يهل علينا فجر عيد الغدير, والذي يمثل العيد الاكبر للمسلمين, ففيه اكتمل الدين ونزلت الآية الاخيرة من القران ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) -3- سورة المائدة, بعد ان نصب الرسول الاعظم (ص) الامام علي وصيا وخليفة من بعده في غدير خم, وبنص حديث الغدير الوارد في جميع كتب وصحاح المسلمين على اختلاف مدارسهم الفقهية والفكرية, فالاحتفال بعيد الغدير هو استذكار للقيم السامية والمبادئ الانسانية العظيمة, ودعوة الامة للعمل بسيرة النبي ووصيه وليس مجرد احتفال لتبادل التهاني, بل هو دعوة للانطلاق كي يصبح الانسان حرا, من قيود الكذب والنفاق والرذيلة, فالإنسان الحر هو من كان بسلوكه محمدي علوي.
ويمكن لنا ان ننظر للغدير من زوايا متعدة كلها تعطينا ثمار عظيمة, ومن هذه الزوايا المهمة:
اولا: من زاوية تاريخية
نقرأه بان حدث تاريخي حصل قبل اكثر من الف واربعمائة سنة, بعد رجوع النبي (ص) من حجة الوداع في مكان يدعى بغدير خم, وهو مكان مفترق الطرق المؤدي الى المدينة المنورة والعراق والشام ومصر, وبالتحديد في اليوم الثامن عشر من ذي حجة, وكان حاضرا اكثر من مائة الف مسلم بحسب الروايات التي ذكرت في الصحاح, قبل ان يتفرقوا نحو مدنهم, حيث طلب النبي الخاتم من التجمع لأمر هام حتى من تقم طلب الرسول الخاتم ان يستدعوه, ومن تأخر طلب ان يستعجلوه للحضور, وهذا يدلل على اهمية الامر الذي يريد ان يفصح الرسول عنه.
وحديث الغدير يبدأ بتساؤل مهم من قبل الرسول الاعظم (ص) حيث يخاطب الجمع الغفير في غدير خم مخاطبا: ” ألست اولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى.” حيث دل السؤال بأسلوب تقرير الحال, على بالغ الاهتمام, مع اهتمامه للإفصاح عن ما في الصدور لان الموقف كان حاسما, ثم تقول الرواية:” وقد اخذ بضبعي الامام علي فرفعهما حتى رئي بياض ابطيهما وقال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه, اللهم وال من والاه, وعاد من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله”.
فالكلام واضح لا يحتاج للشرح والتفسير, فهو يوم تنصيب الامام علي (ع) بشكل رسمي اماما للامة وخليفة للرسول الاعظم (ص), وقد بايع كل من الجمع حضر من المسلمين الامام علي (ع), كما تواتر الحديث ومن كل الفرق الاسلامية.
وهكذا نزلت الآية تتحدث عن اكمال الدين, وتربطه بإعلان البيعة من قبل المسلمين للأمام علي (ع).
ثانيا: من زاوية فكرية
يمكن التذكير ببعض الآيات التي تضع قواعد اساسية للمسلمين ومنها: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ”-24- الانفال. فعلى كل من يؤمن بالرسول محمد (ص) ان يلتزم بهذا النص, والا عد مخالف للآيات القرآنية التي تدعو المسلمين لطاعة اوامر الرسول, فالذي يعصي اوامر الله ورسوله بشكل متعمد تصور معي اين ادخل نفسه.
هنالك الكثير من الآيات القرآنية التي لو طبقتها على قصة غدير خم, تكتشف امرا عظيم, ومنها الآية “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ” -59- سورة النساء.
فهنا امر اللهي بطاعة وربطت بين الطاعة وبين الايمان بالله ويوم القيامة, فبعد ان ربط الايمان بالطاعة, عندها يمكن القول بان العاصي لأمر الله ورسوله هو برتبة الكفر بالله وبيوم القيامة! فلا تنسجم الطاعة مع عصيان الله ورسوله.
فهذه دروس ومنهج من يوم الغدير للامة الاسلامية كي تستفيد من اكمال الدين, ولا تجعله منقوصا فالولاية هي شرط الاكتمال.