شئنا أم ابينا، وبغض النظر عن إمكانية او عدم إمكانية استغلال قوة المنصب وحساسيته واهمية الدور الذي يلعبه في العملية السياسية برمتها، إختيار شاب ثلاثيني على رأس السلطة التشريعية أمر غير مسبوق في الجمهورية العراقية الثانية، وان يتفوق بالتالي على “شيوخ” السياسة ودهاقنة إدارة المصالح وأمراء الصراع المرير، مسألة مُلفتة للنظر تستلزم، بتجرد، عدم الإستهانة بها.
لا شك ان قوة رئيس البرلمان تأتي من حقيقية التمثيل النيابي تحت قبة البرلمان. عندما يأتي رئيس البرلمان ممثلا عن أكثريته الحزبية الملتزمة بمنهج واحد وهدف واحد يستطيع تشكيل الحكومة التي تعبر عن رؤية حزبه لحركة الدولة والمجتمع وتمرير القوانين التي تساعده على تطبيق برنامجه السياسي وتحقيق أهدافه وضبط مؤسسات الدولة وتسخيرها لذلك. للأسف لا يتوفر هذا للسيد الحلبوسي ولا كان سيتوفر لمنافسيه.
الأكثرية النيابية إذن هي القوة الحاكمة والأداة الحاسمة في تحديد مسار السلطة التشريعية وليس رئيسها، وهي صاحبة الفضل والقرار في تبوئه المنصب واستمراره فيه ولا يمكنه الا ان يتوافق مع سياستها وليس سياسته ويراعي مصالحها وليس مصالحه ويحقق أهدافها وليس أهدافه والا نحته بسهوله واستبدلته بآخر.
خير مثال عَلَى ذلك قانون هيأة الحشد الشعبي. من المعروف ان احد شروط او متطلبات تشكيل حكومة العبادي كان انشاء ما سمي حينذاك “الحرس الوطني” بهدف المساهمة الفعالة، كما قيل، في مواجهة خطر الإرهاب وحفظ الأمن بالمحافظات غير المنتظمة في إقليم، من خلال تشكيل قوات أمنية من أبناء تلك المحافظات تكون جزءا من القوات المسلحة وتعالج غياب توازن القوة بين الطوائف، الا ان المشروع، بعد تشكيل الحكومة تعرض لهجمة شرسة حتى عده البعض قنبلة نووية وهددت الفصائل المنضوية تحت لافتة الحشد الشعبي، قبل سن قانونه، باللجوء إلى القوة في حالة اعتماد مشروع قانون الحرس الوطني فما كان من مجلس النواب الا ان يسحب مشروع القانون ويعيده إلى الحكومة لتعديله، غير ان الحكومة بدلا من قانون الحرس الوطني قدمت قانون هيأة الحشد الشعبي وتم تمريره بالأغلبية دون مشاركة بقية الفرقاء.
كلنا يتذكر كيف تم عزل رئيس البرلمان، محمود المشهداني عام ٢٠٠٧ ليس بسبب خلاف سياسي او تعارض مصالح او عدم اتفاق على تشريع قانون وإنما بسبب ما قيل ان حراسه أهانوا احد أعضاء البرلمان من الأكثرية التي اوصلته الى المنصب، علما ان الوضع منتصف عام ٢٠٠٧، عند عزل المشهداني كان مأساويا وادعى الى التآلف ونبذ الخلافات وكانت حوادث العنف بين تخريب متعمد لدور العبادة ومقرات الأحزاب وتشريد العائلات والتهديد بالقتل والعمليات الانتحارية والهجمات المسلحة على أشدها، الا ان كل ذلك لم يمنع الأغلبية من طرد الرئيس نصرة لأحد أعضائها دون الإكتراث بالوضع العام للبلد. كان ذلك دليلا على تهافت المنصب الذي يأمنه لك خصومك السياسيين، بل قيل حينها ان المشهداني نفسه وصف البرلمان الذي يترأسه بأنه تافه ونصف أعضائه عملاء.
يعرف السادة الذين يطمحون في المنصب ويسعون اليه ذلك بالتأكيد، ويدركون ان لا مجال للخروج من عباءة الأغلبية النيابية وأن عليهم ان يضعوا برامج احزابهم وتطلعات جماهيرهم في ادراج مكاتبهم، او على الأقل يلبون الحد الأدنى الممكن الذي لا يتعارض مع رؤية الأغلبية، فتراهم، وهم يعيشون هذا التناحر بين الهالة المحاطة بالمنصب والعجز عن توظيفه في سبيل قاعدتهم الشعبية، ينكبون على استغلال الطاقة الكامنة في المنصب لمآرب اخرى!. ولعل عملية استجواب خالد العبيدي الشهيرة امام البرلمان السابق، احد الساعين الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز بالمنصب الحالي، وطرده من وزارة الدفاع بسبب فشله في رد شبهات الفساد، قد ألقت الضوء الكافي على تلك المآرب الأخرى.
مع ذلك ظاهرة الحلبوسي تغيير شكلي بارز وجنوح خارج الروتين يمتاز بحيوية الشباب، لا يرتجى منه الكثير من التغيير في قواعد اللعبة مباشرة بين ليلة وضحاها، ولكنها ستضخ، اذا امتد التغيير الشبابي الى الحكومة، رئاسةً ووزراءاً، دماءا جديدة في عروق العملية السياسية، وستولد مظاهر، اقل ما يتوقع منها ان تكون خارج المألوف السقيم منذ ٢٠٠٣… ثم ان التبدل والتغيير سنة الحياة.