قد يكون “العبادي” ضحيته .. تصدع العلاقات بين طهران وبغداد بسبب عقوبات “ترامب” !

قد يكون “العبادي” ضحيته .. تصدع العلاقات بين طهران وبغداد بسبب عقوبات “ترامب” !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

يبدو أن الأمر بدأ يأخذ منحى آخر بين “العراق” و”إيران” بسبب تصريحات رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”، الخاصة بإلتزامه بـ”العقوبات الأميركية” على إيران، لذلك أكد “العبادي”، الأحد 12 آب/أغسطس 2018، رفضه للتفسيرات الخاطئة والمسيسة لموقف “العراق” الرسمي إزاء فرض عقوبات ضد “إيران”، مشددًا على أهمية الحفاظ على العلاقات المميزة بين “بغداد” و”طهران”.

وذكر بيان لمكتب رئيس الوزراء العراقي: “ترأس رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، الدكتور حيدر العبادي، اجتماع المجلس الوزاري للأمن الوطني”، متابعًا: “فيما يخص العلاقات بين جمهورية العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فقد جرى التأكيد على عمق العلاقات بين البلدين والمصالح الكبيرة التي تربط بينهما وأهمية الحفاظ عليها”.

رفض التفسيرات المسيسة..

وأضاف البيان: “يرفض المجلس التفسيرات الخاطئة والتصريحات المسيسة لموقف العراق الرسمي، الذي أدان سياسة تجويع الشعوب، والذي عبر عنه رئيس الوزراء”.

وتابع: “يؤكد المجلس على أهمية الحفاظ على العلاقات المميزة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.

الموقف نابع من المصلحة العراقية..

وحاول المتحدث باسم مكتب رئيس الحكومة ​العراقية، “​سعد الحديثي”،​ الدفاع عن الموقف العراقي، قائلاً: أن “موقف العراق تجاه العقوبات الأميركية المفروضة على ​إيران​، نابع من المصلحة العراقية العامة”.

وأشار “الحديثي”، في تصريح له، إلى أن “موقف العراق تجاه هذه العقوبات لم يكن إرتجاليًا أو متسرعًا، بل خضع لدراسة وحسابات تخص مصلحة العراق والعراقيين، ولم يكن فيه أي تأثر بمواقف دول أخرى أو أحزاب سياسية معينة”، ذاكرًا أن “​الحكومة العراقية​ لا يمكنها إتخاذ أي موقف يمكنه أن لا يتوافق مع مصالح الشعب العراقي، وبالتالي الإلتزام بالعقوبات الأميركية على إيران جاء من هذه المصلحة”.

وتجدر الإشارة إلى أن “العبادي” كان قد أعلن أن “العراق لا يتعاطف مع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، لكنه سيلتزم بها لحماية مصالحه”.

العبادي” يلغي زيارة لطهران..

إلا أن ما يحدث يبدو عكس ذلك؛ فيبدو أن قرار “العبادي” بتطبيق “العقوات الأميركية” على إيران؛ قد يعكر صفو علاقته مع “طهران”.

فبعد أن أعلن مسؤول حكومي عراقي؛ أن “العبادي” سيزور “أنقرة”، الاثنين، و”طهران”، الأربعاء، لبحث العلاقات الاقتصادية بين البلدين على ضوء العقوبات التي أعادت “الولايات المتحدة” فرضها على “إيران”، في 7 آب/أغسطس الحالي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول آخر، أن رئيس الوزراء العراقي سيزور “أنقرة” فقط، مضيفًا: أن “السلطات الإيرانية أصرّت على قيام العبادي بهذه الزيارة دون تكامل الإعداد المسبق لها”.

كما سارع مسؤولون إيرانيون بنفي الأنباء عن هذه الزيارة؛ ليعود مكتب “العبادي” ويعلن أنه سيزور “أنقرة” فقط.

بدوره؛ قال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الإيرانية، “برهم قاسمي”، لوكالة (إيسنا) شبه الرسمية: “ليس لدينا أي معلومات عن مثل هذه الزيارة”.

وبينما برر مسؤولون عراقيون التغيير بإزدحام جدول أعمال رئيس الحكومة، أكدت مصادر دبلوماسية نقيض ذلك مرجعة السبب إلى استياء المسؤولين الإيرانيين من موقفه تجاه العقوبات.

هجوم إيراني على “العبادي”..

الاستياء الإيراني من موقف “العبادي” عبّر عنه بصراحة، “مجتبى الحسيني”، ممثل المرشد الإيراني “علي خامنئي” لدى العراق، الذي قال، في بيان، إن تصريحات العبادي “اللامسؤولة” بشأن الإلتزام بالعقوبات “لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرفة” لإيران. وأضاف: “نأسف على موقفه هذا (…) إنه يعبّر عن إنهزامه تجاه أميركا”. وكان “العبادي” قد قال إن العقوبات الأميركية “خطأ إستراتيجي، لكننا نلتزم بها”، ولقى موقف “العبادي” انتقادات من فصائل وحركات عراقية مدعومة من إيران.

في الأثناء؛ أفادت مصادر صحافية مقربة من “الحرس الثوري” الإيراني، أن حظوط “العبادي” لرئاسة الحكومة تراجعت بسبب موقفه المناهض لإيران.

وتقدمت أسهم مرشحين آخرين، أبرزهم مستشار الأمن الوطني، “فالح الفياض”، و”طارق نجم”، القيادي في “حزب الدعوة الإسلامية”، و”هادي العامري”؛ زعيم “قائمة الفتح”، التي تضم فصائل “الحشد الشعبي”، و”عادل عبدالمهدي”؛ القيادي السابق في “المجلس الأعلى الإسلامي” ووزير النفط الأسبق.

وبغداد متحالفة مع واشنطن في الحرب، التي أعلنت أنها انتهت أواخر عام 2017، ضد الجهاديين، ومع طهران، القوة الإقليمية الحاضرة بقوة في الشؤون السياسية العراقية.

العراق ثان أكبر مستورد..

العراق ثاني أكبر مستورد للمنتجات الإيرانية بمعزل عن المحروقات، وبلغ مجموع ما استورده العام الماضي نحو 6 مليارات دولار.

كما تعتمد المحافظات العراقية، المتاخمة لإيران، إلى حد كبير على الجمهورية الإسلامية لتزويدها بالكهرباء.

وكان الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، قد أعلن يوم 8 آيار/مايو الماضي، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي واستئناف العمل بكافة العقوبات التي تم تعليقها نتيجة التوصل إلى هذه الصفقة.

وسيتم تجديد العقوبات ضد حيازة “إيران” لسندات الدولار، والعقوبات المفروضة على تجارة الذهب والمعادن الثمينة، وعقوبات ضد بيع إيران “الغرافيت”، و”الألومنيوم”، و”الصلب”، و”الفحم” و”البرمجيات” للإنتاج، وعقوبات على استحواذ العملة الإيرانية والديون السيادية، إضافة إلى إعادة الحظر مرة أخرى لاستيراد “السجاد الإيراني” والمنتجات الغذائية إلى الولايات المتحدة.

إيران ستلجأ للتحايل..

وحول قدرة “العراق” على تنفيذ القرار الإميركي؛ قال المتخصص في القانون الدولي، الدكتور “علي التميمي”: “إن العقوبات الأميركية التي فرضت على إيران لم تصدر من مجلس الأمن، وإنما قرار أميركي، ولا أعتقد باستطاعة العراق ضبط الحدود الطويلة التي تربطه بإيران، وشاهدنا ذلك في العقوبات السابقة التي فرضت على إيران، حيث لم يتم ضبط الحدود معها؛ لا فيما يخص العملة ولا فيما يتعلق بتجارة البضائع. ومعروف بالعرف الدولي عندما يفرض حصار على دولة ما، فإنه يتم استثناء السلع والبضائع التي تخص حياة الناس، لكن هذه العقوبات لم تستثن هذا الأمر، كما أن العراق لديه مشكلة في الزراعة والصناعة، وكان على العراق أن يطلب استثناء السلع والبضائع الإيرانية من العقوبات، لكن وبكل الأحوال فإن العقوبات دائمًا ما تخترق، حيث تلجأ الدولة المحاصرة إلى أساليب أخرى، وإيران اعتادت على هذا الموضوع، لذا لا أعتقد أنها سوف تتأثر بشكل كبير في هذه العقوبات”.

العراق سيتأثر بالعقوبات الأميركية..

تابع “التميمي”: “العراق سوف يتأثر بالعقوبات الأميركية على إيران، فعملية دخول البضائع الإيرانية سوف لن تكون سهلة كالسابق، كما أن الأسعار ستكون مرتفعة، وبالتالي سنكون أمام ارتفاع في أسعار السوق بناء على عملية العرض والطلب، وربما سيلجأ العراق إلى الاعتماد على دول أخرى كالأردن وتركيا والسعودية، وبكل الأحوال سترتفع الأسعار، لذا كان على العراق أن يطلب استثناء السلع الإيرانية من العقوبات، وكان على الولايات المتحدة التركيز على موضوع السلاح في قضية العقوبات وتترك موضوع البضائع”.

يحاول مسك العصا من المنتصف..

وأضاف “التميمي”: “العراق ضد العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، لكن كما قال رئيس الوزراء العراقي فإنه مرغم على الإلتزام بها لمصلحة الوطن، فهو لا يريد أن تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات على العراق إذا لم يلتزم بالقرار الأميركي ضد طهران، مع أنه يحاول مسك العصا من الوسط، كون للعراق علاقات تاريخية مع إيران، كما أن هناك ردود أفعال قوية من جهات مؤيدة لإيران تجاه إلتزام الحكومة بالقرار الأميركي ضد إيران، وربما سوف تشتد ردود الأفعال الداخلية الرافضة لتوجه الحكومة العراقية”.

موقف بغداد صعب جدًا على المستويين السياسي والاقتصادي..

من جانبه؛ قال الخبير السياسي العراقي، “إبراهيم السراجي”، إن إلتزام “بغداد” بـ”العقوبات الأميركية” المفروضة على “إيران” و”تركيا” سيوقع ضررًا كبيرًا على الاقتصاد العراقي، مشددًا على أن موقف “بغداد”، في ظل هذه العقوبات الصارمة، صعب جدًا على المستويين السياسي والاقتصادي.

وذكر “السراجي”: إن “العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وتركيا ستؤثر بشكل سلبي كبير على العراق، فحجم التبادل التجاري بين بغداد وطهران يفوق 13 مليار دولار سنويًا، ناهيك عن وجود شركات وتجهيزات إيرانية في مجال النفط، والغاز، والغاز المسال، والإمداد الكهربائي لغالبية المحافظات”.

وأضاف “السراجي”:: “في حال إلتزم العراق بالعقوبات الأميركية، (وهو الموقف الرسمي المعلن)، فإن اقتصاده سيتضرر بشكل كبير جدًا، بالإضافة إلى أن البضائع الإيرانية، والتركية تمثل ثلثي السوق العراقية”، موضحًا: “يمكن أن تحدث أزمة غذائية على سبيل المثال في المحافظات خاصة الجنوبية، وهذا سينعكس بشكل سلبي جدًا على الحياة اليومية للمواطنين”.

وأوضح الخبير السياسي: أن “العراق في موقف صعب جدًا”، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء، “حيدر العبادي” صرح، قبل أيام، بأن “بغداد” ستلتزم بالعقوبات، وعلى الجانب الآخر هناك كتل كبيرة وأحزاب سياسية ضد هذه العقوبات، وتعتقد أنها ستؤدي لتجويع الشعب العراقي أيضًا، وليس فقط الإيراني.

العبادي” في موقف حرج..

وعن موقف الحكومة العراقية من الإلتزام بـ”العقوبات الأميركية”، قال “السراجي”: “العبادي قال إنه سيلتزم، وهناك اتفاقيات سياسية واقتصادية بين بغداد وواشنطن، فالعبادي الآن في موقف حرج جدًا، هناك ضرر كبير جدًا سيقع على الاقتصاد العراقي، ولا يوجد لدى بغداد بديل عن التعاون مع إيران، وأيضًا فإن الدعم الأمني الإيراني الكبير للقوات العراقية، خاصة الحشد الشعبي، سيتأثر، وسيؤثر على سير العمليات الأمنية والعسكرية”.

وأوضح “السراجي”: “من جانب آخر فإن تصريحاته أثارت تحفظًا إيرانيًا، فقد اعتبرته طهران غدرًا بها؛ وهي التي قدمت الكثير للشعب العراقي خاصة في حربه ضد تنظيم (داعش) الإرهابي”.

لا يمكن للعراق الوقوف ضد أميركا..

وأشار الخبير السياسي إلى أنه بالتأكيد لا يمكن للعراق أن يقف ضد الإدارة الأميركية وحيدًا، ولا يستطيع “العبادي”، أو غيره، أن يقول إنه لن يلتزم بالقرارات الأميركية، متابعًا: “الإيرادات النفطية للعراق توضع في حسابات بالبنوك الأميركية، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية تعرف كيف تعاقب العراق على أي تعامل مع إيران، أو كسر للحصار الذي فرضته ضدها”.

ولفت “السراجي” إلى أن “موقف الحكومة العراقية ضعيف جدًا، فلا تستطيع أن تقول لا للإدارة الأميركية، وأيضًا موقفها صعب جدًا مع إيران، والجانب الأميركي سيصر على إلتزام العراق الكامل بقرارات حصار إيران، مع العلم بأن إيران ستخرج من هذا الحصار، فنحو 80% من نفطها يباع لدول لا تعترف بالقرارات الأميركية مثل كوريا الشمالية، والصين، والهند، وغيرها”.

وعن الاختلاف الذي نشهده اليوم في ظل الضغوط الأميركية عما كانت عليه قبل رفع العقوبات بعد توقيع الاتفاق النووي، في تموز/يوليو 2015، قال “السراجي”: “لم تكن العقوبات قبل 2015 مثل اليوم، فالتحفظ الأميركي الكبير والضغط من جانب شركاء الولايات المتحدة؛ مثل إسرائيل، والسعودية، ودول الخليج على إيران كبير جدًا، الولايات المتحدة لم تطلب من العراق قبل 2015 الإلتزام بالعقوبات”.

مضيفًا: أنه “لم يغير العراق سياسته الاقتصادية، ولم تجبره العقوبات على ذلك قبل 2015، والآن سيلتزم، بالإضافة إلى أن الإدارة الأميركية الآن أدرجت مصرف البلاد الذي يديره، آراس حبيب، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، على لائحة الإرهاب، لتعاملاته الكبيرة مع إيران، وللمرة الأولى يدرجه البنك المركزي العراقي على القائمة السوداء، ويحرمه من هذه التعاملات، لذلك الوضع الآن مختلف تمامًا”.

بدائل التعاون الاقتصادي..

عن بدائل التعاون التجاري والاقتصادي المطروحة أمام “العراق”، يرى “السراجي”: “سمعنا أن الولايات المتحدة اقترحت على الحكومة التعامل مع السعودية مثلاً كبديل عن إيران في السوق العراقية، ولكن هذا يحتاج لفترة من الزمن، ناهيك عن الرفض الشعبي للبضائع السعودية، ومنع شرائها من قبل بعض الحكومات المحلية، (خاصة محافظات الجنوب)، التي رفضت دخول البضائع السعودية إليها، فلا يوجد لدينا بديل حقيقي عن إيران، وأيضًا في مجال الربط الكهربائي، فإيران أكبر مورد لمحطات الكهرباء، ومواد تشغيل المولدات الكهربائية”.

وقال السراجي: “لا يمكن للسعودية أو الدول الأخرى أن تكون بديلاً فوريًا لإيران في العراق، ولا يمكن قطع البضائع الإيرانية بين ليلة وضحاها”.

وعن إمكانية تغير موقف “العراق” من إلتزامه بالقرارات الأميركية حال تغير رئيس الحكومة مستقبلاً، أكد “السراجي” على أن “التأثير الأميركي على صناعة رئيس الوزراء، أو على الأقل إعطاء تعليمات لرئيس الوزراء كبير جدًا، ولا أعتقد أنه يمكن لأي رئيس وزراء، حتى لو تغير العبادي، أن يتخذ قرارات ضد الإرادة الأميركية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة