خاص: إعداد- سماح عادل
“حنا مينه” روائي سوري، ولد في مدينة اللاذقية 1924، ويعد أحد كبار كتاب الرواية العربية، وتتميز رواياته بالواقعية.
حياته..
عاش “حنا مينه” طفولته في إحدى قرى لواء الاسكندرون على الساحل السوري، وفي عام 1939عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية. كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب. اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي أحيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للإذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي.
الكتابة..
البداية الأدبية كانت متواضعة، تدرج في كتابة العرائض للحكومة ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة. أرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق، وبعد استقلال سوريا أخذ يبحث عن عمل وفي عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الإنشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها.
كتب الروايات والقصص والتي زادت على 30 رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة. منها عدة روايات خصصها للبحر الذي عشقه وأحبه، كتب القصص القصيرة في البداية في الأربعينات من القرن العشرين ونشرها في صحف دمشقية كان يراسلها، أولى رواياته الطويلة التي كتبها كانت (المصابيح الزرق) في عام1954 وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، ويذكر أن الكثير من روايات “حنا مينه” تحولت إلى أفلام سينمائية سورية ومسلسلات تلفزيونية.
تربص الصهيونية..
في حوار معه أجراه “ماجد رشيد العويد” يقول “حنا مينه”عن الرواية العربية: ” الرواية العربية نهضت بصخرة سيزيف إلى مكانها في الأعلى، حيث استقرت في محليتها والعالمية، وهذه الرواية، التي قلت عنها في عام 1982، بشهادة الناقد محمد دكروب في كتابه “حوارات وأحاديث” مع حنا مينه، إنها ستكون ديوان العرب في القرن الواحد والعشرين، قد كانت ديوان العرب في القرن العشرين نفسه، وتحول الجميع إلى كتابة الرواية، هذا الفن الصعب، حتى أن أدونيس وسعدي يوسف وغيرهما، من الشعراء الكبار، أعلنوا أنهم سيكتبون الرواية، لذلك بت أشعر بالذنب لأنني قلت ما قلته حول الرواية وصيرورتها ديوان العرب..لقد ترجمت روايات نجيب محفوظ، أحد مؤسسي الرواية العربية، إلى لغات كثيرة، بعد نيله جائزة نوبل بجدارة، وقد رشحني، مشكوراً، إلى هذه الجائزة فور تلقيها، لكنني ما باليت، ولن أبالي، بالجوائز، إنما علي أن ألاحظ، هنا، أن رواية، أو روايتين، أو ثلاث، لا تصنع عالماً روائياً، وأزعم، وقد أكون على خطأ، أن هناك اثنين صنعا هذا العالم الروائي، هما نجيب محفوظ وحنا مينه، بصرف النظر عن المحتوى والسوية الفنية، اللذين من حق النقاد أن يعطوا رأياً فيهما، فقد أعطى نجيب محفوظ للرواية العربية الكثير، وأعطيت أنا للرواية العربية ثلاثين رواية، وهناك روايات جاهزة، وروايات تحت الطبع، وروايات لم ير أبطالها النور بعد، وقد ترجمت رواياتي إلى ما يزيد عن سبع عشرة لغة، منها الفرنسية والإيطالية والإسبانية، والإنكليزية والروسية والفارسية وغيرها، مثل الألمانية والتشيكية والأوزبكية، ولغات بعض الجمهوريات السوفيتية سابقاً، وفازت روايتي “الشراع والعاصفة” عام 1993 بجائزة أفضل رواية ترجمت إلى الإيطالية، ودعيت لتسلم الجائزة لكنني اعتذرت بسبب المشاغل”.
ويؤكد: “هل هذا للمباهاة؟ لا! بل هو للتأكيد، أن الرواية العربية تخطت محليتها إلى العالمية، لكنها لم تبلغ ما بلغته رواية أمريكا اللاتينية من الانتشار الواسع بعد، والسبب أن رواية أمريكا اللاتينية لا تضار منها الصهيونية في شيء، بينما الرواية العربية تؤذي الصهيونية، وتفضحها كحركة عنصرية نازية، لذلك تتربص بها، وتحول دون ترجمتها وانتشارها، بما تملك، الصهيونية، من قوة في الإعلام، وسيطرة على الأجهزة الثقافية في أوربا وأمريكا والعدد الكبير من بلدان الغرب ورغم هذا فإن الرواية العربية، لروائيين عرب كثيرين، قد اخترقت الحصار الصهيوني، وهي تترجم إلى اللغات الحية في خط بياني متصاعد، عاماً بعد عام.. ولقد قلت وأكرر، أن أدب الرواية رحب، وهو يتسع للجميع، ولكل من يكتب رواية، وهم كثر، ولكل من تحول إليها مجرباً، أو تجاوز التجريب، فمن هذا الكم سيكون النوع، ولعله أن يكون، مستقبلاً، النوع الأرقى، الذي يخترق جدار الصوت، ولعل غزارة الإنتاج، بالنسبة لكل روائي عربي، تؤدي إلى ما أرغب، وهو أن يكون له عالم روائي متكامل في المقبل من الأعوام، سواء كان إبراهيم الكوني أو غيره، شريطة المثابرة، وعدم تقطع النَفَس، والخروج من الموضوعات البائخة التي لاكتها السينما العربية، والمسلسلات العربية المنهمرة علينا كالحجارة من كل صوب.. إنني إلى جانب أن يغلي الدم الساخن لدى الكاتب عندما يكتب، وأنا إلى جانب أن يشحب وجهه بالحقد الدفين على العدو حينما يكتب عنه، وأن يضحك الكاتب ويبكي سوية مع البطل الذي يحبه، والعزيز على نفسه.. هذا يعني أن يتخلى من يريدون كتابة الرواية عن سريرهم الوثير، ومقعدهم المريح، أن ينزلوا إلى دنيا الناس، إلى السوق كما قال عمر فاخوري، أن يتخلوا عن أبراجهم العاجية، أن يغامروا في البحر والبر، أن يكافحوا لأن الحياة كفاح، بداية ونهاية، أن يعرفوا جيداً البيئات التي يلتقطون منها أحداث رواياتهم، أن يكونوا جريئين في تمزيق ما كتبوه ليلاً، إذا لم يرضهم عندما يتفحصونه نهاراً، أن يتركوا التجريد الفكري البحت، أقصد التجريد الذهني، الذي يؤدي بهم إلى تناول فكرة مجردة، من صنع خيالهم ولا أساس لها في الواقع المعيش، ويعمدوا بعد ذلك، إلى إلباسها ثوب الحدث، وإكساء شخصياتها الخرق البالية، فالقارئ ذكي، ويكتشف اللعبة الذهنية البحتة، بأسرع مما يتصورون.. إنني لست ضد التجريد، على ألا يكون وحده المعوّل عليه، في كتابة الرواية، التي هي حكاية حياة، ومعمار فني أصيل”.
الشمس في يوم غائم..
وعن رقصة الخنجر في روايته “الشمس في يوم غائم” يبين “حنا مينه”: “رقصة الخنجر في روايتي “الشمس في يوم غائم” هي ضد الظلم والفساد تماماً، وقد دق الراقص بقدميه الأرض “ابنة الكلب النائمة” كي تستيقظ، على نحو ما علمه المحرّض الثوري عازف العود، ولا علاقة لها بإثبات الوجود، أو امتحان للعلاقة بين الفتى الراقص وأبيه، إلا من حيث أن هذا الأب يسكن القصور، وأن ابنه الذي علمه الخياط أن ينحاز إلى ساكني الأكواخ، وأن يعبر عن ذلك بدق الأرض النائمة وقد فعل، وفي ختام الرواية يتضح أن الابن، التنين الصغير، لم يستطع مقاومة والده، التنين الكبير، وانهزم أمامه في المواجهة، فسقطت الظلمة بينهما.. إن هذه الرواية، التي تلعب فيها الأسطورة دوراً أساسياً، أكبر من أن تلخص أحداثها، ومدلولاتها، ونتائجها، في مقابلة صحفية، وقد كتبت الرواية وهزيمة حزيران 1967 تمضغها الأفواه، ومن العنوان الذي هو نبوءة، يتبين أن الشمس، التي هي في يوم غائم، سينقشع عنها الغيم، وتعود إلى السطوع، وهذا ما حدث فعلاً في حرب تشرين 1973، الحرب المجيدة التي كان فيها النصر مضموناً للعرب، لولا ثغرة الدفرسوار في الجبهة الجنوبية، وخيانة السادات الذي اعترف أنه أراد من هذه الحرب “تحريكاً لا تحريراً”، لذلك أوقف متعمداً القوات المصرية البطلة، التي حطمت خط بارليف الإسرائيلي، عن الزحف لتحرير سيناء كلها، وقد أفادت إسرائيل من هذا التوقف، فسحبت دباباتها ومدرعاتها من الجبهة الجنوبية، وزجت بها في الجبهة الشمالية ضد سوريا، التي اجتازت قواتها، ببطولة نادرة، الخندق الإسرائيلي وحررت، بما يشبه المعجزة، مرصد جبل الشيخ، ووصلت إلى بحيرة طبريا، وهذا كله مفصل، وبتوثيق، في روايتي المرصد”.
وداعة البحر..
وعن البحر يحكي “حنا مينه”: “البحر، دون تشوف، هو أنا في سكينته وفي عصفه، وهو أنا في وداعته وشراسته، وكذلك في كرمه الذي يأبى المقابل، وفي عطائه الذي لا ينتظر الشكر من أحد، فالذي يعطي ويرجو شيئاً مقابل عطائه نذل، والذي من شيمه الكرم، ويتوقع جزاء من وراء هذه الشيمة فاسد، ماء البحر المالح، هو العبرات في عيون اليتامى، هذه التي تكون مالحة إلى حد لا يصدق، وهذا الماء المالح، هو دمي الذي يجري في شراييني، وقد أحببت البحر إلى درجة الجنون، وأحبني هو أيضاَ، وفي لجته تعمّدت لا في نهر الأردن، وأمام مداه اللامتناه، أقف متأملاً خاشعاً، ذاهباً إلى ما وراء الأفق، حيث تشرق الشمس أو تغيب، كل صباح وكل مساء، تداعبني أمنية أن أرحل، على متنه، فوق طوافة من خشب، تأخذني بعيداً، بعيداً، إلى عوالم مجهولة، قد لا أعود منها أبداً.. تريدون معرفة البحر؟ ابحثوا عنه في رواياتي، لا في الأدب العربي القديم أو في الأدب العربي الحديث، فهما، قديماً وحديثاً، ليس فيهما ما يسمى “أدب بحر”. معي وحدي كان البحر بحراً، في ثماني روايات عن هذا الأزرق الواسع، لذلك أسموني “أديب البحر” وأنا كذلك، شاء الحساد أو كرهوا!”.
وفاته..
توفي “حنا مينه” 21 أغسطس 2018 عن عمر يناهز 94 عاما.