عرض: مصطفى كمال
أضحت قضية الإرهاب اليوم تتصدر الخطاب الرسمي للعديد من دول العالم، نظرا لتزايد حجم وتأثير العمليات الإرهابية التي يشهدها العالم سنويا، إضافة إلى التحول النوعي في طبيعة الإرهاب نفسه. ورغم ما تحتويه دراسة الإرهاب كظاهرة من إشكاليات تتعلق بعدم وجود تعريف شامل له وعدم تحديد الكيانات التي توصف بالإرهابية الأمر الذي أدى بالنهاية إلى تعقيد عملية مجابهة الأنماط الجديدة للإرهاب.
في هذا الإطار تناول العدد التاسع والثلاثون من سلسلة دراسات استراتيجية ومستقبلية الصادرة عن معهد البحوث والدراسات العربية، دراسة بعنوان ” الخبرات الدولية في مكافحة الإرهاب” قامت بتأليفها دكتورة إيمان رجب الخبيرة في الأمن الإقليمي، وقائم بأعمال رئيس وحدة الدراسات الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث تناولت الدكتورة إيمان رجب بالدراسة والتحليل أربع عشرة خبرة دولية أوروبية وأسيوية وأمريكية في مكافحة الإرهاب، كما قدمت تحليلا للخصائص الاجتماعية لعينة من العناصر الإرهابية التي تم القبض عليها في العمليات الإرهابية مما يضيف خبرة عملية لدي الدول العربية التي تواجه الإرهاب.
تنطلق الدراسة من مفهوم رئيسي وهو القدرة على مكافحة الإرهاب ويقصد به “توافر الأطر المؤسسية بمكافحة الإرهاب على المستوي الوطني، والتي تهدف إلى الحد من وقوع العمليات الإرهابية ومنع تجنيد إرهابيين جدد. ورغم عدم وجود تعريف شامل للإرهاب، وعدم تحديد للكيانات التي تعد إرهابية، إلا أن هناك شبه توافق حول ما المقصود بالإرهاب وهو تضمنته تعريف الأمم المتحدة للإرهاب بأنه “كل فعل ينطوي على استخدام –أو التهديد باستخدام القوة يهدف إلى التسبب في قتل أو الحاق الضرر بالمدنيين أو غير المقاتلين، بغرض بث الرعب بين الناس، أو إرغام الحكومة أو أية منظمة دولية على فعل شيء ما.
وتنقسم الدراسة إلى ثلاث فصول رئيسية، يتناول الفصل الأول الصورة الجديدة للإرهاب، فيما يتناول الفصل الثاني الإرهاب على الأجندة العالمية، بينما يحلل الفصل الثالث الخبرات الدولية في مكافحة الإرهاب، وانتهت الدراسة بعدد من الدروس المستفادة للدول العربية في مجال مكافحة الإرهاب.
أولاً- الصورة الجديدة للإرهاب
تشير الدراسة إلى أن الصورة الجديدة للممارسات الإرهابية تعبر عن نوع جديد من الإرهاب يعرف باسم الإرهاب بلا قيادة leaderless terrorism، وأصبح هذا هو النمط الأكثر انتشارا إلى جنب النمط التقليدي الذي يعبر عنه تنظيمي القاعدة وداعش. وتعرف الدراسة الإرهاب بلا قيادة بأنه ممارسة الفرد أو مجموعة من الأفراد للفعل الإرهابي دون أن يكون هناك قيادة تنظيمية، أو قيادة ميدانية تخطط لتنفيذ العمليات الإرهابية على الأرض، أو مخيمات لتدريب العناصر الإرهابية، أو إنتماء العناصر الإرهابية لتنظيم معين أو تبنيهم لعقيدة/أيديولوجية معينة. ويأخذ هذا النوع من الإرهاب أحد ثلاثة أشكال، الأول هو الخلايا الصغيرة، والشكل الثاني هو الإرهابي الملهم أو الذئب المنفرد، والشكل الثالث هو الأرملة السوداء black widow.
وحول انتشار هذا النوع من الإرهاب في العالم، تشير الدراسة استنادا لقاعدة بيانات الإرهاب العالمية من حيث الأطراف المنفذة للعمليات الإرهابية بأن إجمالي ما تنفذه التنظيمات التقليدية من عمليات محدود مقارنة بما ينفذه الإرهابيون الجدد وفقا لبيانات عام 2016 إلى أن إجمالي ما نفذته داعش في العراق وسوريا وبوكو حرام والقاعدة وطالبان من عمليات خلال هذا العام بلغ 2906 عملية، في حين أن باقي العمليات نفذتها تنظيمات أخرى وخلايا صغيرة وذئاب منفردة وصل عددها إلى 10554 عملية.
كما تفيد الدراسة بأن خطر الإرهاب بلا قيادة الذي تواجهه العديد من دول العالم اليوم، قد يكون من الصعب تحقيق الانتصار الكامل عليه في هذه الدول أو الإعلان عن أن دولة ما أصبحت خالية من خطر الإرهاب بنسبة 100%. وذلك لعدة أسباب.
1. أن هذا النمط من الإرهاب من الصعب التنبؤ به، أو التنبؤ بالهجوم التالي، ولا تتكشف أبعاده إلا بوقوع الفعل الإرهابي.
2. إن تجنيد الأفراد الذين يقررون ممارسة هذا النمط من الإرهاب، لا تتم بشكل منتظم سواء بصورة فردية أو من خلال مجموعات صغيرة العدد، هم مجندون بصورة تلقائية، لأسباب فكرية أو أيديولوجية، وهو ما يمثل محفز trigger لممارستهم الفعل الإرهابي هو تعرضهم بصورة مستمرة لمواد تسهل عليهم التخطيط للعمل الإرهابي، وعادة ما يحدث ذلك من خلال مواقع مختلفة على شبكة الأنترنت.
ثانياً- الإرهاب على الأجندة العالمية
تشير الدراسة إلى وجود العديد من الآليات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، من بينها استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والتحالف الدولي لمكافحة إرهاب داعش في العراق وسوريا.
1. استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب
تبنتها الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2006، وتعد آلية عالمية لتعزيز القدرات المحلية والإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب، وتتضمن أربع محاور رئيسية هي:
· التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب: حيث تنص الاستراتيجية وخطة العمل المرفقة بها على اتخاذ التدابير تهدف إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب.
· تدابير منع الإرهاب ومكافحته: حيث تقر الاستراتيجية باتخاذ التدابير لمنع الإرهاب ومكافحته، ولا سيما حرمان الإرهابيين من الوصول إلى الوسائل التي تمكنهم من شن اعتداءاتهم، ومن بلوغ أهدافهم وتحقيق الأثر المتوخى من اعتداءاتهم.
· بناء قدرات الدول على منع الإرهاب ومكافحته وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد: من خلال تنمية قدرة الدول على منع الإرهاب ومكافحته وتعزيز التنسيق والاتساق داخل منظومة الأمم المتحدة في سياق النهوض بالتعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب.
· ضمان احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون بوصفه الركيزة الأساسية لمكافحة الإرهاب: حيث تقر الاستراتيجية بأن اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان هدفان لا يتعارضان، بل متكاملان ويعزز كل منهما الآخر.
2. المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب Global Counterterrorism Forum
تم إطلاق هذا المنتدى في 22 سبتمبر 2011، ويعد منصة غير رسمية وغير مسيسة تهدف إلى تبادل الخبرات بين أعضاء المنتدى في مجال مكافحة الإرهاب، ويتألف هذا المنتدى من 30 دولة عضو هي الجزائر وأستراليا وكندا والصين وكولومبيا والدنمارك ومصر والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والأردن والمغرب وهولندا ونيوزيلاندا ونيجيريا وباكستان وقطر وروسيا والسعودية وجنوب أفريقيا وإسبانيا وسويسرا وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وتعد المهمة الرئيسية لهذا المنتدى هي نشر مدخل طويل المدى لمكافحة الإرهاب والأيدلوجية التي يستند إليها. وتعد أحد أهداف هذا المنتدى هي المساعدة في تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتي تمت مراجعتها في يونيو 2016، والإطار الخاص بالأمم المتحدة المتعلق بمحاربة الإرهاب.
3. التحالف الدولي لمكافحة إرهاب داعش في العراق وسوريا
تم تشكيل هذا التحالف في سبتمبر 2014، بهدف “القضاء degrading بصورة نهائية على داعش”، ويتكون من 73 دولة عضو ملتزمة بمحاربة داعش على كل الجبهات بهدف تفكيك شبكات التنظيم ومحاربة طموحاته العالمية. ويواجه التحالف داعش من خلال خمس خطوط دعم رئيسية تشمل تقديم الدعم العسكري للحلفاء، مواجهة الدعاية الخاصة بداعش، إعاقة تدفق الإرهابين الأجانب، والقضاء على تمويل داعش ومواجهة الأزمة الإنسانية في المنطقة. ويتألف من 4 مجموعات عمل أحدها حول مكافحة التمويل، والثانية حول مكافحة المقاتلين/الإرهابيين الأجانب، والثالثة حول عدم الاستقرار، والرابعة حول الاتصالات.
ثالثاً- الخبرات الدولية في مكافحة الإرهاب
تحلل الدراسة 14 خبرة دولية في مجال مكافحة الإرهاب هي الاتحاد الأوربي وألمانيا وبلجيكا وروسيا وفرنسا وإيطاليا والدانمارك وسنغافورة وماليزيا وفنلندا وبريطانيا وهولندا والولايات المتحدة وسريلانكا، وتجمع هذه الخبرات بين الخبرات الجماعية والخبرات الفردية. كما تكشف هذه الخبرات عن أن الأطراف المعنية بمكافحة الإرهاب لم تعد هي مؤسسات الدولة الرسمية فقط، وإنما أصبح التوجه هو الشراكة بين هذه المؤسسات والمؤسسات غير الرسمية بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية، فضلاً عن المواطن، ويعد إشراك المواطن الفرد في عمليات مكافحة الإرهاب خطوة متقدمة لم تكن موجودة في فترات سابقة، لاسيما في ظل التطوير الذي لحق بكيفية إشراك المواطن في عمليات المكافحة.
ومن خلال تحليل هذه الخبرات، حددت الدراسة إطارًا تحليليًا يتكون من مستويين رئيسيين، هما:
1. تعزيز قدرات المؤسسات الأمنية والحكومية في تتبع العناصر والخلايا الإرهابية، ويرتبط بذلك برامج رفع قدرات تلك المؤسسات وتزويدها بالتكنولوجيا الحديثة، وتوفير الأطر التشريعية والقانونية التي تعزز من سلطاتها. فضلًا عن بناء الشراكات مع المجتمع المدني ومع المواطنين.
2. استهداف مراكز الثقل center of gravity الخاصة بالعناصر الإرهابية، والمقصود بها نقاط القوة التي تعتمد عليها العناصر الإرهابية من أجل الحفاظ على بقائها وعلى قدرتها على تخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية. ويتضمن ذلك الإجراءات الخاصة بتقليص عدد من يتم تجنيدهم لممارسة الإرهاب، وفرض القيود على الأنترنت والذي تحول إلى مساحة لتجنيد إرهابيين جدد، وتفكيك شبكات التمويل التي تستفيد منها أو تعتمد عليها العناصر الإرهابية.
كما تكشف الخبرات التي تهتم بها هذه الدراسة عن أن الهدف الرئيسي الذي تسعى الدول لتحقيقه في مكافحتها للإرهاب يتمثل في محاصرة وإضعاف الإرهابيين، حيث أصبح تحقيق الانتصار الكامل على الإرهاب فكرًا وممارسةً من الصعب تحقيقه.
خاتمة- الدروس المستفادة للدول العربية في مجال مكافحة الإرهاب
استقت الدراسة من خبرات الدول الأربع عشر التي تم تحليلها، مجالين مفيدين للدول العربية في مجال مكافحة الإرهاب، وهما:
1. كيفية تعزيز قدرات المؤسسات الأمنية على مكافحة الإرهاب.
2. يتعلق بكيفية التخطيط لسياسات المكافحة من حيث موضوعها.
ويمكن في هذا الإطار، تحديد عدد من الدروس المستفادة للدول العربية من واقع الخبرات الدولية التي تم تحليلها في هذه الدراسة.
1. أهمية صياغة استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب: تؤكد الدراسة على أهمية وجود استراتيجية على المستوى الوطني في تحديد التوجه العام في تعامل مؤسسات الدولة المختلفة مع الإرهابيين، وكذلك في تحديد أولويات عملية مكافحة الإرهاب، وفي تحديد نوعية التشريعات والقوانين المطلوب إصدارها من قبل السلطة التشريعية من أجل إضفاء مشروعية على سياسات مكافحة الإرهاب. وكذلك تحديد المؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب، وصلاحياتها وسلطاتها.
2. حسم العلاقة الجدلية بين مكافحة الإرهاب وحقوق الأنسان: حيث تشير الدراسة إلى أن عملية مكافحة الإرهاب خلال المرحلة الحالية تثير العديد من الإشكاليات المتعلقة بالموازنة بين تحقيق الأمن، وبين حماية الحقوق والحريات السياسية، خاصة خلال المراحل الانتقالية التي تلت سقوط النظم القديمة في عدد من الدول العربية، والتي تتصاعد فيها المطالب الخاصة بمزيد من الحريات السياسية، حيث يكون الناس أقل تسامحًا مع أي محاولات للتقليص الحريات التي يتمتعون بها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإشكالية تعاني منها الدول الغربية أيضًا بعد اتجاهها لتبني إجراءات استثنائية لمواجهة العمليات الإرهابية التي أصبحت تهددها، ومن ذلك الجدل الذي أثارته الإجراءات التي تبنتها فرنسا بعد حادث شارلي إبدو.
3. الشراكة مع المجتمع المدني ومع المواطنين خاصة الشباب: أكدت الدراسة على أهمية أن تتعامل الدول العربية مع الشباب كشريك مهم في عملية مكافحة الإرهاب، سواء بصفته مواطن مسئول، أو بصفته عضو في أي من منظمات المجتمع المدني، وأن تهتم بتطوير سياسات كفيلة برفع وعي الشباب بخطورة الإرهاب وكذلك بتعزيز دوه في توعية أقرانه وأيضًا تستهدف أماكن تجمع الشباب خاصة الجامعات.
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات