18 ديسمبر، 2024 10:09 م

ويحدّثونك عن الوطنية..!

ويحدّثونك عن الوطنية..!

ما كانت البصرة ستؤول إلى هذي الحال من الخراب، وما كان العراق سيكون في هذي الحال من المحنة العامّة الشاملة، لو لم يكن الفساد الإداري والمالي الذي لن يُفلح أحد، مهما كان ومهما فعل، أن يموّه على هويته”الإسلامية”، نسبة الى أحزاب الاسلام السياسي المستحوذة على السلطة في البصرة وسائر المحافظات الجنوبية والوسطى، فضلاً عن العاصمة الاتحادية بغداد، والمصرّة الآن بعناد على إعادة إنتاج تجربتها المنتهية الى هذه الكارثة الوطنية الكبرى.
الفساد مارسته أحزاب وميليشيات، ونظّمه زعماء لهذه الأحزاب والميليشيات وعناصر فيها، وتولّته أيضاً شركات وهمية وحقيقية ورجال أعمال محليين وخارجيين… كلّهم”فرهدوا”المال العام على أشدّ وأوضح ما يكون”الفرهود”، وإذْ وقعت الواقعة وحلّت النازلة بأهل البصرة وسائر مدن العراق وبلداته وقراه، لم تهتزّ شعرة في شارب أحد من أساطين الفرهود هؤلاء الذين نقلوا عشرات مليارات الدولارات من موازنات مشاريع الكهرباء والماء والري والصحة والتعليم والخدمات البلدية وسواها إلى حساباتهم الشخصية وخزائن أحزابهم وميليشياتهم المحفوظة، في الغالب، في ما وراء الحدود.
على مدى الأسابيع الماضية انطلقت من مدينة الأعظمية في بغداد ومن الموصل والرمادي وسواها مبادرات شبابية لإغاثة أهل البصرة بمياه الشرب.. المبادرون والمتبرعون كانوا طلبة مدارس وجامعات وشبان عاطلون عن العمل وأصحاب مهن حرة متواضعة، اشتروا الملايين من عبوات ماء الشرب واستأجروا الشاحنات لنقلها الى البصرة.
في المقابل، لم نشهد مبادرات من هذا النوع من”مُفرهدي”المليارات من زعماء الأحزاب الإسلامية الحاكمة والميليشيات وزعمائها وقادتها، ولا من أثرياء كربلاء والنجف والحلة والناصرية والكاظمية الذين تدفّقت على الكثير منهم ثروات مليونيرية ناجمة عن علاقات المصلحة الوثيقة القائمة بينهم وبين قيادات الأحزاب المتنفّذة في هذه المدن وفي بغداد.
ويحدثونك عن الوطنية..!
قل الوطنية ليست في الخطابات الرنّانة الكاذبة عن السيادة والاستقلال والدين والمذهب، التي يسعى بها أصحاب السلطة والنفوذ الفاسدون الى الضحك على الذقون والرؤوس الفارغة فحسب.. وقل كذلك إن الوطنية ليست في إطلاق الوعود الكاذبة على ألسنة رؤساء الوزارات والوزراء والمحافظين بمكافحة الفساد الإداري والمالي وبناء المشاريع وتأمين الخدمات العامة..
الوطنية الحقّة يمكن أن تتجلّى وتتجسّد في أفضل صورة وتعبير لها بأن يبادر شاب من الأعظمية أو الموصل أو الرمادي إلى شراء وجمع عبوات الماء، مهما كانت صغيرة الحجم، وإرسالها إلى أهل البصرة المنكوبة بالفساد”الإسلامي”. شاب من هذا النوع لا يعادله في القيمة والوطنية ألف رئيس ورئيس برلمان ورئيس وزراء ووزير ومحافظ وزعيم حزب أو قائمة أو ميليشيا من النمط الذي قد تسبّب في خراب البصرة.. والعراق كلّه.