23 ديسمبر، 2024 11:38 ص

تحول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى قاعدة الاساس التي تدور حولها الازمات العراقية وبات “الناس” منقسمين الى قسمين يحمل كل منهما انقساماته وتشظياته بداخله لكنه موحد لهدف مؤقت هو مواجهة المالكي تماما مثل الفريق الثاني الذي يحاول ان يخفي تشظياته ايضا لاسباب مصلحية ووطنية وطائفية، متخذا موقفا جازما بالانحياز الى المالكي.

ان قراءة متأنية لازمة الحكم في العراق على مدى السنوات العشر الماضية، وما افرزته من مشاريع وبرامج سياسية، ومواقف مضادة، تؤشر وصفا جمعيا عاما للمواقف الراهنة من المالكي، الذي يحمّل الان مسؤولية شق “الصف العراقي” والدفع بالامور الى شفير الحرب على اكثر من جبهة. حيث لا يملك المراقب الا التعامل مع صورة ان المواقف التي تلتقي على تناقضها على رفض المالكي هي في الواقع موقف جمعي من مشروع بناء الدولة، وليس من المالكي نفسه الذي جاء لرئاسة الوزراء بصفقة ترضيات، ممكن ان تتكرر في اية لحظة، خاصة وان جميع الفرقاء لا يخفون اهدافهم المصلحية والطائفية.

لقد حفلت مسيرة حكم المالكي خلال السنوات السبع الماضية بالكثير من الاخطاء وايضا بالكثير من النجاحات اهمها على الاطلاق ان هذا الرجل انتشل العراق من هاوية الحرب الاهلية الطائفية، وقاد سفينة الدولة الى بر الامان. واكتشف من كل ما جرى ان مشكلة العراق تكمن في غياب الدولة ليس فقط في عصر الفوضى وانما على العقود الثلاثة الاخيرة التي تحولت خلالها الدولة الى مجر عباءة يتذكرها القابضون على مقاليد الامور في المناسبات، لذلك شرع ومنذ منتصف ولايته الاولى بمشروع واضح المعالم لبناء دولة وهو مشروع رغم ولادته العسيرة والتعقيدات التي رافقته الا انني اعده من انضج المحاولات التي جرت بهذا الشأن منذ تأسيس الدولة العراقية، لانه ببساطة كان اكثر واقعية ولم يحاول القفز على متناقضات الواقع العراقي مثلما فعلت محاولات العهد الملكي والمحاولة الجمهورية الوحيدة ونقصد بها محاولة عبدالحمن البزاز منتصف ستينات القرن الماضي.

ومن هنا بدأت “مشكلة” المالكي مع فرقاء العملية السياسية، اي من لحظة الشروع بطرح مشروع بناء الدولة، حيث كان المالكي قبلها يحظى بدعم سياسي واسع في من قبل الشيعة والكرد على الاقل.

لقد جمع الموقف المضاد لمشروع المالكي في بناء الدولة النقائض في جبهة واحدة ليس القصد منها المالكي نفسه كما تفيد الشعارات المرفوعة اليوم وانما المقصود الحقيقي كما اسلفنا، هو مشروع الدولة، ذلك ان الخلافات او التقاطعات الحادة بين قطاب هذه الجبهة تكشف بوضوح انها، جبهة مصالح، موحدة ومتجمعة بوحدة المشروع وليس النوايا الحقيقة لاطرافها، فمن يصدق مثلا ان يجتمع بعض انصار القاعدة وبعض القوى الشيعية في جبهة واحدة، او ينخرط الكرد والصدريون او السنة في الموصل والحزب الديمقراطي الكردستاني، في هذه الجبهة؟ التي مازال كل طرف فيها، يضمر اهدافه الحقيقية في الخوف من مشروع بناء الدولة. وهي اهداف يمكن اجمالها بثلاث فئات اولها الفئة التي تريد استمرار عصر “اللادولة” لانها تشعر الّا مكان لها في ظل دولة قانون قوية ومستقرة ونامية، حيث اقامت هذه الفئة “امبراطوريتها” في عصر الفوضى الامريكي لكن فشلت في ايجاد مشروع واضح لهذه ” الامبراطورية”، فاصبحت مع مرور الوقت اقرب الى مشروع “فرانكشتاين” غير منسجم حتى مع نفسه، وهي بطبيعة الحال تريد ان تعيش لاطول فترة ممكنة، اما الفئة الثانية فهي تشعر انها فشلت في استثمار عصر الفوضى لتحقيق طموحتها التي باتت تخرج من اطارها السياسي الى الاطار ” القومي المقدس”، وبالتالي فان هذه الفئة لن تسمح ببناء دولة قبل ان تحقق طموحاتها التي تعتقد انها اذا لم تتحقق الان فلن تتحقق في اي وقت اخر. وهناك فئة ثالثة لا تريد ان تبنى الدولة العراقية بهذه التركيبة السياسية التي تعتقد انها تسلبها حقها التأريخي المكتسب في حكم العراق، وهي طوال السنوات العشر الماضية لم تستطع هضم فكرة بناء دولة يكون لها فيها دور ثانوي، مدفوعة بذلك من بعض القوى الاقليمية والتي حرصت ومازالت تحرص على تعطيل استقرار العراق لاسباب سياسية واقتصادية، قبل كل شيء.

ان الانقسام على صخرة هذا المشروع الذي مازال عليلا مثل كل مشاريعنا، مرشح للتفاقم وانتاج المزيد من الثمار المرة، لانه تحد كبير لن يمر بسهولة، فضلا عن ان الكيانات الطفيلية التي نبتت في المشهد العراقي خلال السنوات الماضية، تطورت واصبح لها اسنان ومعاول تتفوق في قوتها وتأثيرها احيانا على ادوات الدولة في الدفاع عن نفسها، بالمقابل مازال “مشروع الدولة” نفسه، يعاني الكثير من النواقص في التخطيط والتنفيذ والخطاب، ومازالت بعض مفاصله تدار بواسطة هواة وادعياء مهنية في تخصصاتهم او مهامهم الوظيفية، ما يسلتزم وقفة جادة من قبل المالكي وبعض المخلصين والمهنيين في ادارته لاعادة تقييم ما تحقق، وتشخيص الاخطاء والاخفاقات، واتخاذ معالجات حقيقية وناجعة، حتى وان كانت مؤلمة، لاعادة دفعة قوية لهذا المشروع الذي يبدو انه بات طوق النجاة الاخير للعراق.