الأمن حاجة أساسيّة ومطلبا ضروريا يجب توفيرها وإشباعها من أجل استقرار المجتمع وتطوره وتنميته ، إلاّ أنّه عندما يتجاوز هذا الإشباع حدوده الطبيعية و المعقولة والضرورية فإنّه قد يصبح نقمة بل كارثة على البلاد كون الأمن يُعدّ من القطاعات الخدماتيّة غير المنتجة ،فإنّه يعتبر عبئا ثقيلا على بقية القطاعات المنتجة وهكذا يتجلّى حجم الكارثة حيث أنّ ما يتبقى من الموازنة بالكاد يكفي لتسيير مرافق الدولة المتبقية، بلد تعداده (30مليون نسمه وعدد البالغين لايتجاوز12مليون) إلاّ أنّ عدد رجال الشرطه فيه (تجاوز المليون مع احتساب امن كردستان) اي بنسبة (1ـ10من البالغين) ولقد أدّت هذه التخمة الأمنيّة بهذا البلد إلى اثاركارثيّة وستلحق ضررا كبيرا حتى بالاجيال القادمه، وبلغة الأرقام وإذا علمنا بأنّ موازنة وزارة الداخليه لوحدها (للسنوات من عام 2006 ولغايه عام 2013 بلغت خمسه واربعون مليارا ومائه وخمسون مليون دولارانفق خلال السنوات مامجموعه سبعة وعشرون ملياراوسبعمائة مليون دولار اما تخصيصات عام 2013ثمانيه مليارات ومائه مليون دولار ) هذا عداموازنة الوزارات الاخرى المعنيه بالامن كالدفاع والامن الوطني والمخابرات واذا تم احتسابها بشكل دقيق فانها تشكل ربع ميزانيه الدوله العراقية تنفق على الامن .
ولكن دوائر الشرطة العراقيه تعمل بمعزل عن هذه المعطيات، واخفقت الداخليه بتنفيذ المشاريع التي لها علاقه بخدمة المواطن (كمشروع نظام البطاقة الوطنية الموحده و شبكه معلومات مرورية وتحديث نظم التسجيل الجنائي وانشاء قاعده بيانات عن الاحوال المدنية وقاعده بيانات الاقامة) اما الانظمه والمشاريع التي لها علاقه بتطوير ادارات الشرطه (كشبكه الاتصالات والمختبرات الجنائيه والتقنيات الرقميه تكاد تكون معدومه) ولم يتم اندماج الشرطة مع التكنولوجيا التي تم إنشاؤها أو تكييفها لاحتياجاتهم”، تقنيات الشرطة التي يتم استخدامها في أداء مهامها لها اهداف نبيلة: حماية الحياة، وحماية المواطنين، وكشف الجرائم، والتواصل مع المواطنين والشرطة فيما بينهم وإنفاذ حركة المرور، واستغلت قيادات الشرطة بالعالم التكنولوجيا باستخدام التقنيات الرقميه للادله الجنائيه والمراقبة بالكاميرا واستغلال البرامج المعلوماتية في تحليل المعطيات وتأمين شبكات الاتصال وحماية البنيه التحتيه من الاعتداءات والهجمات الإرهابية.
الأمن يكون ناجحا ومقبولا لدى المواطنين بمدى امتلاك عناصره للكفاءة المهنية ، وللقدرة على التواصل وعلى فرض احترام القانون بمقاربة مندمجة في إطار مكافحة الجريمة واجتثاث جذورها تحقيقا لأمن وسلامة المواطنين٬ وذلك من خلال
( تعزيز الجانب الميداني الوقائي وليس المتعسكر مع ضمان انفتاحها على العلوم والتقنيات المستجدة وتسخيرها لفائدة البحث الجنائي)، وجميع أجهزة العدالة الجنائية كان لها تقليديا بعلاقات أقرب إلى العلم والتكنولوجيا، بان تكون الموارد العلمية في المقام الأول إلى مساعدة في كشف الجرائم الخطيرة ، بدلا من المساعدة في حل المشاكل العامة للشرطة وبعثره جهدها ،
الخلاصة
أن العراق بأمس الحاجة إلى اتباع سياسة أمنية جديدة والى (قوى امن داخلي حقيقي) وفق قاعدة الكفاءة والمهنية تتوافق مع الموارد المهولة التي تعادل ميزانية بعض الدول المجاورة، لان الوضع السياسي المعقد في العراق أفرز قيادات تخوض غمار العمل الأمني لا تمتلك مؤهلات قيادية، حيث اصبحوا يحظون بامتيازات اقتصادية بسخاء ودون حساب وكلها امتيازات كلفت الشعب العراقي ثمنا كبيرا، نظرا لاستمرار مجموعة من المنتفعين بإثقال كاهل الشعب الذي يؤدي كلفة الامتيازات التي تمنح لهم دون حسيب ولا رقيب ،اصبحت هناك ضرورة للإصلاح والتغيير، رغم أن الكثير من المؤشرات تدعو إلى تنحيتهم حاليا، والواضح ان جميع الموارد المالية والبشرية متوفره الاان هناك اساءه لاستثمارها.