مهزلة.. مسخرة.. مسرحية رديئة، فاشلة ومتكرّرة .. ليس هذا فحسب ما دار وصار أول من أمس في مبنى مجلس النواب في الجلسة الأولى للمجلس الجديد وتكرّر أمس، فثمة، بالإضافة إلى هذا كلّه، جناية بل جريمة نكراء قد ارتكبها عدد غير قليل من النّواب (من دولة القانون والفتح والحزبين الكرديين الرئيسين على وجه الخصوص) في حق الشعب العراقي الذي يواجه محنة حقيقية يمكن قراءة مانشيتاتها اليومية في الحال الراهنة للبصرة التي تكابد الخراب فيما يواجه أهلها الموت بأسباب وأصناف عدّة.
الجلسة الأولى للبرلمان الجديد التي عُقدت بعد نحو أربعة أشهر ( 113 يوماً بالتمام والكمال) من إجراء الانتخابات، هي الجلسة الافتتاحية التي ليست وظيفتها سماع الكلام الفارغ إلا من الكذب والتدليس لمسؤولين حاليين وسابقين فاشلين، ولا وظيفتها تسجيل مباشرة النواب للبدء باحتساب رواتبهم ومخصصاتهم المخطوفة خطفاً من أفواه فقراء العراق، إنّما مهمّتها الأساس والأهم والأوجب هي انتخاب هيئة رئاسة البرلمان (الرئيس ونائبيه) للانطلاق بالاستحقاق الدستوري الذي يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية المتوجب عليه دستورياً أيضاً تكليف رئيس الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، وهي الغاية الرئيسة للانتخابات، أن تتولى إدارة الدولة والمجتمع حكومة منتخبة.. ما مِنْ أحد لديه أدنى حقّ في تعطيل عمل المجلس وتأخير أداء مهماته.. التعطيل والتأخير جريمة في حقّ الشعب.
النوّاب الذين انسحبوا وعطّلوا جلسة المجلس الأولى، وكرّروا الأمر أمس في الجلسة الثانية، إنّما سقطت كلّ شرعية لهم، فقد خانوا الأمانة التي أودعهم إيّاها الذين انتخبوهم وكلّفوهم بمهمة تمثيلهم في السلطة التشريعية، بل هم حنثوا باليمين الدستورية بعد دقائق قليلة فقط من أدائهم إياها: ” أقسم بالله العليّ العظيم أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ وإخلاص” ..!!
الذين ذهبوا إلى الانتخابات واقترعوا لصالح المرشحين الفائزين إنّما أرادوا من “نوّابهم” أن يشرعوا في الحال بأداء واجبهم حيالهم المتمثل في تشكيل حكومة جديدة وسنّ قوانين جديدة .. الإخلال في هذا الواجب على الطريقة التي حصلت أول من أمس هو خيانة للناخبين وتجاوز صارخ على حقوقهم.
لا يوجد شيء في الدستور، ولا في أيّ دستور في العالم كله، اسمه الجلسة المفتوحة أو الجلسة المستمرة .. هذه كذبة كبيرة يصرّ على افترائها الفاسدون الذين يريدون مواصلة استحواذهم على السلطة من أجل مواصلة فسادهم بنهب المال العام على النحو الذي فعلوه على مدى الخمس عشرة سنة الماضية، فألقوا بالبلاد وأهلها إلى تهلكة حقيقية تنطق بها بصوت عالٍ على مدار الساعة البصرة وسائر مدن العراق المنكوبة.
الجلسة المفتوحة أو المستمرة باطلة، وما يُبنى على باطل فهو باطل، وعليه سيكون كلّ ما يقرّره البرلمان الحالي باطلاً وكلّ ما يترتّب على قراراته باطلاً بالضرورة.