18 ديسمبر، 2024 8:24 م

غفلة الساسة عن المنهج الاقتصادي للأمام علي – ع

غفلة الساسة عن المنهج الاقتصادي للأمام علي – ع

انتشر الفقر والظلم في الامة, وظهرت البرجوازية بأبشع صورها, طبقة القلة المتنعمة بكل شيء والاف من ابناء الامة وهي تفتقد كل شيء! كأن الامة على شفا بركان يغلي, حتى جاء عام 35 للهجرة لتتاح الفرصة, كي يحصل انفراج للامة من حالة التيه التي هي بها, ولكن لفترة زمنية قصيرة, ولكن لازم هذه الفترة فتن وحروب كبيرة, قد اشعلها الرافضين لإصلاحات الامام علي, وخصوصا الاصلاحات الاقتصادية والتي تمثلت بقراره الاول بالمساواة بالعطاء, وقد اخذت الحروب جهد الامام والزمن المتاح, لكن مع هذا فلقد حقق انجازات اقتصادية غير مسبوقة, وبقيت الى اليوم مثال للإنسانية.

يمكن وصف تجربة الامام علي الاقتصادية بالفريدة في التاريخ الانساني, حيث طبق الامام علي افكاره الاقتصادية, النابعة من صميم الاسلام المحمدي في المجتمع, فانتقل بالاقتصاد من الطبقية في التوزيع, وشيوع حالة الفقر, والفوضى الاقتصادية, الى حالة جديدة يمكن وصفها اولا بالعدل في توزيع العطاء, ثم رفع قيمة التكافل الاجتماعي, الى حد تم فيه تقليص حالة الفقر, وهذا يقودنا لنتيجة ان أي حاكم يمكنه وخلال اربع سنوات ان يقفز بحال شعبه لو اخلص النية وتمسك بمنهج علي.

وقد اهتم الامام علي عليه السلام بثلاث محاور في سبيل معالجة الازمة الاقتصادية وهي:

اولا: محاربة الفقر بشكل عملي. وليس مجرد شعار.

ثانيا: الادارة الناجحة للثروة

ثالثا: الرقابة الفعالة والمستمرة

فالمتتبع لتلك الفترة التاريخية يتعجب من حالة الانتعاش الاقتصادي التي حصلت في ظرف زمني قصير جدا, حتى قال عنها الباحثين والمستشرقون بانها “اصلاحات علي”, لكونها غيرت الحياة الاقتصادية للدولة الاسلامية, فتم تقليص الفقر الى حد النفي, والذي حاربه الامام علي منذ اليوم الاول لتسلمه منصب الخلافة, ويبدو ان الامام علي لم يحارب الفقر اقتصاديا فقط, بل على كافة المستويات ( الثقافي, النفسي, العلمي,…), فقد وصف الجهل العلمي والثقافي بانه فقرا, حيث يقول الامام علي “لا فقر أشد من الجهل, ووصف الجشع وعدم القبول بما يصل اليه بالفقر النفسي الذي يصعب ازالته حيث قال: “مجاوزتك ما يكفيك فقر لا منتهى له”, وهذا هو داء اليوم في بلدنا, وبسببه انتشر الفساد وفسدت القيم وحل الخراب اين ما حللت.

فكان ينشط الامام علي في عملية هدم الفقر وعلى كل مستوياته, وخصوصا الفقر الاقتصادي, لأنه يعطل الانسان ويحرفه عن المسار الذي وجد من اجله, فكان قراره في الغاء عدم المساواة في العطاء, والتي طبقت طيلة 25 عاما, فكانت خطوة كبيرة وان تسببت لاحقا بحرب الجمل وصفين, لكنه الحق ونصرة المظلوم والامام علي لا يهادن في الحق والحقوق, فكانت العودة للسلوك المحمدي في المساواة بالعطاء باب مهم لتحقيق العدل, والوصول الى التوازن الطبقي وتقليص الفقر.

وقد اهتم الامام علي في الجانب الرقابي كثيرا, لان مع غياب الرقابة الفعالة ينتشر الفساد, ويموت أي برنامج اصلاحي, كما حصل مع كل الحكومات العراقية, والتي قتلت الجانب الرقابي لتفسد على طول الخط, فكان الامام علي يراقب الولاة مراقبة مركزة, فان وصله خبر استغلال للمنصب, فكان لا يتأخر في عزله ومحاسبته, الكل سواسيه امامه لا تؤخر حسابه اسم العائلة او مكانة الشخص, فلكي يتحقق العدل يجب ان لا يتواجد اشخاص فوق القانون, وان تمحى الواسطة والمحسوبية, وان تلغى امتيازات الاحزاب وزبانيتها, وهكذا يحفظ النظام الاقتصادي من زلزال الفساد المدمر.

الحاضر يكشف لنا حقيقة محزنة وهي ابتعاد الساسة واحزاب السلطة عن منهج الامام علي, وهذا الفرار من منهج علي يعود لأسباب كثيرة منها: ضيق فكرهم, والانانية المطبقة عليهم, والغباء النادر لبعضهم, حيث غاب عنهم تماما وطيلة 15 عام أي خطوة للاستقرار الاقتصادي او محاربة الفقر, فسيرته واضحة الدلالة في الحد من الفقر, فالأمام علي يعلم الاجيال ما على الحكام ان يفعلوه كي يحققوا الاستقرار الاقتصادي للبلد, ويمحو الفقر كمفردة من حياة المجتمع, وهي ثلاثة نقاط: اولا في محاربة الفقر عبر العدل في التوزيع, والثاني الادارة الناجحة لثروة الامة, بحيث تتكاثر الاموال فلا تفرغ الخزينة, وثالثا الرقابة الفعالة لأموال الدولة.

فيا ايتها الطبقة السياسية ويا احزاب السلطة التي تدعي التدين والزهد, متى تتبعون سيرة الامام علي ابن ابي طالب ؟