( 1 ) ظاهرة التقليد ‘‘ الشك فيه مشروع :
نقرأ بين الحين والاخر مقالات وحتى دراسات مطولة عن ( أزمة المثقف ) في البلدان المنتمية الى ( الشرق الاوسط ) ‘ بعضهم يكفرون المثقف في تلك البلدان و ينعتونهم بانهم اداة بيد السلطة في بلدانهم ‘ و يمدحون بعضهم الاخر بالثوار و المناضلين الابطال في التحدي للسلطات ‘ نتذكر كيف ان الرؤيا الضيقة من حكامنا في المنطقة حول الكاتب المنكر وذو القلم الهزيل سليمان رشدي الى بطل مبدع …..! اود قبل ان ادخل في صلب الموضوع ان اروي لكم ثلاثة احداث متعلقه بوضع الثقافة والمثقف في منطقتنا ‘ سنعرف بعد حين أنه لهما علاقة بحديثنا عن ( ازمة المثقف ) في بلدان الشرق .
الحدث الاول المنتشر بين الاوساط الثقافية في اقليم كوردستان العراق ‘ هو أن أحد المثقفين ( أو اراد ان يشتهر فلجأ الى القلم …!!!) حاول اكثر من مرة ان يحصل على اللجوء في احدى البلدان في الغرب ‘ ولكنه فشل في ذلك ‘ فماكان من أحد أصدقائه الا أن نصحه بكتابة موضوع ‘ يهاجم فية رسالة الدين الاسلامي …! فماكذب الخبر فراجع كل مصادر الكتب المشبوه والتي فيها إسائه الى الاسلام ولم تمضي الا ايام وطبع كتاب ضخم بعنوان ( الجنس والشرع و المرأه في تاريخ الاسلام ) وبعد انتشار الكتاب كان من الطبيعي ان يواجه تهديد من قبل الاصوليين ‘ فاخذ التهديدات كوثيقة وتمتع بعد فترة قصيره بحق اللجوء و الاقامة بل ( ويقال لايزال ) يتمتع بامتيازات لادامة ( هجومه العصري على الاسلام ) ….!!!
والحدث الثاني : ( كان لي صديق وهو قاص و مثقف نشط بين الشيوعيين بحيث اخذ إنتمائه لفكر حزبة والفكر الماركسي طابع الدروشه كاحد دراويش الطرق الصوفية ‘ و تجربة السوفيت التي كانت تصلنا عن طريق إلاعلام ..! عنده قبلة الحرية واحترام المثقف والمبدع و ….ألخ ‘ حصل له فرصة وذهب مع احد الوفود من الادباء الى عاصمة وطن الشيوعيين موسكو ‘ فلما عاد وكتب يوميات تلك السفرة ‘ سجل شهادة كان ولايزال لها معناها …! حيث قال انه أكتشف من خلال هذه الزيارة : أن سلطة الحكومة يعني سلطة القمع في كل العالم و اهم من ذلك أن الشرطة – البوليس – هم الشرطة في عاصمة الجنة ( الماركسية ) وفي عاصمتنا التعسة ….!! وكون هذه الفكرة نتيجة انه في حالة سكر شديد لجأ الى الشرطة ليساعدوه للعودة الى الفندق ‘وهو حامل قلادة ( ضيف المؤتمر الادبي على صدره ) ولكن ورغم ذلك فبدل ان يستيجبوا له أهانوه … وعندما استطاع ان يصل الى الفندق ‘ طلب من ادارة الفندق ليساعدوا في ايصال شكوى ضد الشرطة الذين اهانوه ‘ فقيل له : لاتزيد حجم الاهانة التى واجهته …..!!)
والحدث الثالث وثائقي ( إن صح التعبير ) حيث اننا كثير ما نقراء كتابات ( المناضليين من اجل حرية الكلمة ) يتهمون السلطات في الشرق ( مظلم ….!!!) بانهم يجبرون احيانا الشعراء يمدحون السلطان والسلطات باشعارهم وبعض الاحيان هناك شعراء من اجل موقع و مكافأت مادية يصبحون مداحي السلطة ويمدحون انظمة الغرب ( جنة الحرية على الارض ) حيث يعتبر هذا النوع من الكفر ….!!! يخفون الحقيقة التاريخية عن بلاطات الغرب الخالدة انه في ارقى بلاط وهو البلاط الملكي البريطاني المنصب الرسمي تحت عنوان شاعر البلاط الإنكليزي أو البريطاني، هو شاعر بلاط تعينه حكومة المملكة المتحدة. ‘ في البداية كان اللقب شاعر بلاط مملكة إنكلترا (حتى سنة 1707) ثم شاعر بلاط مملكة بريطانيا العظمى (1707–1801)، ثم شاعرالمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا (1801–1922)، ومنذ سنة 1922 شاعر بلاط المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية وللان . .
مع وجود عشرات الادله التي تؤكد ‘ رغم الكثيرمن ( السيئات ) في الوضع السياسي في عالم الشرق ‘ أن الحقيقة التي لايستطيع احد إنكارها هو أن اصل الابداع الانساني رغم كل تلك السيئات تشرق من هنا و عندما يصاب بسوء ( ونقصد هنا الابداع الانساني النابع من الروح ) تاتي تضخيم الاسائه من الغرب معتبرين نحن في الظلام وهم منار الابداع …! مخفين كل علامات سوءهم ..!!
قراءنا لاكثر العباقرة من اصحاب الاقلام الغربي الهوى مدحا يكبر من ( عظمة الشاعر الانكليزي تي . سي أليوت ) انه كان ابدع المبدعين ولولاهو لما اشرقت شمس الابداع الحديثة في الشرق ومدحهم كان يصل لحد وصفه المدافع العنيد من اجل حرية الابداع دون ان يؤشرو ا ( بل بعضهم ينكرونه ) بأن هذا المبدع مدح ( وبالشعر ) هجمات الغرب العنصرية لقتل الناس ونهب الثروات في القارة الافريقية وبارك و بـ ( الشعر ) تاسيس دولة الفصل العنصري في جنوب افريقيا وله اكثرمن قصيدة تتخذ طابعا عنصريا وذكوريا، عن الملك بولو وملكته السوداء الضخمة …!
فطبيعي سجل التاريخ هنا ايضا هذه النماذج وكان لكل شيء لابد من سبب …!!! في قراءه لسيرة فطالح الثقافة والابداع في منطقتنا ‘ لايفاجأ احد بأن اكثريتهم كانوا على وفاق مع ( السلطان ) في بلدانهم ‘ وغنوا للملوك والروؤساء و الائمة و كبارات اهل الملك والمال و ……ألخ ولا احد يستغرب ان يرى في تسلسل هؤلاء الفطاحل اسماء الجواهري وشوقي و نزار قباني و …ألخ ‘ غنى اكثر من 80 % من شعراء العراق منذ نهاية سبعينات القرن الماضي لرئيسهم الراحل صدام حسين و ليس القليلين منهم من ينكر هذا دون خجل من التأريخ وارضاء السلاطين الجدد ألا النادرين منهم …….
( 2 ) محاوله كشف الحقيقة :
عند الحديث عن حقيقة وضع المثقف في بيئة الشرق و ( الاوسط ) تحديداً ‘ لابد ان نؤشر على الحرية ‘ وهل ( متوفره …!!! ) للمثقف وهل هذه الفئة من مجتمعنا كسب حريته بحيث يستطيع فرض قدرته على الاخرين ( وهنا وفي الشرق أعني – بالاخرين – السلطة ) ‘ بمعنى : هل السلطات المتنفذه هنا ‘ يحسب حساب التأثير على المثقف ومكانته ؟ ‘ لكي بالنتيجه تحدد ( أي السلطة ) نوع التعامل مع هذه الشريحة المهمة في المجتمع …أو أن يضعهم في موقع يستطيع فرض مايريد ( كفئة مثقفة ) على السلطة ؟
أكثر المواضيع او الاحاديث حول هذا الموضوع ‘ كانه يبرر ضعف دور المثقف ‘و يركز على غياب الحرية مما ادى الى ان يكون دور المثقف أن لم يكون معدوما في التاثير يكون هامشيا ، لأن ثقافة السلطة هي السائدة ، وثقافة السلطة هذه ليست فقط الثقافة الرسمية ، بل الثقافة الخاصة التي يمارسها ألافراد والمثقفون ، والذين يعملون بشروط السلطة ، ولكن ‘ نرى نادرا ما يؤشرون في الحديث عن هذه الظاهره الى ( خضوع الجمعي إن صح التعبير ) للمثقف الى توجهات السلطة ‘ ومن هنا ياتي انعدام الحرية المطلوبة التي تؤدي الى ازدهار الثقافة ( وبالتالي تؤدي الى زيادة الابداع التي ينتج مجتمعا واعيا )
هناك في منطقتنا ‘ أسوء ظاهرة ‘ وتحت حكم عناوين مختلفه ( يسار ‘ يمين ‘ رجعي ‘ تقدمي …ألخ ) وهي ظاهرة تبعية اختيارية للمثقف لان يكون مع السلطة بكامل إرادته .
ولكن يحصل أحياناً من منطلق ألاختيار ( أضعف الايمان ) يختار بعض الانتهازين منهم ‘ مصطلح حيادي و( انا بعيد عن السياسة – وهذه الظاهرة منتشره بين المثقف الغربي الهوى و الاكثر من الوطني الهوى يقضي حياته الثقافية بالازدواجية لايفيد غير نفسه كنتيجة ‘ بذلك هو أيضاَ امتداد لحال التبعية ولكن بصورة غير مباشره ) .
( 3 ) ظاهرة الازدواجية القاتلة
قرأنا كثيرا من التحليلات و إطلاق ( مصطلحات ضخمة ‘ بعضها مفبرك وبعضها مستورد ) عند الحديث عن ( أزمة المثقف ) في الشرق عموما و جزئها ( الاوسطي …! ) خصوصا ‘ وكثير من هذه التحليلات ‘ كتب ليؤكد في النهاية ( أن المثقف المنتمي للشعب والاخرين من تبعية السلطة …!!!) و عندما تتابع سيرته ‘ تكشف انه ‘ هو في بلده يحافظ على نفسه تحت معطف احد مثقفي السلطة سواء رغبة منهم ، أو باضطرار وتحت دوافع مختلفة !.
صفة الازدواجية التي اطلقها الراحل ( علي الوردي ) على المجتمع العراقي ‘ تظهر باقصى قوتها في موقف و تصرف و كتابات نسبة كبيره من مثقفي بلدان الشرق الاوسطية الا نادرا منهم ‘ و بقدر مسؤولية ( الحكام ) في بؤس كل مظاهر الحياة من التخلف والاستبداد و المظاهر القبليه و الطائفيه و ظاهرة التعاون مع القوى الخارجية المهيمنه ‘ فأن مسؤولية الفئة المسمى بالمثقف في تلك البلدان إن لم يكن متساوية ولكن متقاربة وداعمة لكل تلك الصفات السلبية في الحاكم .
ولكي لانظلم بشكل مطلق العناوين على ظاهرة ( أزمة المثقف ) ‘ من خلال اتهامهم بالخضوع للحكام في كل الاحداث ‘ ولان الوسط الثقافي في بلدان هذه المنطقة ‘ هم جزء من النظام العام لتلك البلدان ‘ رغم ان مسيرتهم ومنذ تنفيذ مخطط التقسيم من اجل تشرذم الاهل وارض المنطقة ‘ عندما نراجع مسيرة الاحداث منذ تلك المرحلة ‘ فأن هناك انعطافات سجل فيها مواقف مشرقة ومشرفة للوسط الثقافي يتقاطع كليا مع مواقف وتصرفات الحكام والمتجهه لصالح مصير الارض والناس في المنطقة عندما ظهرت في هذه الانعطافات الاستسلام الكامل من الحكام لارادات خارج الارادة الوطنية .
ولكن العلة الحقيقية في ازمة المثقف في المنطقة ‘ هو اصابتهم بالازدواجية بين هوى الغرب المسمى باللبرالية و بين اصالة انتمائهم للارض والبيئة الشعبية بين اهلهم ‘ وهي ظاهرة يتهرب البعض الحديث عنها عند طرح مايسمى بـ ( ازمة المثقف في بلدان الشرق ) ويقعون في هذا الحديث في دائرة الازدواجية بين الموقف المؤثر نحو التغيير والمعالجة او البقاء في خدمة خطاب الوحيد لرؤية السلطة مما يؤدي مع الاسف بين فئة الناس المعتمد على دور المثقف ان يصاب بخيبة امل وهو اسوأ ما ينتجهه الوسط الثقافي لاهلهم ‘ وهذه النتيجة تعتبر خط مهم وخطير في ممارسة عمل المثقف تحت عنوان التوعيه ولكن النتيجة تؤدي الى احباط الامل و الغاء التوجه الى الحرية التي يجب ان تؤدي الى معنى المسؤولية بين اكثرية المجتمع وهي التوعية التي ينمو الامل بين كل فيئاتهم .
عندما يختار المثقف في هذه المنطقة التورط في نهج ترويج الامل الواهم كما ترغب السلطات السائده في بلدانهم من جانب ‘ و دغدة عواطفهم في انتاجاتهم ( الابداعية ) بموجات اللبرالية الغربية المنقوله لمجتمعهم في ممارسات الحياة اليومية والذي سماه احدهم بـ ( مرض الغرب ) يلحون على انتشاره فقط لاثارة عواطف الناس وليس الى عقولهم وبوعي .
وفي الختام ‘ دائماً استغرب من ظاهرة العشق ( زيف ونفاق ) يعبر عنه بعض ( الناشطين في دنيا الكلمة بيننا ) لكل سوء الغرب و يطرحونه كجمال وابداع ويستفز المقدسات حتى انتمائهم الشخصي .. فقط من اجل أن يؤشروا لهم بعنوان ( المثقف ) وهم يعلمون أن اغلى المقدسات الانسانية ‘ والله ان الحكمه القائلة : ( من اشترى مالايحتاج اليه ‘‘ باع ما يحتاج اليه …) فقط يطبق على وصف هؤلاء ( الاغبياء ) ….!!!!!