في ظل التطورات الهائلة في الثورة المعلوماتية وثورة الاتصالات الهائلة والسريعة ، تكون مهمة تخصيص دروس ومواد إعلامية للجانب الأمني والعسكري في كليات الاعلام ، خطوة مهمة ، بالرغم من ان دراسات الحرب النفسية في الدراسات الأكاديمية الاعلامية، غطت بعضا منها، لكنها بقيت تدور في العموميات، وكأن (الإعلام الأمني) مادة تثير الريبة والقلق وربما التوجس من إثارة موضوعات تدور حول تلك المهمة الاخيرة من جوانب الاعلام، الا وهو الإعلام الأمني، الذي لم تفرد له الدراسات والبحوث الكثيرة في كليات الاعلام، حيزا متخصصا له، ويكاد الباحث الاعلامي والأمني الدكتور اللواء سعد معن أكثر من خاض غمار تلك التجربة، وحاول ان يضع للمتتبعين لمجالات من هذا النوع، وكان كتابه (الناطق الاعلامي الأمني) ، إحدى ثمار تلك التجارب المتميزة في هذا المجال.
وقد كنت قد اشرت في مقال سابق عن هذا الموضوع الى ان تجربة جديدة في ميادين البحث الأكاديمي الإعلامي الأمني خاض غمارها ، ضابط عسكري برتبة لواء ، وقد حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في مجالات تقترب من مهام الإعلام ، وكان أحد خريجي كلية الإعلام جامعة بغداد، ومن العناصر الشابة المتفتحة المرحة والمثابرة ، وقد أهلته قدراته المعرفية ومهاراته في العمل الأمني ، وبخاصة في وزارة الداخلية، ليكون أحد الراوافد المهمة، لتوضيح مهمة إعلامية ، وهي الناطق الإعلامي الأمني، في كتاب جديد أطل على الساحة الاعلامية العراقية، ليؤكد أن المهمة العسيرة المكلف بها، لم تثنه عن ولوج ميادين البحث الأكاديمي، ويضع بيد أيدي المهتمين بهذا العلم الحيوي : (الناطق الاعلامي الأمني) تجربة ذاتية ، إستخلص منها الدروس والعبر ، لتكون زاده في هذا الكتاب الذي يعد الثامن في مجالات تقترب من الإعلام ومفاهيمه ، وقد نجح المؤلف في تلك التجربة التي خاض غمارها، وحصل على ثناء أكاديميين وأساتذة جامعات وكذلك خبراء ومهتمين في الشأن الأمني.
واشرت في مقال آخر كتبته عن تلك التجربة انه قد توفرت فرصة ، ربما تعد ثمينة ، أمام طلبة الدراسات العليا في كليات الاعلام والمعاهد الأمنية ، لإغناء مهمة (الناطق الاعلامي الأمني) التي وضع اطارها الاكاديمي الأول الدكتور اللواء سعد معن مدير العلاقات والاعلام بوزارة الداخلية والناطق بإسم الوزارة وقيادة عمليات بغداد منذ سنوات ، بعد ان أصدر كتابه القيم (الناطق الاعلامي الأمني..تجربتي الذاتية في مهام المتحدث الاعلامي) والذي يعد أول دراسة أكاديمية أمنية ، تهتم بعرض مهام وسمات ومواصفات من يتولى مهمة خطيرة وهي (الناطق الاعلامي الأمني).
لقد كان كتاب الدكتور اللواء سعد معن (الناطق الاعلامي الأمني..تجربتي الذاتية في مهام المتحدث الاعلامي) تجربة فريدة لابد وانها ستفتح آفاق طلبة الدراسات العليا ضمن أطروحاتهم لتناول موضوع جديد وأصيل، يتعلق بتوضيح مهام ومواصفات وتجارب (الناطق الاعلامي الأمني) بالاستفادة اولا من تلك الدراسة الأكاديمية ومن تجربة الباحث نفسه وخبراته، وتكون مصدرا لهم، والرجل يمتلك تجارب ربما لم يستطع ان يتضمنها كتابه الأخير، لانشغاله بمهامه الادارية والأمنية ومهمة الناطق العسكري الأمني ، وعدم توفر الوقت الكافي ربما ، لكي تظهر تلك الدراسة بحجم أكبر ، لكنها لابد وان تكون قد فتحت الاذهان لكي يقوم طلبة الماجستير والدكتوراه لتكون عناوين أطروحاتهم المستقبلية قريبة منها ، ويكونون قد أغنوا تلك المهمة بمزيد من البحث الاكاديمي، ولابد من ان تعطيهم تجربة كتاب الناطق الإعلامي الأمني الذي صدر قبل فترة عن دار أضواء للدراسات والنشر ، فرصة نادرة لمراكز البحوث الأمني العراقية بشكل خاص والدراسات الاكاديمية الإعلامية بشكل عام ، ليسبروا أغوار تلك المهمة ويغوصوا في اعماقها وتشعباتها ، ويقفوا على مهام ومواصفات تلك المهمة الخطيرة، وستكون دراساتهم في هذا المجال ، فرصة ان يخوضوا غمار العمل الأمني العسكري والاعلامي ، وكيف يوفق من يتولى تلك المهمة بين مهمته الأمنية الحكومية وسبل التعامل مع الرأي العام والاحداث الأمنية المتسارعة وتلك التي لها مخاطر وتأثيرات على الوضع الداخلي، وبخاصة في اوقات الحروب والأزمات وحالات التوتر الأمني والتي شهد العراق خلال اكثر من عقد مضى الكثير من تلك الحالات الطارئة، وهي فرصة امام باحثي الاعلام لكي يلجوا هذا الميدان الحيوي من ميادين البحث الاعلامي وسضعوا له أطرا ومضامين ومواصفات ويزيدوا في عرض المهام والخبرات ، لكي تسهل المهمة امام من يتولى تلك المهمة ، ويضعها كخارطة طريق لعمله المسقبلي.
ويعد كتاب الناطق الاعلامي الأمني..تجربتي الذاتية في مهام المتحدث الاعلامي) باكورة هذا العمل الاعلامي الأمني الأكاديمي ، بالرغم من قلة المصادر والكتب المنهجية التي تناولت هذا المفهوم، الا انه إستطاع ان يواصل المشوار، ويسدل الستار عن تجربته كناطق إعلامي أمني ، في أن يعد كتابا جديدا، يشكل رافدا مهما من روافد الابداع الاعلامي، بعد ان وضع له الإطار ، وحدد سمات ومؤهلات ومواصفات من يتولى مهمة الناطق الاعلامي الأمني، ونجح الرجل في تلك المهمة، أيما نجاح.
وما يسهل على الباحثين في المجال الاعلام الامني خوض تلك التجربة ان الباحث الدكتور سعد معن قد وضع بعد مقدمة الكتاب بابا كرسه لتوضيح المدخل المفاهيمي والنظري لتلك المهمة، مشيرا الى ان الضرورة تقتضي ان يرافق عرض التجارب الذاتية في عمل الناطقية الإعلامية تقديم مدخل مفاهيمي نظري واكاديمي لمهمة ومواصفات الناطق الاعلامي ليكون تمهيدا للتجارب العملية والميدانية المستقبلية.
ويوضح الباحث الدكتور اللواء سعد معن تلك المهمة بأنها التعريف بأخبار ومعلومات واتجاهات وقرارات الحكومة وسياساتها ومواقفها المختلفة عن مختلف القضايا، ولا يخرج الناطق الاعلامي الامني عن تلك المهمة ، وان كان تخصصه في ميدان خاص يتطلب مهارة والمام وخبرات عملياتية في التعبير عن تلك المهمة دون ان يواجه الاحراج، في وقت ينبغي عليه ان يمارس مهمة (التوازن) بين كونه ضابط أمن وبين خبراته الاكاديمية في مواجهة الرأي العام الذي يريد نقل الحقيقة ، وكيف يكون التوفيق بين مهمة ارضاء الحكومة والجهة التي يعمل لحسابها ، وبين اوساط الرأي العام التي تربطه معها علاقات وطيدة ، وهو يريد ان يكون عمله متوازنا يحقق رضا الجميع في كل الاحوال.
وكان الدكتور اللواء سعد معن قد حدد في كتابه (الناطق الإعلامي الأمني) سمات ومواصفات وخصائص من يتولى تلك المهمة على الشكل التالي:
** أن تكون لديه خبرات متراكمة في العمل الامني ، ومن رحم المؤسسة الامنية في المقام الأول.
** أن يكون متسلحا بمعرفة أكاديمية ويفضل أن يكون حاصلا على شهادات عليا في الإعلام وعلى شهادة تخصصية تقترب من مهمته.
** لديه القدرة على ادارة المهمة في كل الظروف والأزمات ، وان يتلافى أي إحراج قد يقع به ، ولديه القدرة على تجاوز المواقف الصعبة ، عندما يريد ان يوصل مهمته الى الرأي العام، أو عندما يعبر عن موقف الجهة الحكومية التي يعمل لحسابها ، بما يتوافق مع توجهات الدولة وان لاتخرج عن توجهاتها وسياقات عملها.
** أن يكون الناطق الاعلامي حاذقا سريع البديهة وقادرا على ايصال الافكار المتجددة، والتواجد في قلب الحدث ونقل وقائعه بكل دقة وامانة بالقدر الذي تسمح به مهمته كما اشرنا في ميادين التوازن بين الجهة التي يعمل لحسابها واوساط الرأي العام .
** أن يهيء بكل دقة وعناية لمرحلة المؤتمرات الصحفية واللقاءات التي يود نقلها الى الجمهور ووسائل الإعلام عن الحدث المطلوب التعبير عنه، وكيف يكون بمقدوره العمل على الحفاظ على رباطة الجأش وان يهديء من روع الجمهور في الاحداث الأمنية المهمة كالإنفجارات وعمليات الاختطاف ومواجهة الجماعات الارهابية ومحاولات الإقتحام ، وكيف يشرح للجمهور الخطة الامنية ويقلل من تداعيات الوضع الأمني ويعرف كيف يعبر عن حجم الخسائر ويقلل قدر امكانه من حجم الخسائر الى الحد الذي يحافظ به على مشاعر الجمهور ويقلل من حالات الرعب والقلق التي ترافق الاحداث الأمنية المرعبة، ويحاول قدر امكانه ان يخلق حالة من الامن والامان ، ويؤكد للحضور أن هناك جهات تلاحق الجريمة ومرتكبيها في عقر دارهم.
** أن يتمتع الناطق الإعلامي الامني بعلاقات واسعة ووطيدة مع عموم الصحفيين والاعلاميين ومع وسائل الاعلام والمراسلين الاجانب ويعزز صلاته معهم، ليكونوا الاداة التي تعمل على تهدئة مشاعر الرعب والخوف لدى الجمهور في حالات وقوع احداث مروعة ومرعبة تتطلب ان يكون الاعلام ناقلا امينا لا محرضا ضد الاجهزة الامنية ، ولا يخفي مسرج الجريمة ولكي لا ينقل الاعلام احداثها ، بعيدا عما هو مسموح له ضمن القوانين المرعية.
** التواجد الميداني في الحدث ساعة وقوعه ، في كل الاوقات في منتصف الليل وقبل الفجر ووقت الظهيرة وفي ايام الحر والمطر والعواصف ، لكي يستطيع التعبير عن مهمته ولتجنب مواجهة مفاجئات عندما يريد التعبير عن مواقف الحكومة والجهة التي يعمل لحسابها ، وبما يشبع نهم الجمهور الطامح لرؤية الحقيقة ومن يحقق له الأمن والامان في الظروف الصعبة.
تحية لكل جهد أكاديمي واعلامي مبدع وخلاق يشكل اضافة نوعية للمكتبة العراقية ، ويعد صدور كتاب اللدكتور اللواء سعد معن في هذه المرحلة ، مدخلا للباحثين مستقبلا ليلجوا علوما من هذا النوع تخدم من يتولى مهاما خطيرة وصعبة مثل مهمة الناطق الاعلامي الأمني ، ولمؤسسة عسكرية وأمنية مهمة، ونجح الرجل في مهمته ، نجاحا باهرا ، ما شكل دافعا للباحثين المبدعين لان يغنوا هذا العنوان والكتاب ومضامينه الفريدة بالمزيد من خبراتهم الأكاديمية والمعرفية.
وأمنياتنا للدكتور اللواء سعد معن مدير العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية ، بعد صدور كتابه الثامن هذا ، بالتوفيق والتألق الدائم ليرفد سفينة الابداع العراقية بما يعلي شأنها ومقامها ، وهو يستحق عن جدارة ارفع المناصب وتؤهله خبراته الميدانية والأكاديمية في الجانبين الاعلامي والأمني لقيادتها بكفاءة واقتدار عاليين في مجال الاعلام الامني المتخصص .