بعد أيام قليلة سيتنفس العراقيون من جديد عبق الحرية والديمقراطية عبر نافذة الانتخابات ، حيث ستحمل معها رياح التغيير الدافئة في واقعنا عبر صناديق الاقتراع ، تقدم قوى سياسية وتأخر أخرى، وحركة دولاب العملية السياسية في العراق حركة صحية لأن هذا هو ديدن الديمقراطية وسمتها البارزة.
غير إن الطريق الذي ستسلكه القوى السياسية إلى صناديق الاقتراع لن يكون سهلاً وديمقراطي ،بل سيكون صراع من أجل البقاء ،ووعراً وحافلاً بمطبات الحاجة إلى إثبات الوجود على الخارطة السياسية وفي القاعدة الشعبية ،من خلال توفير عناصر المقدرة على الانجاز في ظل مناخ سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي ملبد بالأزمات والمحن من سوء للخدمات وانتشار البطاله ، والفساد الذي اصبح ظاهرة بين مؤسسات الدولة ، خاصة بعد تراجع حيز التأييد الشعبي الذي تولد عن تلاشي المصداقية بقدرة تلك القوى على الإيفاء بالتزاماتها ووعودها التي أغرقت بها ناخبيها في الانتخابات السابقة ، وفي ذلك دليل على زيف تلك البرامج أو عجز تلك القوى عن ترجمتها إلى واقع تحت وطأة الجمود الذي يمسك بحبائل العملية السياسية وانغماس أطرافها في مستنقع المصالح الذاتية بعيداً عن هموم المواطن ومصالحه .
وما تبقى من أثارات ستشهدها المرحلة الانتخابية القادمة، فسيأتي من طبيعة وسياق المنافسة الانتخابية بين الكتل والكيانات المشاركة وطبيعة البرامج الانتخابية ، والذي يخضع بأي حال من الأحوال للقانون الانتخابي الحالي لاسيما بعد اعتماد نظام القائمة المفتوحة والدوائر الانتخابية المتعددة، وخوض القوى السياسية ذاتها وزينتها الوعود والبرامج الانتخابية ذاتها.
ينبغي على القوى السياسية التي ستشارك في الانتخابات القادمة أن تعيد مراجعة قائمة حساباتها بصورة كلية ، وتبدأ بمراجعة المناهج التي أطلقتها وتبني برنامج مواطني يحاكي الواقع المر له ، وفقاً لرؤى ومواصفات تنسجم مع طبيعة التغيير في البيئة الديمقراطي والمزاج الشعبي العام المحيط بهذه الانتخابات.
وأول ما يرد في تلك القائمة هو ضرورة العمل على تكريس المشتركات الوطنية تحت مظلة العمل المخلص والجاد لمصلحة العراق الواحد وتقديم خدمة المواطن على المصالح الذاتية والبدء بأعمار محافظتي والانطلاق نحو المحافظات الآخرى وفق نظام تنافسي ، والغاية من ذلك ليس النهوض بالواقع الخدمي ، وتغيير الولقع المؤلم الذي تعيشه محافظات العراق كافة ، وامتصاص النقمة الشعبية عن إرهاصات المرحلة السابقة التي شهدت اقتران الطرح الطائفي والقومي للكتل المتنافسة بالجمود والعجز الذين أصابا الجهاز الحكومي من جرّاء تكريس تلك النزاعات وتغليبها على مفردات ومتطلبات العمل الجماعي.
كما أن هناك بند ثان يستوجب ابتعاد الكتل المتنافسة عن استحضار الجوانب الخلافية في برامجها الانتخابية لأنها كانت المسؤولة عن إصابة العملية السياسية السابقة بالعقم، وكانت أرض رخوة تنفذ منها سهام التفرق والتشظي والاستياء الشعبي، وتتسلل عبرها المصالح الخارجية إلى قلب العملية السياسية الذي أصيب من جراء ذلك كله بفقدان الثقة والتعاون بين شركاء العمل والوطن الواحد.