كلنا نردد عبارة “الشيطان يكمن بالتفاصيل” بمناسبة وبلا مناسبة. ولان الشيطان عدو ابدي للانسان فانه كثيرا ما يحلو لبني البشر تعليق فشلهم هنا وهناك على مشجب الشيطان. لو طبقنا هذه المقولة على السياسة فربما لانجد مثل هذه المقولة صائبة تماما. ليست لدي احصائية عن عدد الاتفاقيات التي وقعت في التاريخ. لكنها بالتاكيد الاف الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات بين دول وجهات ومؤسسات ومنظمات وقوى واحزاب من بينها عدد لا يستهان به تم التوقيع عليها في القرن العشرين مثل اتفاقيات سيفر ولوزان وسايكس ـ بيكو ويالطا وجنيف الاولى والثانية والثالثة وسالت 1 وسالت 2 وكلها غيرت وجه التاريخ .
ما اريد قوله هنا ان كل هذه الاتفاقيات جرى الالتزام بها بين الموقعين دون ان يكون للشيطان اية صلة باي منها. والسؤال هو الم تكن في هذه الاتفاقيات تفاصيل لكي يتسلل اليها الشيطان؟ اكيد هناك تفاصيل ولكن لماذا لم يخربها الشيطان مثلما خرب ويخرب ولسوف يستمر بتخريب كل اتفاقياتنا من اربيل حتى الموازنة المالية. لو احصينا عدد الاتفاقيات التي جرى ابرامها بين القوى السياسية منذ عام 2003 وحتى اليوم لوجدناها بالعشرات وفي مختلف الميادين والمجالات. وعندما نبحث عن اية اتفاقية منها كان قد جرى احترامها اوالالتزام بها لما وجدنا اية واحدة منها.
فكل هذه الاتفاقيات اما يتم التنصل منها بطريقة او باخرى او تخضع لتفسيرات مختلفة من قبل هذا الطرف او ذاك او يتم تخطيها بسبب حصول ازمة جديدة تستدعي الاتفاق على اتفاقية جديدة لا لشئ الا من اجل عبور الازمة باقل الخسائر بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن. ولان الاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها بين الكتل والزعامات السياسية في بلادنا كثيرة طوال السنوات العشر المنصرمة فان اتفاقية اربيل لعام 2010 تكاد تكون الابرز فيها.
فتلك الاتفاقية هي التي تشكلت الحكومة الحالية بموجبها وقد اطلق عليها حكومة “الشراكة الوطنية ” بعد ان كانت الحكومة الاولى وكلاهما برئاسة السيد نوري المالكي قد سميت حكومة ” الوحدة الوطنية”. ولكن بالمحصلة النهائية لا الشراكة الوطنية تحققت بالطريقة التي تم الاتفاق بموجبها بين الشركاء بينما الوحدة الوطنية مهددة اليوم اكثر من اي وقت مضى والاسباب معروفة. وحين نسال اي طرف او كتلة او زعيم سياسي عن السبب فانه اما يرمي الكرة في ملعب الخصوم الشركاء مرة او الشركاء الخصوم مرة اخرى او الاخوة الاعداء في كل المرات او انه ـ اذا كان من حسني الظن والنية ـ يرمي الكرة في ملعب الشيطان بوصفه مولعا بالدخول بالتفاصيل. وسؤالي لماذا يحلو للشيطان الدخول في تفاصيل اتفاقياتنا نحن فقط بينما لا علاقة له باتفاقيات سيفر ولوزان ويالطا وسالت مع ان كل واحدة منها فيها من التفاصيل بل وحتى الملاحق السرية ما يشيب لها راس الولدان؟ انها دعوة بريئة لانصاف الشيطان .. الرجيم.