لو نلحظ العامل الديني من زاوية اعتباره القاعدة القانونية البشرية الاولى سنلحظ وازعهِ النفسي الّذي يتحصن به أفراده ومجتمعاته السبب الرئيس لبقاء ما عمّرته هذه المجتمعات من بنيان لا زال شاخصُا منذ عصور ما قبل التاريخ ولحد اليوم وما تركه من لواحق رغم مرور بضعها بالآلاف من السنين ولم يتلف منها إلّا القليل بغالبيّتها بحسب ما وصلنا بمجمل ما اعتبرت آثار ..
هنالك عدّة أسباب أخرى رئيسيّة باعتقادي جانبيّة منها دعت لأن يصلنا كلّ ما له علاقة بالتديّن وطقوسه المختلفة فقط إذ لا وجود لأبنية أو منشآت عمرانيّة أو أدوات وصلتنا غيرها وجميعها كانت قد أنشأت وفق إرادة دينيّة أو متأثّر بالضغط الديني الّذي لم يترك أداة أو بناء إلّا وطبعها بطابع محتواه الكهني أو بباقي متطبّعاته نلمسها على أجزاء متداولة أو على سلوكيّات وحياتيّات تلك المجتمعات؛ “بالتأكيد ..خذ مصنوعاته مثلًا لا تتعدّى تشكّلها المظهري من دوافع دينيّة بما فيها أدوات الطعام” ,إنّ “التفرّغ” الكامل من قبل الجنس البشري لممارسة الحياة الدينيّة سمة همّ هموم هذا الجنس وأولى أولويّاته رقصُا أو ترنيمًا فرحًا أو أنينًّا ووجعًا “بما فيها طقوس ذات طابع جنسي وفق عقيدة متبنّاة هي الاخرى” جعلت حياة تلك الشعوب ولا زال الكثير منها يمارس رغم انقضاء عصور سحيقة على بدء ممارساتها لتتحوّل اليوم لطقس ديني شامل وازدادت في عصر القرن الأميركي “عبر الفنّ خاصّة السينما وتشجيعا لمرويّات غابرة كفيلم سفينة نوح أو ولادة المسيح أو فلم الرسالة” سيّست هذه الممارسات وتعمل على ديمومتها وخلق ممارسات جديد لها بها صلة.. لكنّ ذلك لا يعني خلوّ المجتمعات من حزم بشريّة كانت غير مقتنعة بتلك العقائد كما هي عليه غالبية مجتمعات اليوم بسبب عوامل التجربة وتطوّر وسائل الإدراك ولذلك كانت تجري ممارساتها سرًّا في تلك الحقب في البيوت وغيرها أو على شكل نوادٍ أو ملتقيات ظاهرها شيء وحقيقتها شيء آخر ولذلك لم تصل إلينا آثارًا مجسّدة على ما اعتدنا عليه معمارًا أو مجسّدات أو مرويّات سوى جمل وكلمات عابرة لكنّها وصلتنا على ما يبدو إمّا مندسّة داخل ميديا الثقافة الدينيّة السائدة أو أرفعها أو أذرعها من أساطير ولملمات لحكايات أو على شكل حداثيّات أفكارًا وأدبيّات نافرة عن الموروث والتقليد ما يجعلنا ,أو قد, نؤمن بخلود الإنسان بهذه الطريقة المبتكرة عنوةً آنذاك والّتي عواملها سهّلت علينا الحياة كما نرى ونعيش وفتحت أفق مستقبل لا يمكن تنظير فعّاليّاته لاستشرافه مفتح العينين على خيارات لا نهاية لها.
قد نصل لمستنتج أو لعدّة مستنتجات تحت مسمّيات تبدوا وكأنّها مؤهّلة اليوم لتحويل العناصر البنائيّة التقليديّة المكوّنة للمستقبل إلى بنائيّات لمكوّنات نقّالة للحاضر وجعلها هوي المستقبل أو لصيقه المباشر كخطوة لتحقيق عناصر بنائيّة للخلود بمفهومه المتداول بشكل أوسع وأعمق فهمًا شرط تلاشي المستدرك لها وتلاشي جذوره!.. ,إذ على سبيل المثال وصلنا إلى أنّنا الآن بفضل الفكر الحداثي لأن نكتشف ماهيّة “الحارس” الزمني للآثار ألا وهي “الصرامة” أو ما يطلق عليها أحيانًا بالفكر الراديكالي حافظ على الآثار دهورًا والّتي أوصت بالتطوير من دون تغيير ما طالت العقيدة تورّث توصي بتطوير ما يبقى تحت طائلة التطوير نفسه, واستمرّ كنهج لغاية ما تأزّلت تلك الوصيّة أي أنّها اكسبت الرصانة عامل الأزليّة حتّى باتت صدائيّة تحوّلت مع الزمن إلى إلهًا يعبد بترنيمات من أوجاع مادّتها أكثر صرامة.. ولذلك نرى الآثار لا زال الكثير منها يمارس وظيفته رغم مرور قرون على إنشائها ورغم طابعها المرصّن ظاهريًّا والّذي بطبيعة حاله لا يقوى على الخروج والمواجهة وهو هدف لا بدّ ويكون منهجه من هذا النوع الّذي أصبح عامل نشاز ,بصري كان أم سمعي.. وهنا لزاما على الجنس البشري الّذي قد دخل زمن السرعات والتنافس في استغلال أجزاء الزمن الّذي تسلّقت على جدرانه السرعات متشبّثة بمتغيّر إثر متغيّر جلّ منجزاتها لا يصمد أمام التغيير بضع أجزاء من الزمن الممرّر عبر سنوات بسيطة العدد.. وذلك يدفعنا إلى مستنتج أخطر ,هو أنّ المنجز عقيدة خالدا يعيش في دواخل المختزلات والمتلاشيات يعبر متلاوحًا بطرق “البلوتوث” أو عبر أجزاءه المكوّنه له التي ستكتشف سريعًا.
الحداثة هي حداثة ما استمرّت بعيدًا عن صنميّة التخضيع أو بعيدة عن نظم التمنهج كما تمنهجت رسل ودعاة “الأنبياء” بداعي الحرص ,مع الحرص أن لا يتحوّل النهي هذا صنمًا يعبد هو الآخر ولا أن يتحوّل الحرص لنفس النهاية, إذ لابدّ للتحديث لكي يستديم يخلق بنائيّات مراوغة لابدّ وستتحصّن بطابعها اللا طابع بالتجريب, وبالمتغيّر, أهمّها البحث عن تناقض عناصر المتغيّر نفسه مع ركن “النفسيّة” خارج التفاعل لديمومة الأنا بعيدًا عن بقايا وصايا؛ بالتحوّل لعناصر بنائيّة لمتغيّر بنائيّاته مناقضة أو ملاوحة للعناصر البنائيّة الّتي سبقتها بل ومستفزّة لها نضمن ,شرط أن لا تخضع إرادة التفلّت للضمان أيضًا, أن نتغيّر بمستجدّ فكري يستجد دومًا مع الحذر من عبادة المستجد رغم كنهه المبرّر, وبذلك ستتحوّل آثارنا لحداثويّات بالضرورة انبنائيّة منتجة لعناصر تثويريّة يتفجّر بها بطريقة النثر الانفجاري مكوّنات بنيوية تعمل على تخليد نفسها بتفاعلات لا فيزيائيّة لمستقبل يرصدنا منذ كان تلويحًا.