18 ديسمبر، 2024 11:24 م

الليرة التركية /بين التراجع والهشاشة الهيكلية

الليرة التركية /بين التراجع والهشاشة الهيكلية

تراجع حاد في سعر الصرف لليرة التركية أمام الدولار الأمريكي وتلك علامات تدهور الأقتصاد التركي والهشاشة الهيكلية لعملتها المتهالكة اليوم ، والحقيقة أن القلق ليس أنخفاض مستوىات سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية وأنّما في (تذبذب) سعر صرفها وعدم أستقرارهِا عند مستوى محدد صعوداً أو هبوطاً ، ولا يمكن للسلطة الأردوغانية تغطيتها بغربال وهذه الأزمة النقدية والمالية ليست وليدة الأضطهاد الأمريكي كما يدعي أردوغان وحزبهُ الأخواني المتطرف هدفهُ كسب ود الداخل بصبغة دينية ملوثة بالديماغوجية حيث قال : ( أذا كانوا يملكون الدولارات فنحنُ لنا رحمة الله ) فتلك الأزمة قديمة ترجع إلى أتباع الأدارة التركية من توجهات خاطئة مميتة على المستويين الداخلي والخارجي في السياستين الأقتصادية والسياسية وخاصة في السنوات الأخيرة ، فنداءات أردوغان للشعب التركي بدعم الليرة الراقدة سريرياً مسألة مثيرة للتهكم والشفقة .
معطيات الأزمة /أرقام مرعبة لتدهور الليرة التركية بتراجع سعر صرفها أمام الدولار إلى ما يقارب نصف سعر صرفها الرسمي مقابل العملات الأجنبية الصعبة الدولار والفرنك واليورو برقم 79-4 ليرة للدولار وكانت تصريحات أردوغان الأخيرة دفعت الليرة إلى المزيد من التدحرج المخيف إلى مستوى قياسي مقابل الدولار في المعاملات الدولية لتصل إلى 9767-4 ، الحجم الكبير للدين الخارجي والداخلي ؟ أختلال الموازين التجارية التركية ، تراجع القوّة الشرائية للعملة التركية ، أزدياد معدلات التضخم لتصل إلى 14 % ، التراجع النسبي في عرض وطلب الأستثمار ، الأجراءات الأمريكية في مضاعفة الرسوم الكمركية الأمريكية على البضائع التركية خصوصاً على الصلب بنسبة 50% والألمنيوم 20% ، خسارة قيمة الليرة التركية بنحو 40% في العام الحالي 2018 ، تعثر الأستثمارات وشلل في تدوير الدين الخارجي وتمحورت المشكلة حول نفسها لتخلق أزمة أقتصادية مستديمة التوجه في الأستثمارات التركية التي ترتكز على الأغلب على القطاع الخاص التي تنجذب مرغمة بأتجاه المديونية الخارجية الذي يجعل دور الحكومة شائكاً وصعباً يضاف إلى تفاقم المشكلة الأقتصادية ، تنامي سكان تركيا بشكلٍ ملفت للنظر حين كان عدد السكان 5-27 مليون نسمة عام 1960 أصبح 7- 80 مليون نسمة عام 2017 ، أضطرار الحكومة إلى الأستدانة الداخلية وبالعملة الصعبة لحل مشكلة ميزان المدفوعات أنتجت تداعيات خطرة في أستنفاذ أحتياطي الغطاء في البنك المركزي .
الأسباب / أنخفاض الأهتمام النسبي للزراعة في 55% عام 1960 إلى 10% عام 2003 متأثرة بأتجاه تعبوي أقتصادي معولم بالتحوّلْ إلى الصناعة التحويلية والخدمات ، عجز ميزان المدفوعات متأثرة بالمديونية الخارجية مما دفع بسعر الصرف في سبعينيات القرن الماضي بحيث تعرضت الليرة التركية لحلولٍ عبثية عشوائية في رفع ثلاثة أصفار لتقويته أمام العملات الأجنبية فكان عاملاً مضافاً للتضخم النقدي ، وبتأثير الأنفتاح التجاري تعرض السوق التركي إلى الأغراق الأستيرادي الذي فاق معدلات التصدير الخارجي ، لا تقتصر الأستثمارات الأجنبية في تركيا إلى الأستثمار المباشر بل شراء الأجانب للأسهم والسندات التركية ، أرتفاع أسعار النفط لأن تركيا تستورد 90% من أستهلاكها النفطي وتعتبر تلك فاتورة ثقيلة في خانة المدفوعات الأقتصادية في تركيا ، أحجام وتردد البنك الدولي في الأقراض لغياب الضمان الأقتصادي التركي الآيل للنكوص في الآونة الأخيرة وحتى الأقراض سيكون بمحدوديات متدنية وبشروط قسرية مؤثرة على المؤسسات الأقتصادية والخدمية والمعيشية للشعب التركي ، فوبيا من الوضع الأقتصادي الآيل إلى النكوص دفعت رؤوس الأموال أن تددفق إلى الخارج والذي يؤثر حتما على موجودات البنك المركزي في دعم الليرة التركية ، التضخم النقدي الذي يؤدي إلى زيادة العجز في الميزان التجاري وأرتفاع الأسعار وخصوصاً أرتفاع أسعار الوقود الخاضعة للأستيراد ، تدخل أردوغان في السيطرة على مقومات السياستين المالية والنقدية وفي معظم السياسات النقدية بعد أن وصل إلى رئاسة الدولة أصدر قراراً في عزل محافظ البنك المركزي التركي الخبير في الأمور النقدية والمصرفية وعدم الألتزام بفترة الخمس سنوات للمحافظ وأسناد حقيبة المالية لصهره ( بيرات البيرق ) وهنا تبين لي وبقناعتي الشخصية أن ( أن هبوط الليرة ليس بسبب أقتصادي وحدهُ بل هذا الذي جرى في تركيا بسبب تصرفات اردوغان الكيفية والفردية مما يؤيد هذه القناعة هو تقارير البنك الدولي ووكالات التصنيف الأئتماني حول الأقتصاد التركي ( مسيسة ) أذ لو كان غير أردوغان لتغيرت الأمور لأن التحليل العاطفي غلب التحليل الأقتصادي العلمي ، أن الأجراءات التي أتخذتها الحكومة والبنك المركزي في رفع معدلات الفائدة إلى 75-17% وسعر الفائدة على القروض 25- 19%وطرح سندات حكومية فهي مجرد مسكنات لدعم سعر الصرف لليرة التركية وليست حلولاً جذرية ،أضافة إلى كونها من علامات شحة السيولة النقدية ، وأن دين القطاع الخاص يبلغ حوالي 18-17%من الناتج المحلي الأجمالي ، الأزمات السياسية الداخلية للمعارضة التركية وعسكرة المجتمع التركي وأدارة الأزمات بعقلية عسكرية في معاقبة صارمة للعساكر والمدنيين بتهمة تأييد ذلك ألأنقلاب الفاشل وعدم تمكن أردوغان من تصفير مشاكل تركيا مع دول الجوارالعراق وسوريا والمعالجة القمعية للقضية الكرديةPKK التي باتت حرب أستنزاف للأقتصاد التركي المتعب في الآونة الأخيرة ، سياسة أستعباد الشعوب بنهج عنصري في ثقافة الأقليات القومية تحت ظل سياسة الأخونة التي ثبتت فشلها في عموم العالم العربي ، خسائر كبيرة جراء دعم أردوغان للأرهاب الدولي ، أضافة إلى عدم أستيعاب العقوبات الأمريكية عليها ربما تؤثر على أقتصاديات روسيا والصين وأيران وتركيا ولكن تشكل لدى تركيا عاملا سيئا مضافا إلى مجمل الأسباب التي دفعت الليرة التركية إلى الهبوط الحاد في الآونة الأخيرة .