15 نوفمبر، 2024 6:27 م
Search
Close this search box.

محمود أحمد السيد.. رائد القص العراقي الذي انجذب للاشتراكية 

محمود أحمد السيد.. رائد القص العراقي الذي انجذب للاشتراكية 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمود أحمد السيد” روائي وصحفي ومترجم عراقي، اسمه “محمود أحمد السيّد آل المدرس”، يعتبر رائد الرواية العربية في العراق، وأولع بالأدب التركي الحديث فترجم إلى العربية قصص “جلال نوري” و”ضياء كوك ألب” وغيرهم وتأثر بآراء أدباء تركية المجدّدين، كانت أولى أعماله رواية قصيرة بعنوان “في سبيل الزواج” أصدرها في آذار 1921.

حياته..

ولد “محمود أحمد السيد”  في بغداد يوم 14 مارس 1903، كان أبوه مدرساً بجامع الحيدرخانة وإماماً لجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، وكان جدّه من رجال الدين أيضا، وقد درس هو في المدرسة السلطانية، وتخرّج سنة 1918 فعيّن في دائرة الري بالهندية، لكنه لم يلبث أن ترك عمله بعد أشهر وسافر إلى الهند في 1919 وأمضى فيها سنة واحدة، ثم عاد إلى بغداد في‌ يوليو 1920 وأخذ بالكتابة في جريدة (الشرق)، ثم أقبل على تحرير المقالات والقصص، ونشر كتاباته في الصحف كجريدة (العراق والعالم العربي والاستقلال ومجلة اليقين والمصباح والصحيفة والمعرض والحديث والحاصد) إلخ.

عيّن كاتبا في وزارة الداخلية في ديسمبر 1920، ونقل مديرا لتحرير لواء الديوانية في نوفمبر 1923، وعاد إلى بغداد مديرا للتحرير في أمانة العاصمة في سبتمبر 1923، وأصبح بعد ذلك سكرتيرا للبلديات في وزارة الداخلية في‌ يونيو 1931، ثم سكرتيراً لمجلس النواب في مارس 1933 حتى وفاته.

الكتابة ..

اتبع “محمود أحمد السيد” في قصصه المذهب الواقعي الذي يسلط الضوء على المجتمع العراقي في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، ذلك المجتمع الذي يمّر بطور الانتقال والتحوّل ويضيق بالتناقضات والترسبّات القديمة.

يقول “د. صبيح الجابر” في مقالة له بعنوان (محمود أحمد السيد.. بين الإبداع التجاوزي والفكر الواقعي النقدي): “إن الفن القصصي بجنسيه (القصة والرواية) بدأ في العراق بداية تجريبية متواصلة، وكفوءة على يد محمود أحمد السيد عام 1921، وعلى خلفية الحرب العالمية الأولى، ونتائجها، وبعد مضي ثلاث سنوات على إخماد نيرانها المدمرة، وكانت البداية لهذا الفن، تأريخية، وليست فنية متكاملة. قد تكون بدأت بدون مقدمات نظرية أو فنية- أدبية، وبدون منهجية فكرية أو أدبية واضحة، ولذلك شهدت عثرات كثيرة.. فتح محمود أحمد السيد عينيه، وعقله، على واقع فكري، وأدبي راكد ومتخلف أيام الحرب العالمية الأولى، وما تمخض عنها من نتائج، وكان ماشبّ عليه السيد، وتعلمه لا يلبي طموحاته وتطلعاته، الفكرية والأدبية، التي تجاوزت محيطه، فقد كان السيد أبناً لأمام جامع الحيدر خانه، وكان جل ما تعلمه لا يتعدى علوم الدين والفقه واللغة العربية، والأدب الشعري والنثري، والحكايات الشفوية والمكتوبة، الشائعة والمنتشرة، في وقت نشطت فيه ماكنة الطباعة، التي راحت تنشر الكتاب، والمجلة والصحيفة، وفي وقت غزت فيه الأفكار الجديدة، والإبداعات الأدبية والفلسفية والسياسية بعض البيئات الثقافية، في مدن العراق، وخاصة العاصمة بغداد، حينذاك كان السيد أكثر أقرانه، وأبناء جيله حساسية إزاء ثقافة عصره، وكان يمتلك روحاً متوثبة، وساخطة، ورافضة ومتمردة.. في الوقت ذاته، كان هذا الفتى ممتلئا بالسائد التقليدي، كثقافة الحكايات، وأدب الخيال، المعتمد أصلا على بعض الخرافات، كما كان أسير العادات والتقاليد التي ما عادت تنسجم مع تطلعات السيد، وأفكاره الطموحة. وقد كشف في السنة الثانية، بعد صدور (في سبيل الزواج عام 1921) وفي مجموعة (النكبات) كشف طبيعة ذلك الخطاب السائد، وحاول أن يعرضه على القارئ بشكله المهلهل، وبفقر موضوعه وسذاجته”.

ويواصل: ” يبدو أن السيد كان يرى من خلال ممارسة فعل كتابة الرواية والقصة، تحقيق هدف سام كان يسعى إليه، وأن الغرض الأساسي من هذا الجنس الأدبي، هو أنه وسيلة يخاطب من خلالها جمهرة القراء بأفكاره وآرائه الإصلاحية شأنها في ذلك شأن المقالة الصحفية، والخطبة الوعظية، أي أنه”أراد من القصص أن تكون أداة إصلاح”.. يتضح أن المرحلة الثانية من حياة السيد الأدبية كانت قد انطلقت من مرجعية جديدة، تعتمد على الواقعية النقدية. وقد أنتجت هذه المرحلة أفضل ما كتبه السيد، فنياً وفكرياً وأدبياً، وتمخضت عن إصدار قصة (جلال خالد) عام 1928، ومجموعة (الطلائع) عام 1929، ومجموعة (في ساع من الزمن) عام 1935، فضلاً عن عديد المقالات الصحفية، التي نشرها السيد في هذه المرحلة في الصحف والمجلات العراقية والعربية. إلا أن وفاته المبكرة في عام 1937، اختصرت حياته الأدبية، وهو لم يتجاوز بعد الثامنة والثلاثين من عمره القصير”.

القصة في العراق..

ويقول الكاتب “علي جواد الطاهر” في مقالة بعنوان (محمود أحمد السيد.. والقصة في العراق): “من أعلام  الأدب العراقي الحديث، لم ينل حقه من العناية، لذا، وجب خصه بدراسة جامعة  تلتزم أصول البحث الحديث في الجمع والاستقصاء والمناقشة وإذا ادعى أنه (هاو)، فإن ذلك تواضع وقول تمليه ظروف طارئة، فما هكذا يكون (الهاوي) ومن شأن الهاوي أن يستمتع أو يقلد دون أن ينتج أو يدون والإنتاج والإبداع  وليدا الجد والمثابرة والموهبة.. فهو كاتب شعبي، حتى قال يوما: نحن الشعب، وهو كاتب مبكر في خدمة الشعب والعمل على الارتقاء به إلى مصاف البشر.. ولو انسجم محمود أحمد تمام الانسجام مع آرائه، ولم يبد عليه تناقض بين القول والعمل، لكان توفيقه كبيرا في الأنواع الأدبية التي زاولها، أكبر كثيرا مما حقق وبات فيه أهلا للإعجاب والتقدير”.

التكتل الاشتراكي..

يقول الباحث “رفعت عبد الرزاق”: ” تميز محمود أحمد السيد بميزتين الأولى كونه رائد القصة العراقية كما وصفه أكثر من أستاذ وناقد، والثانية أنه أحد مؤسسي التكتل الاشتراكي والتقدمي.. وذكر المؤرخون أنه التقى في الهند بأحد المفكرين الاشتراكيين وتأثر به ولما عاد للعراق كان المؤسس الأول للحلقة الاشتراكية التقدمية، وهذه الحلقة  كتب عنها الشيء الكثير، وكان أعضاؤها من الكبار الذين لهم أثر في المشهد الثقافي والسياسي العراقي  أمثال فتاح إبراهيم، وسليم فتاح، وعوني بكر صدقي،  وغيرهم الكثيرين”.

ويقول الكاتب “د. عامر حسن الفياض”: “الحديث عن السيد واستحضاره هو ليس استحضاراً لشخص بل لموضوع النهضة والتنوير في الحقل المعرفي العراقي لاسيما الأدب والمعرفة والسياسة، فبهذا الرعيل التنويري والمعرفي  نتلمس الطعم اللذيذ  للمعارف.. الذي يريد أن يكتب عن النهضة والتنوير لا يستطيع تجاهل السيد، فهو واحد من الجيل الأول للمثقفين العراقيين حيث بذرت بذور الفكر الثقافي وقد أينعت هذه البذور عن جماعتين الأولى جماعة الآلي والثانية لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار.. لا نستطيع أن ندعي أن الفكر التقدمي كان له وزن ثقيل في تاريخ العراق، لكن كان هنالك حضوره وقوته الذي نلتمسه من خلال ردود فعل سلبية قاسية على هذا الفكر.. علينا أن نؤكد حقيقة أني قبل أن أكتب عن السيد وجماعته كان المرحوم عبد اللطيف الراوي وعلي جواد الطاهر كتبا عن الاشتراكية في الأدب العراقي، ومن خلال ما أشارا إليه كتبا الكثير عن السيد وجماعته. شهد الاشتراكيون والاشتراكية فكرا وشخوصا ردود فعل قاسية، وهذا يعني أن وجود هذا الفكر وجود طاغٍ، فالسيد ساهم بكل مظاهر التجديد في بدايات وبواكير الفكر السياسي العراقي الحديث، ومظاهر التجديد كانت واضحة من خلال الدعوة لفكرة الجمهورية من خلال تأثره بتوفيق الخالدي.. إننا نلتمس تجديد السيد كذلك من خلال دعوته لتحرير المرأة، حيث كان له مساهمة فاعلة لأنه مظهر من مظاهر التجديد وهذا تبين من خلال أول كتاب للسيد “في سبيل الزواج” يتحدث عن مظلومية المرأة، وكذلك موضوعة الحرية الفكرية، حيث أثارها في كتبه.. يكاد أن يكون السيد رائد المظاهر الواقعية الاجتماعية في الأدب العراقي، حيث نعته صديقه عبد الوهاب الأمين بأنه القاص العراقي الأول في كتابه “مع الكتب وعليها”.

الاغتراب المكاني..

ويقول الناقد “د. شجاع العاني”: “رغم أن هنالك من كتب القصص قبله إلا أنه حاز لقب “رائد القصة بجدارة”، إن السيد لجأ للاغتراب المكاني من خلال قصصه، وروايتيه فنجد أن أحداثها تمت خارج البلاد، وقد قسم السيد نتاجه إلى مرحلتين فرواياته الأولى، هو الذي شتم نفسه عليها وقال “ليتني لم أكتب هذه القصص التي كانت لطخة عار في جبيني” ويبدو أنه كان متأثرا في ذلك الوقت بقصص الرومانس الغربي، التي تحمل من الخيال  مالا حدود له.. إن المرحلة الثانية من نتاجات السيد الأدبية كانت أكثر وعيا فنيا وفكريا، وكانت ريادة السيد في القصة ريادة فكرية وفنية، وهذا ما نلمسه في رواية “جلال خالد” التي كانت ملخص رواية ولم يكن للسيد استعداد نفسي لكتابة رواية مطولة، ولو أردنا شخصا يكتب برنامجا سياسيا لكتب جلال خالد لأنها ناقشت موضوعات اقتصادية واجتماعية وسياسية.. كل القصص التي كتبها السيد في بداياته كانت مصادرها من أقوال الناس السائدة، وكأن مادة قصص السيد من هذه الموضوعات، أما في المرحلة الثانية فقد تحول وكانت قصة “بداي الفايز “واقعية حديثة، حيث أسست لمذهب جديد في الفن والأدب وكانت ناضجة فنيا، وتظهر دوافعها بشكل فني جيد، كما أنها تؤكد على نزعة إنسانية، بذلك نجد أن وعي السيد جاء مع تطور تياراته”.

الدفاع عن الكادحين..

في مقالة بعنوان (محمود أحمد السيد ودوره البارز في الدفاع عن العمال والكادحين) يقول الكاتب “نوزت الدهوكي”: “محمود أحمد السيد اسم لامع من أسماء اليقظة الفكرية والنهضة الأدبية في تاريخ العراق الحديث ولكنه أهمل كما أهمل كثير من هؤلاء. فلم تعطهم المؤسسات الثقافية العراقية مما يستحقون من اهتمام، ولم تنشر نتاجاتهم إلا استثناء.. كان السيد نموذجا للمثقف الذي يعاني من صراع حاد بين ما يحمله من أفكار وبين الواقع الاجتماعي المتخلف ومع ذلك فقد كان رائدا، خلق تراثا زاخرا للأجيال التي جاءت بعده والأجيال الجديدة القادمة فهو أول القصاصين العراقيين ومن السابقين الأولين في ميدان النقد القصصي في العراق، ساهم من خلال إبداعه الأدبي ونشاطه الفكري والاجتماعي في إضافات هامة تعبر عن فترة العشرينيات والثلاثينيات الملتهبة من القرن الماضي..إن رحلته إلى الهند فتحت أمامه رؤى جديدة لشؤون الحياة المختلفة فشرع يعالج تلك الشؤون بمعالجات تتسم بالكثير من الحماس والاندفاع. وبعد فترة قصيرة من عودته إلى بغداد في عام 1920 أخذت الأوضاع البائسة للفئات الكادحة تجلب أنظاره عندما بدأ يتلمس طريقه إلى الفكر الاشتراكي بتأثير مباشر هذه المرة من أفكار صديقه خالد الرحال مؤسس الحلقة الدراسية الماركسية الأولى في العراق، فبدأ يعبر عن آلامها ومشاكلها في قصصه التي تعود لتلك الفترة، وعلى الرغم من تعلق محمود أحمد السيد بالأفكار اليسارية إلا أن تعلقه بتلك الأفكار كان تعلقا ضبابيا غير متكامل على رأي الكثير من الماركسيين الأوائل فلم يكن لانجذابه لتلك الأفكار أية خاصية فكرية لذلك يمكن القول بأنه كان يسارياً عاطفيا رومانسياً.. وقد اشترك في إلقاء المحاضرات العمالية الصرفة التي كانت تعالج مواضيع تخص العمال ومشاكلهم على أعضاء الجمعيات العمالية التي كانت جميعها تحمل أسماء حرفية محضة كجمعية تعاون الحلاقين وجمعية عمال المطابع العراقية وجمعية عمال الميكانيك العراقية وجمعية أصحاب الصنائع وغيرها من الجمعيات.. لقد لعب محمود أحمد السيد دورا بارزا في بلورة الوعي العمالي وتطويره وفي بث الثقة في نفوس العمال ضد مستغليهم، وتأييد ظهور الجمعيات العمالية والحرفية في البلاد، وذلك من خلال اتصاله المباشر بعدد من قادة هذه الجمعيات وعن طريق الكلمات التي كان يلقيها في ندواتها والمقالات التي ينشرها في صحفها أو غيرها”.

وفاته..

ذهب “محمود أحمد السيد”  القاهرة للاستشفاء من مرض ألمّ به فتوفّي بها في 10 ديسمبر 1937.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة