لم يكن بودي أن أكتب مثل هذا المقال الذي ربما يراه البعض غريبا وله بعض الحق في ذلك , ولكن من رأى وشاهد حركة التظاهرات عندنا والتي أعطت صورة لاتتناسب وقيمنا الوطنية وألاخلاقية , مثلما لاتتناسب ومعايير التظاهر والمسيرات ألاحتجاجية التي نمتلك رصيدا جماهيريا فيها ” المسيرات الراجلة الى كربلاء ” والتي أصبحت مثالا يحتذى به في التنظيم وألانسجام فمن يستطيع أن يطعم ملايين المشاة وأسكانهم بدون ظهور خلل يشكل نقصا تنظيميا أو عيبا خدميا , ورغم ظهور ثغرات تنظيمية في مسألة النقل , ألا أن المشهد العام يظل مقبولا ويصل الى درجة الدهشة عند الجهات ألاجنبية التي تراقب هذا الحدث .
وعندما سأل صحفي ألماني عن طبيعة المسيرات الراجلة الى كربلاء , فلم يعجبه من ألاجوبة ألا الجواب الذي قال : أنها مسيرات أحتجاجية ؟ فتلقف الصحفي ألالماني هذا العنوان وبدأ يكتب عنه ؟
لقد شهدنا فشل تظاهرات ساحة التحرير عام 2010 ولم نسأل أنفسنا لماذا ؟
واليوم نشهد فشل تظاهرات بعض ألاحزاب لاسيما المحسوب منها على السلطة ولم تدرس هذه الظاهرة بعناية ؟
أما الفشل المرتقب لتظاهرات المنطقة الغربية فهو أمر متوقع منذ البداية , لآنها حملت معها مشروع فشلها رغم العدد غير القليل من المشاركين ورغم الحشد ألاعلامي المغرض الذي تولى تضخيمها ؟
وظاهرة الفشل في التظاهر ذات مردود جمعي على الحيوية السياسية التي بدأت تعاني من مشاكل كثيرة لعل أهمها عدم قدرة ألاحزاب الدينية والعلمانية على أنتاج حيوية سياسية في ألاجتماع العراقي , ولذلك ظهرت حالات الفتور والتململ تجاه العناوين الحزبية من مختلف ألاتجاهات , ولم يسلم من هذا الفتور حتى التيارات الشعبية ذات الحجم المليوني ؟
وهذا الفتور وذلك التململ هو خسارة عامة للجميع من منظور الحراك السياسي والنشاط ألاجتماعي تنعكس أثاره على الحكومة والدولة والحواضن الدينية والعشائرية , ويتركز تحجرا وجفافا في ألانتاج الثقافي ونخبه التي تعتبر مرأة عاكسة للحيوية ألاجتماعية والسياسية .
هذا التراجع في مفهوم وحيوية التظاهر يجعلنا نفكر بضرورة ألقاء الضوء على أصول وقواعد ظهور نشاط التظاهر بأعتباره حاجة مطلبية أنسانية ترتبط ببوصلة الفكر , فالتظاهر نشاط فكري قبل أن يكون سياسيا , ونجاح التظاهر مرتبط بمحركاته الفكرية فكلما يكون الفكر حاضرا يكون التظاهر ناجحا والعكس هو الصحيح .
فتظاهرات المسيرات الكربلائية في كل البلدان ألاسلامية وحتى في أرض المهجر يقف ورائها فكر ثورة الطف التي قادها ألامام الحسين سبط رسول الله “ص” وهو من الذرية المصفاة التي تنطلق من فكر السماء العاشق للكون وما فيه حتى يتركز ذلك العشق في كينونة ألانسان محور ألاستخلاف والقيادة في كوكب ألارض .
وشروط التظاهر الناجح هي :-
فكر أعتراضي لايبتعد عن الفطرة البشرية ” العدل أفضل من الظلم , النور أفضل من الظلام , والعلم أفضل من الجهل ”
أن لاتقطع الطرقات العامة فقطع السابلة حرام في ألاسلام , وممنوع قطع الطرقات العامة في الدول ذات السياسة المدنية .
عرض مطالب عامة تشترك فيها الجماعات التي تشكل الشعب وترتبط بالوطن .
أن تكون المطالب أنية وملحة لايمكن تأجيلها مثل ” أزمة الكهرباء , أزمة الخبز , أزمة ألامن ”
أن تبتعد عن الشعارات الطائفية والعنصرية والمليشياوية ” وهذا من أسباب فشل تظاهرات المنطقة الغربية ” .
أن تبتعد عن ألاستعانة بالقوى والمحاور ألاجنبية .
أن لاتكون مطالبها تعجيزية ” تظاهرات الغربية مثالا ” .
أن لاتعتدي على قوى ألامن والجيش ” تظاهرات ألانبار مثالا ”
أن تحرص على أخذ الرخص القانونية فتلك ظاهرة حضارية .
أن لاترفع الافتات والصور المختلف عليها وطنيا ” وقد حدث ذلك في تظاهرات المنطقة الغربية ”
أن يكون تمويلها ذاتيا حتى تبتعد عن شبهات التمويل الخارجي ؟
أن تكون مطالبها محددة واضحة لاتتغير وتتبدل كما حصل في تظاهرات الغربية .
أن تحدد لنفسها زمنا معينا تعلنه بشكل واضح وتلتزم به ولا تتمادى في تجاوزه .
أن تكون للتظاهرة قيادة مشخصة ومعروفة وتتحمل مسؤولية التجاوزات التي قد تحدث من قبل بعض المتظاهرين ” وقد حدث ذلك في تظاهرات المنطقة الغربية ”
أن لاتسمح للمندسين أن يتواجدوا في صفوفها .
أن تعتذر من الشعب وتنهي تظاهرها عندما تعجز عن ضبط أمن وتنظيم التظاهرة ” وكان المفروض أن يحدث ذلك في تظاهرات المنطقة الغربية ”
أن تتجه بالشكر للسلطات ألامنية بعد أنتهاء التظاهر ” كما يحدث في الدول الغربية وكما كنا نحن نمارسه في تظاهراتنا في الدول ألاوربية ” .
أرجو من أخواننا في المنطقة الغربية وفي عموم عراقنا أن يقرأوا هذه الملاحظات بروح المحبة وحسن الظن على القاعدة القرأنية ” وقولوا للناس حسنا ”
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]