خاص : الترجمة – آية حسين علي :
في ظل الظروف التي تمر بها الصحافة الحالية واختفاء الخط الفاصل بين الحقيقة والمعلومة، من المهم التفتيش في دفاتر الصحافة القديمة، ومن أبرز الصحافيين الملهمين، الإيطالية، “أوريانا فالاتشي”، التي عاشت في الفترة من 1929 إلى 2006.
ووصلت “فالاتشي”، خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، إلى درجة عالية من الشعبية لدرجة أنه لم يستطع أي زعيم سياسي رفض عرضها بعمل حوار معه حتى القائد الأعلى للثورة الإسلامية الإيراني، آية الله “الخميني”، وجلست معه وعرضت عليه الكثير من الأسئلة الحادة واستوضحت منه لماذا يعتبره البعض ديكتاتورًا.
وعاشت “فالاتشي” حياتها من أجل رسالتها الصحافية، بين نقل أخبار الحروب والصراعات؛ مثل “حرب فيتنام” والثورات الثقافية والمظاهرات التي تعرضت للقمع مثل “مذبحة ساحة الحضارات الثلاث” في “المكسيك” عام 1968، وإجراء العديد من الحوارات شديدة الجرأة مع عدد من كبار القادة السياسيين مثل؛ “معمر القذافي” و”ياسر عرفات” و”روبرت كينيدي”.
شاركت في نقل القنابل وتوزيع المنشورات..
وقعت “إيطاليا” تحت الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، بينما كانت “فالاتشي” تبلغ من العمر 13 عامًا، إذ ساعدت في نقل قنابل ملفوفة داخل أوراق الخس، بالإضافة إلى توزيع منشورات.
وبدأت “فالاتشي” عملها الصحافي منذ كان عمرها 20 عامًا، ورغم عدم ثقة زملاءها في قدرتها على التحرير إلا أنها تمكنت من إعداد تقارير صنعت لها اسمًا معروفًا، وفي أواخر الخمسينيات انتقلت إلى العمل في مجلة (إل أوروبيو) التي أرسلتها إلى “الولايات المتحدة” لمدة شهر لتغطية بعض الأحداث المرتبطة بهوليوود، وهناك عاشت أفضل فترة في حياتها.
كتابة الكتب ورصد الحرب..
اتجهت الصحافية الشابة إلى كتابة الكتب، وكان أول كتاب تنشره باسمها هو (الخطايا السبع المميتة في هوليوود) ثم استفادت من تكليفها بإعداد تقرير عن أوضاع السيدات في “تركيا وباكستات والهند وماليزيا وهونغ كونغ واليابان” في السفر لكل هذه الدول ما سهل عليها مهمة كتابة (الجنس غير المفيد)، الذي نشرته عام 1961.
ودفعها الشغف إلى العيش في قلب البرنامج الأميركي الخاص لوكالة “ناسا” الفضائية لعدة سنوات، بعدها اتجهت إلى رصد “حرب فيتنام”.
وفي عام 1969 نشرت رواية (لا شيء)؛ بالإضافة إلى إرسال أخبار يومية إلى صحيفة (كورير دي لا سيرا) الإيطالية، وهو ما أعطى لها شهرة واسعة وفتح لها الباب أمام إجراء الكثير من الحوارات مع سياسيين بارزين.
حوارات جريئة ملهمة..
من أبرز حواراتها؛ الحوار الذي أجرته مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، “هنري كسنغر”، إذ تسببت التصريحات التي أدلى بها للصحافية إلى توريطه في مشكلات مع الرئيس، “ريتشارد نيكسون”.
وتم تجميع مجموعة كبيرة من حواراتها الشيقة في كتاب (حوار مع التاريخ)، الذي نشر عام 1974، وتباينت حوله وجهات النظر، لكنه الآن له أهمية إذ يرى البعض أن الكتاب يثبت أن “فالاتشي” كانت تمتلك شخصية قوية للغاية لا تقل أبدًا عن الشخصيات التي حاورتهم، وأنها تعد ملهمة لعصر الصحافي البطل.
إسلامو فوبيا..
اتهمت “فالاتشي”، في خريف عمرها، بعداءها للإسلام، “إسلامو فوبيا”، ووصفت بالعنصرية، وهو ما ظهر جليًا في كتاباتها عقب أحداث 11 من أيلول/سبتمبر عام 2011 في نيويورك، ما أضر بإرثها الثقافي، وباتت سمعتها على المحك بسبب آراءها المتطرفة ضد الإسلام.
حياتها العاطفية..
لا نعرف الكثير من التفاصيل حول حياة “فالاتشي” العاطفية، إذ أن بعض المصادر تشير إلى أنها التقت بمراسل وكالة (فرانس برس) في مدينة “هو تشي منه”، “فرانسوا بيلو”، أثناء تغطيتها لحرب فيتنام، وبدأت بينهما علاقة عاطفية استمرت لمدة 10 سنوات، لكن “بيلو” كان متزوجًا من إمرأة أخرى، وعندما شعرت “فالاتشي” باليأس من وضع علاقتهما جمعت كل رسائله الرومانسية لها وأرسلتها إلى زوجته.
كما أنها إرتبطت بعلاقة حب مع السياسي والصحافي اليوناني، “أليكوس باناغوليس”، واستمرت علاقتهما لفترة، لكنه توفي بطريقة مأساوية بينما كان على وشك الكشف عن فضيحة كبيرة.
وبعد صراع طويل مع مرض سرطان القولون أرداها طريحة الفراش لفترة طويلة في غرفتها بـ”منهاتن”، رحلت “فالاتشي” عام 2006 عن عمر ناهز 77 عامًا.