في وقت كان العالم يحاول نزع فتيل المشكلات الكثيرة الناجمة عن تداعيات الحرب العالمية الثانية، نجح الكورد بقيادة الخالد مصطفى البارزاني في (16/آب/ 1946)، في تأسيس حزب سياسي اْجاد اْداء الرسالة بالإعتماد على رجال يصدقون القول ويحسنون العمل، وبشخصيات مهيبة السمعة تتميز بالثقة والاحترام، فإمتلك المصداقية والهيبة وتأييد الجماهير.
كان تأسيس هذا الحزب، في تلك المرحلة، ضرورةً وأمراً في غاية الاهمّية، بل تحولاً على الصعيد التاريخي. وخطوة في الاتجاه الصحيح، خصوصاً إنه وفي زمن قياسي، إستطاع بلورة سياسة شاملة تجاه الكورد في المنطقة كلّها، وتحمل المسؤولية العظيمة والثقيلة في الحالات المستعصية المليئة بالمصالح وتشابكاتها وتاْثيراتها على الارض.
تولى زمام اْمور الكوردستانيين واْسدى الكثير من الخدمات والمساعدات والنصح والتوجيه للمتطلعين للحرية والهدوء والاستقرار في كوردستان والعراق والمنطقة. مشى وسط حقول الألغام نحو هدف لم يكن الطريق اليه سهلاً بل كان طويلاً ومفعماً بالدماء والمشاق. وكان دائماً عنواناً للمحبة والتسامح والحوار وقبول الاخر والتعايش بين القوميات والأديان، ومحاربة العنصرية والتعصب بكل أشكاله وعدم التحريض على إنتهاج العنف والكراهية.
حاول تغيير العقلية الحاكمة في بغداد وذلك من أجل ان يكون العراق لكل العراقيين، ورفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، ولكن بغداد لم تستطع الاستجابة لطلباته ونداءاته، وفي ذروة نضاله المسلح كان يمد يد العون والمحبة والمودة لأبناء العراق من غير الكورد، واستطاع تحويل قرى وقصبات كوردستان الى مأوى وقاعدة يلجأ إليها أحرار العراق. وبعد إنتفاضة آذار 1991 وفوزه في أولى الإنتخابات البرلمانية التي جرت في الإقليم، رفع شعار الفدرالية.
بعد تحرير العراق في العام 2003، سعى إلى إرساء النظام الديمقراطي البرلماني الفدرالي في العراق وفق مناهج علمية، وبطرق سلمية وديمقراطية مستوحاة من تجارب الحركة التحررية الكوردية والتراث الوطني والنضالي للبارزاني الخالد. وعمل على إيجاد الحلول المناسبة لحل القضايا العالقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية وفق الدستور، وضمان الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن وإعادة كافة المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان وفق الآليات الواردة في المادة 140 من دستور العراق الاتحادي.
فاز بالمرتبة الأولى في جميع الإنتخابات التي جرت في كوردستان، وفي الإنتخابات التي جرت في 12 آيار الماضي، كان الأول على كوردستان والعراق، وفوزه بالأكثرية كان أمراً متوقعاً بالنسبة للكوردستانيين، وكذلك للآخرين الذين يراقبون وضع الإقليم، فمسيرته الطويلة وإنجازاته التي إرتكزت على الأولويات المهمة والخبرة والعمل الجاد والإدارة الناهضة، وتاريخه النضالي وإنتهاجه مساراً حكيماً في التعامل مع مختلف الأطياف من قوميات وإثنيات التي تعيش على ارض كوردستان، منحوه الأحقية في قيادة الإقليم ورسم سياسته ورعاية مصالحه، ودفعت الناخب الكوردستاني لأختياره والتصويت له..
اليوم ونحن نستذكر يوم تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي يعتبر رمزاً للنجاح الكوردستاني، لابد من القول أن المنطقة برمتها تعيش في مرحلة عدم اليقين، والظروف الحالية في كوردستان والعراق والمنطقة، مليئة بالهموم والتنازع والتعقيد، ولاتختلف كثيراً عن ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا من حيث الزمان والمكان واللاعبين والأسباب، وربما ستكون تداعياتها أخطر من تداعيات تلك الحرب التي شدت رحالها. لذلك لابد من تناول الأمور بوعي ورؤية واقعية واضحة، والتصرف بعقلانية، والبحث الموضوعي والعلمي عن الممكنات في السياسة والتوفيق بين الواقع وبين الطموح، وتفعيل القدرات والإمكانات والسير بها حتى الوصول الى بر الأمان.