لو كان ما حدث في جلسة مجلس النواب العراقي المكرسة لانتخاب رئيس له قد حدث في (دولة حديثة) بالمعنى الصحيح لهذا المصطلح، لهاج الرأي العام وماج الإعلام داخلها وخارجها دون أن تنتهي فضيحة المجلس – جريمة المجلس بتعبير أدق – إلا بتحقيق واسع وتهم وتحقيق ومحاكمات وإعفاءات واستقالات واعتذارات للشعب صاحب المصلحة والقول الفصل في اختيار ممثليه.
قبل جلسة انتخاب الرئيس بدأ كشف خطط الإتفاقات ولقاءات الكواليس والعرض والطلب في سوق بيع وشراء المواقع، وفِي الجلسة نضجت الثمار المحرمة للقاءات الظلام وصفقات المال الحرام، وبلغ كشف الجريمة وفاعليها والشركاء فيها في قاعة المجلس حد فضح إحدى النائبات دور نائب قام بدور السمسار لإتمام الصفقة بصلافة بلغت حد تصوير بطاقات الترشيح للتثبت من أن كل من باع صوته قد وفى بالوعد ولم يُبَدِّل تبديلا!.
ما يثير العجب والفزع أن كل شئ مضى بعد ذلك عادياً وبدأ أعضاء المجلس (الموقّرون) عملهم النيابي تحت رئاسة من رست عليه مزايدة البيع!.
ولا يحتاج المرء إلى عميق اجتهاد للقول بأن مجلساً كهذا قد فقد الشرعية حين سمّي رئيسه عن طريق رشوة الأعضاء، وبالتالي يكون ما يصدر عنه باطلاً غير شرعي.
في ظل هذا الواقع لا يملك المرء نفسه من الإستغراب المرير لسكوت كل النواب على هذا الوضع الشاذ المرفوض والمخزي. فإذا كان بين النواب من شارك في جريمة بيع كرسي رئاسة المجلس، ألا يوجد بينهم – عدا تلك النائبة – من يرفع الصوت عالياً للطعن بشرعية تشكيل المجلس وانتقاده بهذا التشكيل؟. أليس بينهم من يشعر بوخز الضمير وهو يتذكر الناخبين الذين منحوه الثقة وحمّلوه الأمانة ؟.
العجيب أن (رئيس المجلس) احتج على رئيس الوزراء حين طالب الأخير بالتحقيق فيما جرى، متعللاً بمبدأ الفصل بين السلطات، هذا المبدأ الذي نريد له أن يحترم حين نكون أمام (سلطات) قائمة على أساس الدستور والسلامة الإجرائية القانونية والأخلاقية.
ماذا تنتظر يا شعبي المغلوب على أمرك من مجلس كهذا؟!.
أي فساد بعد هذا سيبدو مستغرباً وغير متوقع فيك يا عراق؟!.