17 نوفمبر، 2024 11:27 م
Search
Close this search box.

كوميــــديا…. الصمت الغريب

كوميــــديا…. الصمت الغريب

( القاعة مظلمة بحيث لا تستبان حدودها ولا يمكن تمييز المقاعد فيها وفيما إذا كانت مشغولة أو فارغة أو إن الجمهور نيام في هذه المقاعد تحت وطأة هذا الظلام الثقيل أو إنهم صاحون يتابعون الأحداث ويتفاعلون معها، والمسرح مضاء بدائرة ضوء ضيقة القطر تتابع الممثل في تنقله وحركاته على المسرح إقتصاداً بالطاقة الكهربائية التي تضخها مولدة حجم 8 كي. ﭬﯥ.بسبب غياب (الوطنية). صمت غريب يهيمن على قاعة العرض. أربعة ممثلون نحيفون طوال القامة يرتدي الأول اللون الأسود والثاني اللون الأحمر والثالث اللون الأبيض والرابع اللون الأخضر، يتحركون على خشبة المسرح، يحمل  ويعلق كل واحد منهم على جانبه الأيسر ثلاث نجمات خماسية خضراء تتدلى بخيط الواحدة تلو الأخرى حتى لتكاد تلامس الأرض ،كما يرفع كل منهم بيده اليمنى لافتة مستطيلة بيضاء كتب عليها عبارة : الله أكبر باللون الأخضر البرّاق)
الشخص 1 :
  – خمسة أعوام مرت على إحتلال العراق
الشخص2 :
– خمسة أعوام مرت.. والعراق يرزح تحت أبشع أنواع الإحتلال التي لم تعرفها الأمم والشعوب ..!!
الشخص 3 :
– خمسة أعوام مرت.. والحكومات وليدة الإحتلال تتعثر بأذيالها وتتخبط يمنة ويسرة وفوق وتحت ولا تدري ماذا تفعل بهذا العراق الذي تورطت في إسقاط دولته وحل أنظمته الأمنية ومؤسساته الحكومية دون أن تكون لها ( خارطة طريق )تستهدي بها لإعادة بناء الدولة العراقية الجديدة كما يدّعون !!
الشخص 4:
– خمسة أعوام مرت على هذا الشعب المنكوب ولم يحصد من زرعِ الحكومات المتعاقبة على إذلاله سوى التخريب والدمار والموت الذي توغل دون رادع إلى البيوت المغلقة الأبواب ليحصد الأرواح التي كانت تأمل التحرر من الخوف والإستعباد الذين عاشتهما عبر كل الأنظمة التي مرت على العراق والتي كانت وما زالت تستهين بالشعب وتضحك عليه ..!!
الشخص 1 :
– خمسة أعوام مرت (يتلفت يمنة ويسرة ) والأحزاب والحركات السياسية تعيش نفاقاً فيما بينها وصراعاً ليس من أجل هذا الشعب الذي تدعي إنها تعاونت مع الأجنبي لتحريره من الظلم والدكتاتورية وإنما من أجل مصالحها الخاصة ومنافعها الشخصية، وحتى تلك التي تتباكى على هذا الشعب وتتمرغ بتراب الوطنية فإنها تضع قدماً داخل السلطة وقدماً خارجها منتظرة ميل كفة الميزان لتذهب بإتجاهِ رجوحِ الكفَّةِ !! والمعارضة( يقهقه بصوت عالٍ ) المعارضة صامته ..لا تحرِّكُ ساكناً ولا ترفعُ فاعلاً ولا تكسرُ مجرور .. بعيدة عن موقع الحدث و( تُعْرِبُهُ حَسْبَ ما قَبْلِهِ أو تفتحه للتخلص من إلتقاء الساكنين) ؛ تكتفي بالتصريحات مدفوعة الثمن على الفضائيات التي تتاجر بالعراق ( السلعة الإعلامية) وتكتفي بما تنشره على صفحات الجرائد والمجلات ومواقع الإنترنيت وهم خارج العراق وفي مأمن من يد السلطة وبطشها !! ( يجلس الممثلون على خشبة المسرح بحيث تترتب ألوانهم أحمر ثم أبيض ثم أخضر ثم أسود ، يضعون رؤوسهم بين أيديهم وركبهم ، صمت رهيب يسيطر على القاعة
صوت 1 :
– خمسة أعوام ..وهذا الشعب صامت .. هادئٌ .. مستكين ..!!
صوت 2 ، الشاعر:
” إذاً.. وقفتُ على الشطآنِ أسألها       يا دجلة الخير ، أهلُ الخيرِ ما فعلوا؟”
” أما يزالون في عالي مرابضهم ؟     أم من ذراها إلى قيعانهــا نزلـــــوا؟ “
(ينهض الممثلون وصوت الممثل الأول المتوجس والمستغرب يخاطب نفسه):
– صمت غريب يطبق على هذا الشعب الذي لم يصمت سابقاً بحيث لا تهزه الأحداث ولا تستفزه المصائب التي تحيق به ؛ لا الموت ، لا الجثث المنتشرة في الشوارع وعلى الأرصفة ، لا الخوف الذي يحيط به أينما تحرك وإنتقل ، لا المداهمات ، لا الإعتقالات، ولا توقف الحياة ومستلزماتها في كل مدنه ولخمسةِ أعوامٍ كاملاتٍ..!!
الشخص 2 :
– ألم تكفه اعوام الحصار الإثناعشر والتي تجرع فيها الأمرّين قانعاً بالشيء اليسير لكي تبقى الدولة العراقية وليس السلطة وتصمد لتجتاز تلك الأزمة !!
فماذا جرى لهذا الشعب الذي عودنا عدم الإستكانة لمعتدٍ آثمٍ أو لمحتلٍ غاصبٍ أو لحاكم ظالمٍ !!؟
الشخص 3:
– أهو الخوف الذي زُرِعَ  في قلوب العراقيين ( يتلفت يمنة ويسرة مرة أخرى) ولا زال يملأ الصدور والقلوب ويحيل العراقيين إلى شياهٍ تنتظر سوقها إلى ( المسلخ) !!
الشخص  4 :
– أم هو التخلي عن حقوق المواطنة والإنتماء إلى الوطن بسبب ما تعرض اليه هذا الشعب من خيبة مريرة بعد الإحتلال وتسلط القوى العميلة على رقاب الشعب ، والتي لم تخدم سوى أغراضها وأغراض المعتدي وإنتماءآتها الطائفية والإقليمية والعنصرية وتلك المتربصة التي تنتظر الفرصة المواتية لتحقق مآربها ومخططاتها !!
صوت 3 :
– وها هي الذكرى الخامسة للإحتلال تمر وكأن شيئاً لم يحدث في العراق ..!!
صوت 2 الشاعر :
” لاهم يلوحون،لا أصواتهم تصلُ        لا الدار،لا الجار،لا السمار،لا الأهلُ “
الصوت 1 :
– حتى في دولة الغاصب المحتل تظاهر الأمريكيون بهذه المناسبة إحتجاجاً على الحرب على العراق وعلى إستمرارها وإعتقل الكثير منهم ، والعراقيون لا زالوا نياماً .. ساكنين سكون الموتى وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد !!
صوت 2  الشاعر :
” فأيُّ صائحِ موتٍ صاح في وطني “
الصوت 2 :
– هاهي الذكرى الأليمة تمر علينا للمرة الرابعة وسط فشل ذريع على كل الأصعدة للسلطة الحاكمة ، فماذا أعددنا لإستقبالها ؟؟
صوت مواطن 1 :
– يمعوَّد .. إحنا ياهو مالتنه..!! يِصْطِفون مع بعضهم ..!!
صوت مواطن 2 :
– خلّي نُسْتُر على أنفسنه .. ونبقه بعيدين عن السلطة !!
صوت مواطن 3- :
– نريد الأمان فقط.. وفروا لنا الأمان ..!!
صوت مواطن 3 :
– يمعودين.. جِزْنَهْ من العنب .. إنريد سَلَّتْنَة !!
صوت 1 :
– أهذا الذي أعددناه لإستقبال الذكرى الرابعة لإحتلال بلدنا ..؟؟ هل تستكين هذه الأرض وتبقى صامتة دون حراك:
صوت 3 الشاعر :
” وكيفَ وفيها كماةُ الرجالِ    أخوهُمْ أخٌ..وأبوهُم أبُ “
يعلو فجأة الشخير .. تضاء القاعة ، يظهر الجمهور نائماً في المقاعد والممثلون وحدهم على خشبة المسرح مستغربين :
صوت المغني :
” ناموا وعين الصبِّ ليس تنامُ        للهِ ما فعلت بنا الأيامُ “
صوت أمٍّ عراقية لم تنمْ:
– دللول يا شعب بحضني تربيت  أو عدوك غريب وساكن البيت
( يتناول الممثلون كل واحد منهم زوج من الصنوج ويقرعه بقوة في آنٍ واحدٍ ويصرخون بصوت واحدٍ ):
– إصحَ يا شعب .. ها هو العام الخامس على إحتلال العراق يمر وأنتم نيام.. تأكلون في نومكم .. تتزاوجون وأنتم نيام وتمارسون ( العلاقات الحميمة) في غفوتكم ..!! وتتكاثرون لتسدوا النقص في الأرواح التي تزهق كل يوم..!! فما بالكم أيها العراقيون !!؟
يعلو صوت فيروز هادراً في القاعة:
” الغضب الساطع آتٍ… وأنا كلّي إيمان “
” الغضب الساطع آتٍ… سأمرُّ على الأحزان “
” من كل طريق .. آتٍ “
” بجياد الرهبة آتٍ “
ينتشر الصوت خارج القاعة ، تمتلئ به الساحات والشوارع ، يستفيق الجمهور ، يركض خارج القاعة وكل منهم يحمل علم العراق مرددين بصوت واحد بلا طيفٍ:
” الغضب الساطع آتٍ .. آتٍ “
تبقى الستارة مفتوحة وينزل الممثلون إلى القاعة وهم يرتدون العلم العراقي بنجماته الخضر الثلاث التي تمتد على الصدر وبينهما عبارة ” ألله أكبر” ثم يلحقون بالجمهور  وهم يرددون :
” الغضب الساطع آتٍ .. آتٍ “

* نشرت هذه المقالة في شهر آذار عام 2008 .. اجد ان من المناسب إعادة نشرها تماشيا مع إستفاقة العراقيين من غفوتهم التي استغرقت  تسعة أعوام !!

أحدث المقالات