كتبت هذه المقالة عام 1997، أي قبل أكثر من عقدين، في وقت كنت أؤمن فيه بإلهية الدين، إلا أني كنت أحاول أن أؤوله تأويلا عقليا، وعقلانيا، وإنسانيا، وكان ذلك بالضبط في بداية تأسيسي لما أسميته بـ«تأصيل مرجعية العقل» كمنهج خاص بي لفهمي، وتدريسي لمادة العقائد فيما يسمى بالحوزة العلمية. ثم راجعتها بعد تحولي التحولات الثلاث التالية، ألا هي «المذهب الظني»، ثم «التفكيك بين الدين والإيمان»، وأخيرا «عقيدة أو لاهوت التنزيه».
أعني بالعقيدة العقيدة الدينية أو الإيمانية، أي بحوث عالم الميتافيريك، أو الوجود أو الوجودات والحقائق المفترضة لما وراء الطبيعة. هذه العقيدة، من أجل أن نحدد موقفنا منها، أنؤمن بها أم نرفضها، وإذا آمن بها على أي نحو نؤمن بها، لا بد من طرحها على القواعد والقوانين العقلية في التفكير والاستدلال، من أجل الحكم عليها بالقبول أو الرفض. هذه رؤية كنت وما زلت أتبناها ويبتبناها الإلهيون العقليون، سواء كانوا دينيين عقليين تأويليين أو لادينيين. وهناك من الدينيين النصيين من يرى وجوب فهم العقيدة حصرا على ضوء النصوص الدينية، أي نصوص الوحي، المباشر منه (القرآن، العهدان القديم والجديد)، وغير المباشر (السنة والحديث والرواية، التقاليد الكنسية). وكذلك هناك من الماديين اللاإلهيين من يرى أن هذه القضايا هي حصرا من شأن العلم التجريبي، وليس من شأن الدين ولا الفلسفة، ويعتقدون بثبوت نفي العلم لما وراء الطبيعة.
وكمدخل للموضوع نسأل أولا: ما هي العلاقة بين العقيدة أي الدين أو الإيمان من جهة، والعقل من جهة أخرى، ثم نتبع ذلك بسؤالين: ما هي مصادر المعرفة للإنسان؟ ثم ما هي أهم القواعد والقوانين العقلية التي نحتاجها في فهم العقيدة؟