جميل جدا ماتعلمناه في صغرنا، ان الوحدة والتكاتف يفضيان الى الفلاح والنجاح في حياتنا. والأجمل الذي تعلمناه، ان يكون ذاك التكاتف في ظروفنا كافة، سواء أكانت عصيبة أم لم تكن كذلك!. إذ علمنا معلمونا أن نضع أيدينا بأيدي زملائنا التلاميذ عندما نخرج في الـ (فرصة) الى ساحة المدرسة، وهم بذلك يقصدون تعويدنا على الوئام والسلام والألفة فيما بيننا، فهم يدركون أننا (وكّح) ودرءًا لوقوع مشاكل وحبا لنشر المحبة بيننا، كانوا يشددون على تحلينا بمظاهر التوادد والتحابّ دائما.
اليوم وقد كبرنا، وكبر عقلنا، وكبرت اهتماماتنا وازدادت تشعبا، كما ازدادت مسؤولياتنا وثقلت أعباء لم نكن نحمل منها شيئا، ولم نكن نشعر بوجودها، وقطعا تولدت مقابل هذا متاعب ومشاكل، لم تكن بحسباننا، وظهر في حياتنا أعداء في لباس أصدقاء، يتحتم علينا الوقوف أمام مايرسمونه لنا ومايخططون للنيل منا بشكل أو بآخر، وهنا صار لزاما علينا التمسك أكثر بما تعلمناه في دروس التكاتف والتآزر، إذ آن الأوان ان نطبق وصية معن بن زائدة لأولاده حين أنشدهم:
كونوا جميعاً يابني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً
وإذا افترقـن تكسرت أفرادا
وما أحوجنا نحن العراقيين اليوم الى مثل هذه الخلائق والشمائل والسمات التي ان اجتمعت فينا، وترجمناها الى أفعال نستند على قوتها ونتكئ عليها تغلبنا على عدونا، ودرأنا مخاطر قد تصيب منا مقتلا.
ولعلنا اليوم نواجه عدوا جديدا، لايقل ضراوة عن ذاك الذي ظهر قبل سنوات أربع، فقد كان الأخير عدوا لايستهان بقوته التي يستمدها من مكره وخداعه، ووحشيته في كثير من طباعه بل جميعها، إذ لم يكن يتوانى عن قتل الطفل والمرأة والشيخ، ولا يأبه في حرق الزرع والضرع وهدم ما بناه الأجداد والأحفاد من تراث وآثار. وهو بهذا سلك سلوك هولاكو وجنكيزخان، وباقي الظلمة والفجار الذين سرد لنا التاريخ أفعالهم الدموية، وما كانوا يقومون به بدم بارد.
يجدر بنا إذن، بعد ماحدث ومايحدث اليوم، ان نستثمر ماعلمنا إياه معلمونا، في كيفية التصدي للعدو الجديد، كما تصدينا للقديم، مع اختلافهما نوعا وشكلا وتسليحا وزمانا ومكانا، غير أن التأثير في الإثنين سيئ بل قاتل. وكما علمنا معلمونا في الصغر وضع أيدينا بأيدي زملائنا في (ساحة المدرسة) علينا اليوم وضع أيدينا بأيدي أخواننا من أبناء بلدنا ومعيتنا في ساحات العمل، سواء أخاصا كان أم عاما!.
إن مشروع بناء الصرح -صرح البلد- سيشارك فيه الجميع، وبغير الجميع لن يكون هناك بناء، لاسيما أن بعضا من هذا الجميع سيأتي ساحة العمل ومعول الهدم بيده، وقد نذر نفسه للهدم أولا وللهدم ثانيا، أما ثالثا ورابعا وعاشرا، فهي للهدم أيضا، أولئك هم السياسيون المتصارعون المتسابقون المتبارون ليس لخدمة البلاد والعباد، بل لنيل المآرب الخاصة والمنافع الفئوية والشخصية، وهم أنفسهم الذين تسنموا مفاتيح حكم البلاد بثرواته وخيراته منذ زوال النظام السابق، وحصل ماحصل على أيديهم من تقهقر أحوال البلاد كافة، وانزلاقه في واد لازرع فيه ولاضرع ولاأمان ولاجير ولابسامير.
إن من غير المعقول مطلقا استمرار زمام الأمور بأيدي هؤلاء -أو بنسخهم طبق الأصل- سنوات أربع أخريات، إذ حينها لن نلوم رئيس وزراء حالي ولا سابق ولا حتى صدام، اللوم كل اللوم سيقع علينا جميعا، إن فسحنا لمن نعرف مكرهم جيدا، وندرك غايتهم تمام الإدراك، المجال لحكمنا والتسلط على خيرات بلادنا مرة أخرى، فساعتها نكون تحت طائلة المشمولين بالمثل: (ودع البزون شحمة) وسيحق فينا المثل: (اللي من ايده الله يزيده).