قبل عشر سنوات كانت الاحزاب الشيعية تستند قوتها وعزيمتها من الثقل السياسي الكوردي في كيفية مواجهة التيارات المضادة على وجودها السياسي الذي هيئها الظروف المحيطة بطبيعة الانقلاب الامريكي على طائفة السنة الذين احتكروا السلطة في العراق منذ قيام الدولة العراقية في بدايات القرن الماضي ، والذي اصبحت طائفة الشيعة بموجبه رقما من الارقام المنسية في المعادلة السياسية العراقية ، حتى غدت الشيعة ومذهبها في عيون الانظمة الحاكمة جزء من المؤامرة على النظام السياسي ،بل وأصبحت المرجعية الدينية في النجف الاشرف من خلال مفهومية تلك الانظمة معقلا من معاقل الخطورة القصوى التي تجند المعارضين للنظام ، و التي أجازت محاربتهم بكل الطرق والوسائل ، للحد من ابراز دورهم كطيف من الاطياف العراقية ، كان دوره في مجريات الاحداث العراقية لا يقتصر على ممارسة الطقوس والمراسيم المذهبية ، بل تعداها لتشمل مساهماته الجادة في اشعال روح المقاومة الباسلة ضد الاستعمار البريطاني ابان ثورة العشرين التي عمقت روح الوحدة الوطنية باتجاه المزيد من التلاحم الوطني والانساني ، واليوم حين نقارن طبيعة علاقات الاحزاب الشيعية بالكورد في السنوات الاولى لسقوط النظام مع ما آلت اليها تلك العلاقات للسنوات الاخيرة نجد ان الشيعة بكل احزابها وكتلها السياسية قد أدركت نفسها ، وهي تتخطى حاجز الخوف على وجودها بعد أن أحكمت سيطرتها على مقاليد الحكم ، واصبحت ذات ثقل ونفوذ سياسي وعسكري تمكنها من فرض نفسها كقوة تمثل الاغلبية داخل الحكومة والبرلمان مستهينة بذلك بالدور الكوردي كطرف شريك في العملية السياسية ، ومن يرجع الى طبيعة التصريحات لقادة الشيعة بهذا الخصوص يدرك على الفور حجم المراوغة السياسية والمماطلة التي مارستها تلك الاحزاب لضمان وكسب الوقت للوقوف لاحقا بوجه الاستحقاقات الدستورية والقانونية للكورد ، بدأ بالمادة (140) مرورا بالقرارات الصادرة لمجلس قيادة الثورة المنحل التي لا تزال وزارات عدة تعمل بموجبها وانتهاء بقانون الموازنة العامة التي استطاعت ائتلاف دولة القانون من توحيد الشيعة داخل البرلمان ، ومن ثم التاثير على بعض من المنشقين في القائمة العراقية ، وشراء ذممهم لتمرير هذا القانون بهدف الحصول على أغلبية الاصوات بمعزل عن نواب قائمة التحالف الكوردستاني دون الرجوع الى مبدأ التوافق الذي كان ساريا طيلة السنوات الماضية بشأن هذا القانون ، بل ودون الاعتماد على اللوائح المقدمة بخصوص كلف الانتاج وحجم المستحقات للشركات النفطية العاملة في كوردستان ، وهذا يعني ان الاحزاب الشيعية التي ادعت حرصها على العلاقات الاستراتيجية مع الكورد كانت تؤدي دورا مدروسا يخفي الباطن ما هو متفق عليه ، ويظللون الكورد على طريقة (بالوجه مرايا وبالكفه سلايا) ضاربين بعرض الحائط كل التحالفات والاتفاقيات التي أبرموها مع الكورد ايام كانت حاجتهم لها التي كانت أكثر من ضرورية ، متناسين الثقل الكوردي السياسي داخل العملية السياسية الذي لولاه لما رأت الحكومة الحالية النور، وما استطاعت ائتلاف دولة القانون ان يتسلم رئيسها منصب رئيس مجلس الوزراء من خلال اتفاقية اربيل التي وضعت حدا على مبدأ التوافق السياسي للخلافات الشيعية الشيعية من جهة وخلافات دولة القانون مع قائمة العراقية من جهة أخرى ، بل كان ذلك عملية انقاذ سياسي لحالة التشرذم التي كانت تعاني منها العملية السياسية الذي رسم خيوطها الكورد بعقلية حريصة على وحدة العراق بعيدا عن التدخلات الاقليمية والدولية.. لذلك فان المخاوف من ان تمارس الاحزاب الشيعية المتنفذة ضغوطاتها المتواصلة على حكومة اقليم كوردستان تبقى واردة في ظل العقلية السياسية التي يدير بها حكومة المالكي ذات الاغلبية الشيعية البلاد ، التي تنكرت لمبدأ الشراكة الوطنية في ادارتها للبلاد ، وتنتهج لنفسها اسلوبا مغايرا لكل ما تم الاتفاق عليها عند توقيع اتفاقية اربيل ، التي هيأت اجواءها و ساهمت في انجاحها حكومة اقليم كوردستان ايمانا منها بضرورة تضافر الجهود لضمان ديمومة الحوارات السياسية بين كل الاطراف لمعالجة الخلافات وتجاوزها على اسس ومبادئ الشراكة الوطنية ..ومن هنا يبدو ان المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في المناطق الغربية من البلاد قد دفعت بتلك الاحزاب الشيعية ان تعيد النظر في علاقاتها مع الكورد على اساس مذهبي وهي العقدة المستديمة التي تعاني منها الشيعة منذ عدة قرون ، وهم يتجنون الاحتكاك بالمذاهب الدينية الاخرى على اسس العقائدية التي كانت ولا يزال سببا من اكثر الاسباب شيوعا التي خلقت من الثغرات الخلافية بين المسلمين ..
ولهذا نجد ان ائتلاف دولة القانون التي تمثل غالبية الاطراف الشيعية في العراق تتبنى سياسة التعامل بالحذر الشديد مع شركائها السنة في العملية السياسية ، حتى غدت مسالة عدم التوافق مع السنة واضحة وملموسة مع كل من يتعارض مع هذه السياسة ، وعديدة هي المرات التي لا يستثنى هؤلاء المعارضين من تهم الارهاب والتشهير بسمعتهم السياسية ، وكثيرة هي الشخصيات السياسية التي وجدت نفسها وقد اصبحت لقمة سائغة تلتهمها الافواه الموالية لهذه السياسة ، وفيما يتعلق بالكورد نجد ان محاولات دولة القانون بتعميق خلافاتها سارية على قدم وساق لتضيق الخناق على دوره المشهود ، و تقليل من شأنه السياسي على غرار ما اصاب عرب السنة من اقصاء وتهميش والغاء لدوره في العملية السياسية .. لتكون الساحة السياسية مفتوحة ومهيئة امام بناء سلطة الطرف الواحد التي تسعى لها دولة القانون منذ تولي نوري المالكي لرئاسة مجلس الوزراء ..
وهذا يعني ان الكورد امام امتحان صعب واختيارات اصعب لاتخاذ موقف من الاحزاب الشيعية التي تجامل المالكي على حساب الاستحقاقات الكوردية بعد ان كشف تمرير قلنون الموازنة بدون حضور نواب قائمته في البرلمان حجم اللعبة التي تلعبها دولة القانون والاطراف الشيعية بتوجيه مباشر من نوري المالكي لتقويم فشلهم في تسير امور البلاد باتجاه ما يعزز من هيبة الدولة وسمعتها التي انهكتها الخروقات الامنية المستمرة ولا يدفع ضريبتها سوى المواطن العراقي ، وعجزوا تماما في بسط سلطة القانون على كل مؤسسات الدولة وانصرفوا صوب مصالحهم الخاصة وعن اداءهم المهام والواجبات وصوب شراء الذمم والضمائر التي مكنتهم من فرصة الانتعاش التي وفرته غياب المسالة والرقابة ، لذلك فان الخروج من أجواء هذه الفوضى السياسية لا يتحمل وزرها الكورد لوحدهم ، بل على كل الاطراف السياسية المشاركة ، والمتضررة من التنكر لشراكتهم وتهميشهم على اسس العقيدة المذهبية ، بما في ذلك بعض الكيانات والكتل السياسية الشيعية التي لا تؤيد طبيعة النهج السياسي للأحزاب الشيعية المستفيدة من موالاتها للمالكي ، والعمل على توحيد خطاب سياسي ينقذ البلاد من حمامات الدم التي تشهدها المدن العراقية في ظل غياب التلكؤ الواضح لعمل الاجهزة الامنية في بغداد تحديدا بسبب تعدد ولاءاتها للأحزاب السياسية ذات النفوذ القوية التي شلت من المهنية المسلكية ، التي من المفترض منها ان تكون فوق كل الاجتهادات التي لا تصب في مصلحة العراق العليا ..
ومن هنا فان سلطة الحزب الواحد والفئة الواحدة هي التي جلبت الكوارث على العراق ، بل وهي التي ستكون سببا في أهمية المطالبة بالأقاليم التي سيجنب العراق من هول الفتن الطائفية واثارها على المواطن العراقي الذي انهكته الفتاوي الدينية من جهة والشعارات الوطنية المزيفة التي يرفعها البعض لذر الغبار عن العيون من جهة اخرى ، خصوصا ان التجارة من هذا النوع لا تحتاج الى رؤوس اموال بالعملة الاجنبية بقدر ما هي بحاجة الى فن التضليل والاحتيال والضحك على الذقون ، وهذا يعني ان المشروع التخريبي للعراق سيبقى قائما ما دام المنهمكون على بناء الدكتاتورية ماضون في خططها وبرامجها دون ان يهتز ضمائرهم على حجم الدماء الزكية الطاهرة التي تسيل كل يوم كثمن مدفوع سلفا لهذا المشروع المخيف ، وما دامت المسميات المذهبية تحتل صدارة المشهد السياسي ، والتي تتحمل وزر الانتهاكات المستمرة بحق الانسان العراقي الذي لم يجد منها سوى الويلات والخراب طيلة عشر السنوات الماضية ..
ولهذا نعتقد جازمين ان الوضع العراقي بحلجة الى حلحلة ، فالأحزاب الشيعية مدعوة الى ابداء المرونة السياسية بالاستناد الى الاغلبية التي يتمتع بها لتكون صاحبة الخطوة باتجاه درء الصدع بين الاطراف السياسية المشاركة لها في العملية السياسية ، والناجم عن سوء تقديرات ائتلاف دولة القانون ذات الاغلبية في الحكومة والبرلمان ،وسوء تعاملها مع الاحداث وتداعياتها على الوضع الراهن ، وعلى السنة واحزابها السياسية الذين قاطعوا العملية السياسية بملء ارادتهم ، وعادوا اليها ان يدركوا حجم الاخطاء التي التي يرتكبها البعض من المحسوبين عليها من على المنابر الخطابية التي يؤججون بها الاوضاع نحو المزيد من الاحتقان الطائفي ، سيؤدي في نهاية المطاف الى ضياع وطن انتزعناه قبل عشر سنوات من بين مخالب الاشرار ….