19 ديسمبر، 2024 9:07 ص

احنه مشينه، مشينه للحرب

احنه مشينه، مشينه للحرب

وهذا مقطع من انشودة اعتادت عليها اسماعنا اثناء الحرب مع ايران ، فصرنا نرددها بمناسبة ودون مناسبة كما تعتاد أسماعنا على كذب السياسيين والمرشحين في الوقت الحالي ،فالكذاب يعتاد على الكذب، فيصبح ذلك ديدنا له، فهو لايستريح ولايطمئن الا اذا كذب، وكان المرحوم جميل صدقي الزهاوي يبلغه ان الاستاذ احمد حامد الصراف يذم شعره، فأذا لامه على ذلك انكر الصراف ماينسب اليه، فكان الزهاوي يغتاظ منه ويسميه بؤرة الكذب، وروى الصراف انه سافر بصحبة الزهاوي الى ايران، ضمن وفد للاحتفال بمرور الف عام على الفردوسي، وكان الزهاوي رئيس الوفد، والقى في الحفل قصيدة بالفارسية حازت اعجاب الحاضرين، حتى ان وزير المعارف الايراني لم يتمالك نفسه، فنهض من مكانه وتقدم الى الزهاوي فقبل يده، وعندما انفضّ الحفل التفت الزهاوي الى الصراف  وقال: ياولدي احمد ، انك قد رأيت وزير المعارف وهو يقبل يدي، فأسالك بالله لاتكذب علي اذا رويت ذلك في بغداد، هذا هو ديدن الكذب والكذابين لايتصور احد ان قدرة خارقة ستهبط على مرشحي هذه الانتخابات ليصدقوا بالوعود التي يقدمونها الى الناس، لقد اصبح الكذب سمة للسياسيين في العراق فهو ملازم لهم منذ انبثاق العملية السياسية فيه، ومن المؤكد ان الكثيرين من مرشحي هذه الانتخابات لم يخوضوا في طرق الكذب المتعددة، لكنهم ومن خلال هذه الفترة التي روجوا بها لانفسهم او لكتلهم اهتدوا وعرفوا من اين تؤكل الكتف، فصار المرشح يخرج على الناس ويعدد آلاء كتلته واسماءها الحسنى، ومن ثم يعزف على وتر فاقة الشعب وحاجته في حين ان كل شيء قابل للسقوط من المدرسة التي اصبح الطالب فيها سيد الموقف واصبح المدرس يتكفى شر اولياء الامور وجلسات الفصل العشائري، لان مايجمعه في سنوات يعطيه الى الاجاويد الذين يقاضونه عشائريا حقا او باطلا، الى المستشفى الذي صار معه الصداع مرضا مستعصيا لان مذاخر الادوية دون رقابة، الى المدن التي تبدلت معالمها فصارت تعج باللصوص والقتلة، الى الدوائر المنخورة ومافيها من فساد ومفسدين الى المرشحين انفسهم الذين أتوا ليستطيعوا اللحاق على البيت المحروق فيأخذوا منه مايأخذون.
ان الكذب مرض اجتماعي خطير، ونتيجة لخطورته اخترعت المجتمعات طرقا عديدة لمعالجته والقضاء عليه، وربما يئس البعض منها فصنع اجهزة لكشفه وفضح صاحبه، وليت شعري لو ان العراق استورد مع صناديق الاقتراع التي يعجز ان يصنعها بايدي ابنائه المقترعين بعض اجهزة كشف الكذب هذه وعرض مرشحي الكتل عليها، ربما استطعنا ان نزيح عن التجربة الآتية بعض الكذابين والافاكين، ولكن للاسف لان العراق ابتلى بهؤلاء فلامفر من مزيد من الكذب معهم، ومع هذا اي مع عدم وجود اجهزة كشف الكذب كان الاجدر بالفضائيات والصحف ان تضع فوق صورة كل مرشح عبارة بسيطة علّه حين يراها يثوب الى رشده ويترك المرض الاجتماعي الخطير، عبارة بسيطة: (لاتكن كذابا)، وهذا اضعف الايمان ولكنه ربما ينفع بعض الشيء فيثني الكثيرين عن مواصلة الطريق مع الكذب، وللأسف فان البعض يكذب ويكذب ويكذب حتى يصدقه الناس، لان الاذن عضو يعتاد الاشياء وينقلها الى الحواس الاخرى فتردده ببساطة كبيرة، ومازلت اذكر كم كنت اكره العسكرية والحرب لكنني ومن كثرة ما استمعت الى اناشيد الحرب ابان الثمانينيات صرت اردد في اوقات خلوتي في الحمام وسواه: احنه مشينه، مشينه ،  للحرب، عاشك يدافع من اجل محبوبته، محبوبته، واحنه مشينه للحرب، هذا العراقي العراقي من يحب، يفنه ولاعايل يمس محبوبته محبوبته، هذا العراقي من يحب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات