إرتفعت الأصوات وعلا ضجيجها مؤازرة لما ضجت به الصحف والمواقع الأدبية بأقلام الكُتّاب في الآونة الأخيرة حول ما يمكن تسميته بتصالح المصالح بين الشخصيات والقوى السياسية، وأكثر ما تعالى اللغط والحديث به مجالسة أمين عام حزب المشروع العربي أو كما يسميه البعض رجل الأعمال خميس الخنجر لأهم الرموز الشيعية والتي تعتبر في نظر الكثير الند الأقوى لأهل السنة، أو كما تتحدث عنها أغلب القنوات وتصفها بقادة الميليشيات، فقد نشرت مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها فيديوهات وصور للقاءات الخنجر وهادي العامري زعيم منظمة بدر والمالكي الرجل الأكثر نبذا بين مختلف مكونات وأطياف الشعب العراقي وغيرها من اللقاءات التي زادتها الإشاعات شوطا من الأكاذيب، كل تلك التفاصيل تسببت بإثارة حفيظة أهل السنة معتبرينها مساومة على دمائهم وتنازل عن مستحقاتهم.
قد يكون هذا التفكير بنظر البعض صحيحا بسبب ما صدموا به من مواقف مخزية لمن سبق من السياسيين والتخلي عن الشعارات المنمقة التي كانوا يطلقونها مطالبة بالحقوق والخدمات.
لكن من باب الإنصاف هناك ثمّة فرق جوهري بين من خاضوا السياسة على مدار عقد ونصف مضت وبين الخنجر، فالشخصيات التي مثلت السنة تحديداً جاءت من التخلي عن مبادئهم السابقة سواء كانوا مع البعث أو في مناصب أمنية حساسة مقربة من النظام السابق أو حتى شخصيات سياسية جديدة تقلبت كالحرباء في مواقفها، فهذه ميزة تعطينا عدم الاستغراب من تقلبهم وتلونهم في المواقف، وبيع مبادئهم وحقوق اهليهم.
اما بالنسبة لرجل الأعمال خميس فهذه الصفة تعطيه الحماية من الطمع الذي يسعى إليه الكثير من السياسيين الذين يتاجرون بأصوات الناخبين من خلال بيع المقاعد، فباستطاعته شراء أعلى منصب من ماله لكنه تنزه عن ذلك وفتح مجالا لغيره وخاصة من الشباب، وطوال السنين الماضية ندد وطالب بالكثير من الحقوق بغية تصحيح المسار أو كما يقول البعض أنه دفاعٌ عن أهله وهذا بحد ذاته يكفيه كشخصية تستحق الاحترام بين شريحة أبناء جلدته.
وبعد فشل الكثير من محاولاته التي جاءت خلال بعده عن حلبة المناصب البرلمانية ولم تجدِ نفعا، والتي اضطرته للتقرب والدخول إلى مسرح السياسة وهذا الدخول بحد ذاته دليلٌ على بياض ملفه من التهم الموجهة له فكانت بمثابة ردع وصفعة للمارقين على حقوق المواطن والحالمين بدوام الفتنة والفوضى كسلَّم يوصلهم لمبتغاهم في المصالح الشخصية والتي تخدم دولاً همها نهب ثروات العراق، من هنا دخل الخنجر مفترق طريق فهمه الكثير بشكل خاطيء وجاء التأويل من مجالستة لهادي العامري والمالكي الذَين يعتبرهما أبناء السنة سبباً في دمار مدنهم وتهجيرهم مما جرهم إلى اعتبار الخنجر متنازلاً عن مبادئه وبائعاً لأهله وأنه على شاكلة من قبله من الشخصيات التي انحرفت عن طريق الوطنية واسترداد الحقوق، وهذا أمر يحتاج للتأمل والتفكير الدقيقين للوصول إلى أسباب تلك اللقاءات والحورات.
فأبسط تأمل يصحح مسار النظرة لظاهر هذا المشهد الذي اشمأز منه الكثير هو الانتباه إلى ماسكي زمام الأمور، من هم؟ وما إمكانياتهم؟ ففي واقع الحال حين تجالس السارق لا يعني أنك شاركته سرقته ولا مجالسة القاتل أنك مشارك بجرمه وحتى عشائرياً يجالس المتضرر السارق عسى أن يتم التوصل إلى حل يعيد الحقوق سلماً ومجالسة القاتل أو أهله من أصحاب الشأن بغية أخذ الدية وتقويم الصلح وهو خير من إسالة دماء أخرى تجر سنيناً وعقوداً طويلة من الويلات، وظاهر ما فعله الخنجر قياساً بظاهر أعماله الإنسانية في مختلف وأهم مرافق الحياة كالتعليم والصحة والإغاثة وغيرها هو الصواب إلى الآن فهؤلاء الذين يعتبرهم العراقيون بالعموم والسنة بالخصوص قادة الإجرام بتعدد أنواعه هم أصحاب زمام الأمور فمع من يتفاوض بخصوص مهجري جرف الصخر؟ إن لم يكن مع من هجّر ومن يطلق سراح المعتقلين؟ سوى من اعتقلهم وتُفاوض مَن مِن أجل العثور على مختطفي الرزازة والثرثار ومغيبي الصقلاوية؟ أليس مع من غيبهم ؟ هنا كان لزمام الأمور الدور المهم الذي أجبر أصحاب الحقوق على مجالستهم، فعلى أقل احتمال هو إيقاف تكرار مثل هذه الحالات وهذا ظاهر ما سعى ويسعى من أجله خميس الخنجر، وإن كانت هناك نوايا غير صادقة فمن الإنصاف الانتظار حتى ظهور ملامح تدل على أنه على خطى من سبقه، وإنني والكثير نستبعد ذلك، فهذا الرجل يملك من المال والجاه والنفوذ المحلي والعالمي ما يعطيه هيبةً تفوق المناصب العراقية برمتها فلا أظن لعاقل أن يضيعها مقابل مكسب أقل بكثير مما يملك فذلك الخسران بعينه، لذا يبدو أن هناك تباشير لحسن النوايا نقف عندها ونستبشر بها حتى يحدث العكس وهو ما لانتمنى حصوله ونستبعده في الوقت نفسه.