لم يبق بيننا وبين العشرين من شهر نيسان سوى ما يقارب من الشهر ونصف فقط لتطل علينا انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة، وهي فترة قصيرة ومعدودة في عالم الانتخابات، بل انها لا تحتسب إلا من باب الدخول في العد التنازلي لبدء العملية الانتخابية بعد اكتمال التحضيرات المعدة والمسبقة لها والإجراءات المواكبة لهذه العملية الديمقراطية التي ستضاف الى المنجزات المتحققة في العراق الجديد حينما يبادر المواطنون الى انتخاب ممثليهم الذين يرتضونهم في مجالس المحافظات، وهي بالطبع مهمة وواجب على كل مواطن وناخب ان يكون اختياره صحيحا وناجحا.
قد يكون الأصح هو اعتبار أن العد التنازلي لبدء الانتخابات قد بدأ فعلا منذ بدء المشاورات والمناقشات والمداولات داخل مجلس النواب وخارجه خلال الأشهر الماضية بين الكتل البرلمانية والسياسية وبالتنسيق مع المفوضية المستقلة للانتخابات وممثلية الأمم المتحدة في العراق، وجميع المحاولات التي بذلت للتوصل إلى ما هو أكثر وفاقا وانسجاما وقبولا بين فئات الشعب العراقي المتنوعة، وجميع هذه النقاشات والمشاورات كانت تمثل رغبة الأطراف السياسية في البلاد للشروع والدخول في مرحلة التحضير للانتخابات، وإقرار الإجراءات القانونية والدستورية بشأنها من خلال توافق الآراء واتفاقها، وحسم الخلافات وكافة الإشكالات، وتقريب وجهات النظر والرؤى فيما بينها، وخاصة فيما يتعلق باعتماد النظام الانتخابي للعملية الانتخابية، أما اليوم فأن ما يحصل هو تحصيل حاصل لاستكمال الطريق الديمقراطي الذي سار عليه أبناء الرافدين حينما سيدلون بأصواتهم في صناديق الاقتراع، ومع الدخول في مرحلة الحسم بالنسبة لإكمال عملية الانتخابات فأن ثمة جهود ما زالت تتواصل من قبل المفوضية العليا للانتخابات من أجل إنجاح العملية ولتكون منجزا عراقيا آخرا لاسيما وان التنافس بين جميع الكيانات والائتلافات قد بدأت تتسع وتكبر وهو علامة صحية جيدة وحق ديمقراطي مكفول للجميع في ظل المكاسب الديمقراطية المكتسبة في العراق الجديد، ولأن الانتخابات القادمة ستكون الفرصة الأكبر لأبناء الشعب لقول كلمتهم وإظهار رأيهم في أحقية النظام الذي يبغونه كونها ستؤسس القاعدة التي ستنطلق منها التطبيق الواقعي لهذه الطموحات التي بدأت تتسع شيئا فشيئا لدى معظم محافظات الوسط والجنوب العراقي وتنامي رغبة أبنائها في إقامة مشاريعهم المستقبلية مزدهرة.
انتخابات مجالس المحافظات القادمة ستمثل نقلة نوعية نحو تعزيز نمط خدمة المحافظات العراقية عن طريق أبنائها المرشحين حاليا وبشكل مقارب لتفعيل نظام الادارة اللامركزية في البلاد والتي تمثل الوجه الديمقراطي الجديد للعراق والهادف الى تنميته وتطويره لاسيما بعد ان أكدت الحقائق الواقعية على الأرض العملية فشل وعدم جدوى الأساليب السابقة في الحكم المركزي المباشر وعدم ملائمته للواقع الإداري الحالي لأن الإشراف المباشر من قبل أبناء المحافظة على مشاريعها يحقق نتائج أفضل وأكثر ملائمة كونهم أدرى بما تحتاجه مدنهم ومحافظاتهم من خدمات وما تعانيه من نقص فيها حيث تنتظر المحافظات المختلفة عمليات اعمار وتنمية وبناء واسعة الاتجاهات وهي تحتاج لإنجاحها الى وجود شخصيات محلية تتسم بالكفاءة والنزاهة والمهنية في تقدير احتياجات المحافظات لهذه المشاريع بالشكل الذي يساهم بتقدمها وازدهارها وبالتالي تطوير وتنمية الاقتصاد الوطني وازدهاره وتقدم البلاد، كما ان تفعيل خدمة (محافظتي اولا) هو نظام يعني خدمة كل مرشح لمحافظته أولا أي للمواطن نفسه ومع اكتمال سلسلة خدمة المحافظات الاخرى عن طريق المرشحين أجمعين يكتمل عمل وخدمة العراق بأجمعه، ليكون نظام قوة وليس نظام ضعف، كما قد يصوره البعض ويحاول التقليل من شأنه، بل على العكس فأن معظم الدول المتقدمة اقتصاديا وحضاريا هي الدول المعتمدة في أنظمتها على هذا النظام والأمثلة عديدة نذكر منها نموذجين من الغرب والشرق وهما الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة اللذان قد عبرا في بناء بلديهما وكثرة وتنوع المشاريع المقامة فيها وتقدمها ورقيها ما يفوق الوصف والكلام عن مدى أهمية تطبيق نظام الخدمة المحلية والمدن الاصلية وتحقيق جدواها الحقيقية والتي ستنعكس اجمالا على خدمة البلد الام وهو العراق، وهو ما ننتظره جميعا.