا ً، أما ما يسمى بالنسخة الألكترونية من إستمارات النتائج و أوراق الإقتراع التي يزود بها وكلاء الأحزاب السياسية فهذه يمكن التحكم بمحتوياتها من قبل مبرمجي أجهزة الفرز و العد عبر الإنترنت و حتى من خارج العراق و بذلك يكون التزوير يسيرا ً و مضمونا ً، و مما ساعد في تسهيل التزوير هو إلغاء فتح مراكز فرز و عد فرعية لغرض إعادة العد و الفرز لجميع المحطات و مراكز الإقتراع الذي كان معمولا ً به في إنتخابات 2014. و لزيادة التحكم بعملية التزوير و ضمان نجاحه و سرعة إنجازه كان من المفيد تقليل حجم البيانات المراد التعامل بها و ذلك بتقليل عدد المشاركين في الإنتخابات الذين يناوئون الأحزاب المهيمنة على السلطة و لذلك تم إطلاق حملة لمقاطعة الإنتخابات بحجج يقتنع بها هؤلاء المناوئون، و بالفعل أتت الحملة أوكلها حيث قاطع الإنتخابات غالبية الشعب العراقي بنسبة حوالي 80% و هي نسبة كبيرة جدا ً، و لو شارك هؤلاء المناوئون باختيار وجوه جديدة لانقلبت الطاولة على المخضرمين الذين يناوئونهم.
تزوير الإنتخابات باستخدام الأجهزة الألكترونية للفرز و العد و بالطرق التقليدية الأخرى خلف الكواليس سرعان ما إنكشف، حتى على لسان أعضاء مفوضية الإنتخابات و أحزاب ظهرت فائزة في الإنتخابات، و أصبح حديث و سخرية الشعب العراقي و العالم أجمع. و هنا إنطلقت بعض التظاهرات ضد التزوير للمطالبة باستخدام العد و الفرز اليدوي. و لتمييع هذه التظاهرات و لتمرير تزوير الإنتخابات تعالت الأصوات و الدعوات للخروج بتظاهرات للمطالبة بتوفير الخدمات و فرص العمل مستغلة لردود الفعل الشعبية الغاضبة و المستهزئة تجاه تزوير الإنتخابات و مضي الأحزاب التي ظهرت فائزة في الإنتخابات بتجاهل إتهامات التزوير لتشكيل الحكومة القادمة و نقص الكهرباء و الماء في الصيف الحار و الشعور بالحيف من قبل الطبقات المسحوقة و خاصة ً في المناطق الجنوبية، و بالفعل خرجت تظاهرات حاشدة غطت على الساحة.
و في ظل هذه التظاهرات الحاشدة تم تمرير تزوير الإنتخابات بمسرحية مكشوفة كما شهدنا أحداثها على شاشة التلفزيون، و عند إقرار نتائج الإنتخابات المزورة تم إحراق بعض مؤسسات الدولة و إتهام المتظاهرين بها مما أنهى التظاهرات و إسدال الستار على تزوير إنتخابات مجلس نواب 2018.